اخبار المغرب

مدونة الأسرة والمسطرتين الجنائية والمدنية.. أجندة تشريعية مكثفة تكتنف الدخول الربيعي للبرلمان

وسط سياقات سياسية واجتماعية دقيقة، تنعقد الدورة البرلمانية الربيعية بالمغرب، الجمعة المقبل، وفقا للفصل 65 من الدستور الذي يحدد الجمعة الثانية من أبريل موعدا لانطلاق أشغالها.

ومع هذه العودة، تتهيأ المؤسسة التشريعية لمناقشة مشاريع قوانين مصيرية، أبرزها المسطرة الجنائية، والمسطرة المدنية، ومدونة الأسرة، ضمن أجندة مكثفة يعول عليها لإعادة هيكلة البنية التشريعية لمنظومة العدالة، ومواكبة التحولات الحقوقية والتقنية المتسارعة.

وتأتي هذه الدورة في ظل تصاعد النقاش العمومي حول الإصلاحات القانونية، واستمرار التباين بين الحكومة والمعارضة، وبين مقاربات الدولة الأمنية ومطالب الفاعلين الحقوقيين، في وقت يشهد فيه المغرب ارتفاعا في معدلات الجريمة، واكتظاظا في المؤسسات السجنية، وتناميا في المطالب الاجتماعية، ما يجعل من هذه الدورة إحدى أكثر المحطات التشريعية حساسية منذ المصادقة على دستور 2011.

تشير المؤشرات الأولية إلى أن الدورة البرلمانية الحالية ستكون على صفيح ساخن، مع ارتفاع حدة التوتر بين مكونات الأغلبية والمعارضة، خاصة في ظل الخلافات القائمة بشأن مرجعية التشريع، بين ما ينظر إليها على أنها مقاربة حقوقية تؤمن بالسمو الدستوري والاتفاقيات الدولية، وأخرى توصف بأنها مقاربة أمنية وإدارية ترى في الاستقرار هدفا أوليا.

المسطرة الجنائية

يحتل مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية مركز الثقل في النقاش التشريعي خلال هذه الدورة، باعتباره من أبرز النصوص القانونية التي يُرتقب أن تُحدث تحولا كبيرا في مجال العدالة الجنائية.

وتعتبر الحكومة هذا المشروع خطوة ضرورية لتأهيل المنظومة الجنائية، في ضوء التحديات الجديدة المرتبطة بالجريمة السيبرانية، والجرائم المالية المعقدة، وتوصيات النموذج التنموي.

وقد دافعت فرق الأغلبية البرلمانية عن المشروع، مشددة على كونه يستجيب لمتطلبات تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، وترشيد الاعتقال الاحتياطي، وتحديث آليات مكافحة الجريمة، بما يحقق توازنا بين حماية الأمن العام وصيانة الحقوق الفردية.

الشاوي بلعسال، منسق الأغلبية، أوضح في ندوة دراسية داخل البرلمان أن القانون الجديد يأتي ثمرة حوارات موسعة، أبرزها الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، ويأخذ بعين الاعتبار التطور التكنولوجي وتغير أنماط الجريمة، ما يستدعي نصوصا واضحة وآمنة تضمن الاستقرار القانوني.

لكن المعارضة والفاعلين الحقوقيين لا يبدون نفس الحماس، فالمشروع، وفق كثير من المتدخلين، لا يرقى إلى طموحات الإصلاح الحقيقي، إذ وصف النقيب عبد الرحيم الجامعي، أحد أبرز الأصوات الحقوقية، النص بأنه استمرار للعقلية الأمنية، محذرا من غياب فلسفة حقوقية حقيقية في بنيته، معتبرا إياه مشروعا لا يعالج الأعطاب البنيوية في منظومة العدالة.

بدورها، طالبت المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية بإحالة المشروع على عدد من المؤسسات الدستورية، منها المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وهيئة النزاهة، بهدف مراجعة بعض بنوده التي تعتبرها “غير متلائمة مع المبادئ الدستورية والاتفاقيات الدولية”.

وكانت هيئة النزاهة والوقاية من الرشوة قد دعت، في هذا الإطار، إلى اعتماد مقتضيات استثنائية في ما يخص جرائم الفساد، أبرزها تعليق العمل بالتقادم أو احتسابه ابتداء من تاريخ اكتشاف الجريمة، بالنظر إلى طبيعتها المركبة وصعوبة كشفها في الوقت المناسب، وهي توصيات اعتُبرت بمثابة ضغط على المشرّع لإدخال تعديلات جوهرية على النص المعروض.

المسطرة المدنية

في الجهة المقابلة، لا تزال المسطرة المدنية في دائرة التعثر التشريعي، رغم مصادقة مجلس النواب عليها بالأغلبية في دورة سابقة، بعد قبول الحكومة لـ321 تعديلا قدمتها الأغلبية والمعارضة، ما يمثل 27% من التعديلات المقترحة.

غير أن وزير العدل عبد اللطيف وهبي قرر تعليق التصويت على المشروع في الغرفة الثانية، إلى حين صدور التعديلات النهائية لمدونة الأسرة، نظرا لما بين القانونين من ارتباط موضوعي، خاصة في ما يتعلق بقضايا الطلاق والحضانة والصلح بين الزوجين.
ويؤكد وهبي أن الحكومة تتجه نحو إعادة تنظيم القضاء الأسري، عبر إنشاء محاكم متخصصة للأسرة برؤسائها وقضاتها، وهو ما يتطلب تعديلا منسجما ومتكاملا في القوانين المتقاطعة.

رغم ذلك، فإن المعارضة وجهت انتقادات حادة للنص، معتبرة أنه تضمن “تراجعا عن عدد من المبادئ القانونية المستقرة”، خاصة ما تعلق بحقوق المتقاضين، ومبدأ المساواة في الولوج إلى العدالة، مع تركيز خاص على المادة 17 التي تمنح النيابة العامة حق الطعن في الأحكام النهائية، دون التقيد بأجل معين، وهو ما يثير مخاوف حول استقرار الأحكام القضائية والأمن القانوني للمتقاضين.

وفي ظل الجدل القانوني الذي رافق مصادقة الغرفة الأولى للبرلمان على مشروع القانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية، قرر رئيس مجلس النواب راشيد الطالبي العلمي، تفعيل اختصاصته الدستورية، بإحالة مشروع القانون على أنظار المحكمة الدستورية بعد استكمال مسطرة المصادقة عليها داخل البرلمان.

مدونة الأسرة

في ظل الاحتقان الاجتماعي المتزايد حول عدد من القضايا المتعلقة بالأسرة والمرأة والطفولة، تنتظر الساحة السياسية والمدنية إحالة مشروع مدونة الأسرة الجديد على البرلمان، بعد انتهاء اللجنة المكلفة من تقديم مقترحات التعديل للحكومة.

وكانت الحكومة قد أعلنت في 24 ديسمبر 2024 عن الخطوط العريضة للمراجعة، والتي شملت قضايا خلافية مثل الإرث، والتعدد، والحضانة، وتحديد سن الزواج، وزواج الفاتحة، غير أن النقاش لم يُفتح بعد داخل البرلمان، بعد أن تقرر تأجيل اجتماع لجنة العدل والتشريع بطلب من الحكومة، في انتظار القرار الملكي الحاسم.

تأجيل الحسم في هذا الملف زاد من منسوب الانتظارات لدى الرأي العام، خاصة مع مطالبة المعارضة بتوضيحات رسمية حول تقدم الملف، وهو ما أكده إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، داعيا إلى “تنوير الرأي العام، ووضع حد للإشاعات التي تحيط بهذا الورش الإصلاحي الحساس”.

وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن النجاح في تمرير هذه القوانين في صيغ توافقية سيعزز ثقة المواطنين في المؤسسة التشريعية، بينما قد يؤدي استمرار الخلافات إلى تأجيلات جديدة، وإحباطات اجتماعية قد تنعكس على السلم الاجتماعي والثقة في المسار الديمقراطي.

ويبقى التحدي الأكبر في هذه الدورة هو قدرة البرلمان على التوفيق بين الرهانات التقنية للإصلاحات، والضغوط السياسية والحقوقية، في ظل تعدد المتدخلين، وتضارب المصالح، وحساسية النصوص القانونية المعروضة.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *