أفادت دراسة تحليلية للمرصد الوطني للإجرام بأن موجة مخدر “البوفا” خلفت نحو ألف ومائة موقوف في المغرب بين سنتي 2022 و2024، بعد معالجة 878 قضية أسفرت عن مصادرة أكثر من 18 كيلوغراما من المادة؛ وهي أرقام تأتي في وقت يصف فيه خبراء وأسر الظاهرة بـ”الخطر الأسود”، الذي يهدد النسيج الاجتماعي والطفولة والمراهقين.

وفي وقت دقت فيه فعاليات مدنية وخبراء صحيون ناقوس الخطر إزاء الانتشار الواسع لهذا المخدر “شديد الخطورة”، تطالب الأسر المتضررة بتشديد العقوبات إلى حد الإعدام لوقف زحفه. كما حذر الأطباء من أن تكلفته الاجتماعية والصحية باهظة جدا، إذ يدمر حياة المدمنين عليه من الشباب والمراهقين ويدفعهم نحو الجريمة والموت المفاجئ.

نداء الأسر المكلومة

الحسن البغدادي، رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة التدخين والمخدرات الأخرى بالمغرب، قال إن جمعيته تتلقى يوميا عشرات المكالمات الهاتفية من آباء وأمهات يعيشون معاناة مزدوجة؛ فهم من جهة يرون آمالهم تضيع مع فلذات أكبادهم الذين يتحولون إلى مجرمين يثيرون الفوضى داخل البيت، ومن جهة أخرى يرزحون تحت تهديد أبنائهم المستمر لابتزازهم من أجل الحصول على المال اللازم لشراء المخدرات.

وفي هذا الصدد، أضاف البغدادي، ضمن تصريح لهسبريس، أن الأمر يصل أحيانا إلى السرقة واستعمال الكلام النابي وسلوكيات منحرفة تدمر صورة الأسرة المغربية الملتزمة.

وطالب رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة التدخين والمخدرات الأخرى بالمغرب بضرورة تشديد أقصى العقوبات السجنية تصل للمؤبد أو الإعدام، قائلا: “العقوبات المتساهلة لن تكون كافية لشفاء غليل الأسر المكلومة، ولن تحد من اتساع رقعة هذا الخطر الأسود الذي يهدد كيان المجتمع”.

ولفت الفاعل الجمعوي سالف الذكر إلى أن “الحل يكمن في مصادقة السلطات المعنية على إعدام كل من يتورط في بيع وترويج هذا السم القاتل، حمايةً للأسر والمجتمع والمستقبل برمته”.

وشرح المتحدث عينه أن مخدر “البوفا”، الذي يطلق عليه بارونات المخدرات لقب “كوكايين الفقراء”، في محاولة لتوسيع قاعدة الزبناء وزيادة الأرباح، “هو مخدر مصنف ضمن المواد شديدة الخطورة، انتشر بشكل واسع في المدن والقرى المغربية على السواء، وأغلب مستهلكيه من المراهقين والفئة الشابة”.

وأضاف البغدادي أن ثمنه أصبح في متناول اليد، إذ تراجع الغرام الواحد إلى 50 أو 60 درهما بعدما كان يتراوح بين 300 و600 درهم؛ ما جعله أكثر انتشارا، خاصة بين تلامذة المدارس ومراكز التكوين المهني ودور الشباب، حيث يسهل على المروجين استهداف الناشئة.

وللدلالة على خطورته، أشار رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة التدخين والمخدرات الأخرى بالمغرب إلى ما كشفه عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، خلال جلسة برلمانية يوم 24 يوليوز 2023، حين أكد أن السلطات الأمنية سجلت 200 قضية مرتبطة بـ”البوفا” منذ مطلع تلك السنة.

وأبرز الحسن البغدادي أن “البوفا” ليس سوى بقايا الكوكايين ممزوجا بالأمونياك ومشروبات كحولية أو حبوب مهلوسة ومواد أخرى كالحشيش والقرقوبي، في تركيبة قاتلة تُحدث نشوة عابرة أو قوة جسدية وذهنية مزعومة؛ لكنها سرعان ما تنقلب إلى نوم عميق أو فقدان للعقل.

وأكد رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة التدخين والمخدرات الأخرى بالمغرب أن “هذا الخليط يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة؛ منها الموت المفاجئ، وضعف القلب، والهلوسة، بل وحتى العجز الجنسي التام. ويكفي أن يتعاطى الشخص جرعتين أو ثلاثا فقط ليجد نفسه أسير الإدمان، وقد يلقى حتفه في وقت قصير جدا، إما بالانتحار أو بسم هذا المخدر الفتاك”.

تحذير من المستقبل

من جهته، قال الطيب حمضي، طبيب وباحث في السياسات والنظم الصحية، إن خطورة “البوفا” تفرض التعامل معه في إطار معالجة شمولية تتجاوز مجرد تعداد مخاطره.

وأبرز حمضي، ضمن تصريح لهسبريس، أن هذا المخدر يشكل تهديدا مباشرا لصحة الأفراد، ويعصف بالحياة الأسرية، ويفتح الباب أمام انتشار الجريمة والعزلة الاجتماعية.

واستحضر الطبيب والباحث في السياسات والنظم الصحية تجارب دولية للتنبيه، حيث اضطرت الولايات المتحدة الأمريكية في ثمانينيات القرن الماضي إلى تغيير قوانينها وتشديد العقوبات بعد أن فتك “الكراك” بمجتمعها؛ فيما واجهت أوروبا في التسعينيات التحدي نفسه، ما يستوجب على المغرب الاستفادة من تلك الدروس وخوض مواجهة مبكرة وحاسمة.

وأضاف المتحدث عينه أن هذا المخدر يُصنع عبر خلط الكوكايين بمواد أخرى، فيصبح ثمن الجرعة أرخص من الكوكايين بنحو ست أو سبع مرات؛ غير أن الإدمان عليه يكلف أكثر بكثير بسبب قصر مفعوله الذي لا يتجاوز 15 دقيقة، ما يدفع المتعاطي إلى تكرار الجرعات بشكل متسارع. وهكذا، يتحول الإدمان إلى دائرة مغلقة نفسية وسلوكية وكيميائية تدفع المدمن إلى التخلي عن العمل والدراسة، بل واللجوء إلى السرقة والجرائم من أجل توفير الجرعة.

وحذر حمضي من الأضرار الصحية المباشرة للبوفا، إذ يرفع من احتمالات الإصابة بأزمات قلبية وجلطات دماغية، ويؤثر سلبا على الجهاز التنفسي نتيجة الاستنشاق المتكرر، كما يقود إلى سوء تغذية وتدهور الأسنان والتهابات الجلد وانعدام الاهتمام بالنظافة. وإلى جانب ذلك، يدمر الحياة الأسرية ويدفع المجتمع ثمنا باهظا؛ فالمخدر رخيص في جرعته، لكنه باهظ جدا في نتائجه المالية والصحية والاجتماعية، لأنه يسلب الإنسان حريته ويدفعه إلى ارتكاب جرائم تنتهي به في الغالب وراء القضبان.

المصدر: هسبريس

شاركها.