محمد وهابي .. عارف بشؤون قطاع الفلاحة ينغمس في كتابة الشعر والقصة
تتّصل صباحا فتجده مشغولا بمحصول الفلاحة، مهموما بالأدب الذي تنازِعُ الإخلاصَ له الحياةُ. يكتب للأمل، يوثق خيباته، يخلّد الوعي بالتّيه، ويتمسّك بالكلمة بَوحا، وأمانة، وقدَرا يعطي، حينا، معنى للعيش، ويمتنع عن ذلك حينا.
من دوار النخاخسة بإقليم تازة تجربة أدبية تتحدّى! الفلاح محمد وهابي مسكون بالأدب، ووجد في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” سبيلا لمشاركة ما يبدعه مع جمهور القراء بالمغرب وعموم قراء اللغة العربية.
القاصُّ وهابي تنتظر المكتباتُ مجموعته القصصية الأولى، ضامة مختارات سهر على انتقائها في غمرة الحياة، مع تطلعه، يوما، إلى كتابة الرواية، واستمراره في كتابة الشعر، رغم واجبات الحياة، ومن بين ما كتبه في هذا الباب: “أطفو على سطح الليل، كجثة، فتنفض يدها مني، موجة، إلى موجة، فأخرى… ولا يتلقفني شاطئ للحلم، للبعث…! يتلقفني صباح آخر، مرة أخرى، حيث علي أن أموت كثيرا، لأعيش قليلا.”!
وبعد حادث انتحار شخص يعرفه اسمه طارق كتب الشاعر: “الحبل كان أرحم منا / كان حبل نجاة، من الحياة، ومنا..! / كان جسرا / مضى بك / بعيدا / حيث لن نراك / ولن ترى عيوننا / التي كأنها ما كانت تراك! / فآه يا طارق… / كم مرة مُتَّ، / بيننا.. / وعدتَ / لتجد أيادينا على المعاول / حيث لن نبخل عليك بقبر. / نحن الذين بخلنا عليك، / بنظرة”، إلى أن يقول: “لم نترك لك / غير حبل / وغصن/ حيث تجمدت الصرخة الأخيرة / كي لا تسمعها آذاننا / التي تدعي الصمم”!.
وعن حقيقة الحياة كتب: (…) وسِر إلى حيث تشاء / سر حافيا، إن تعذر الحذاء… / فكم قبلك من حفاة مروا / فمر…!/ تكفي بطاقة تعريف، / كي نعرفك…/ حتى وإن جهلت نفسك، / ونسيت اسمك، / وأسماء الجذور…/ لا تخش شيئا. / لا سوابق لك، / لنلحق بك. / لا لواحق لك، / لنستبقك… / فاذهب إلى حيث تشاء، شرقا غربا، / شمالا جنوبا، / فكل الطرق تصب، / في تيه واحد!
في حديث مع هسبريس، لم يتبيّن محمد وهابي بداية قصته مع الأدب، بل قال: “كنت أدرس، وانقطعت عن الدراسة سنة 1988. ربما الانقطاع هو السبب، فلم أكن أريده، بل فرضت علي ذلك الظروف، وهو أمر ظل أثره فيّ، واستمرت عندي الرغبة في الدراسة، حتى سافرت إلى منزل عمّ لي في عيون الشرق وجدة حيث كنت أقرأ الروايات والقصص”، روايات جورجي زيدان ومصطفى لطفي المنفلوطي وعباس محمود العقاد.
بعد ذلك استقر وهابي في البادية، وكان يتردد على ابن عمة له حصل على شهادة الإجازة، وظلّ بدون شغل، لكنه “كان يقرأ؛ فانتقلت إلى مرحلة قراءة حنا مينة وعبد الرحمان منيف ونجيب محفوظ”.
وما كان البوح الأول أدبا عربيا، بل كلمات “راي”، تشبّع به حينما حلّ بالشّرق المغربي، وتلاه استمرار “في كتابة ما يجول بخاطري”، استجابة لحلم “أن أصير كاتبا”.
هذا الحلم رافقه ويرافقه هاجس إلى اليوم؛ خوف أثير عند من يولون الأدب حقه: خوف التطفل على الكتابة.
وكانت البداية الفصيحة بالخواطر، التي تحدّت عزلة كاتبها؛ فـ”كتب لنفسه ليعطي معنى لحياته”، ثم جاء موقع “فيسبوك” “متنَفسا”؛ وفيه يقول وهابي: “بعدما لقيت التشجيع من بعض الناس والمثقفين، اكتسبت ثقة أكبر في النفس، ولو أنه لم يكن لي هدف أكثر من التنفيس بالكتابة. بدأ التفاعل محدودا (…) ثم توالى التفاعل والتشجيع”.
وفي غمرة العيش اليومي والمسؤوليات الأسرية، ذكر الكاتب أنه قبل “فيسبوك” كان يعيش “عزلة قاسية”، حتى أن عائلته الصغيرة اعتبرت انشغاله بالكتابة “ضربا من الجنون”.
لكن وجد الكاتب جمهوره، من يقرأ، ويعلّق، ويتفاعل، ويشجّع… ثم وجد من يتكفّل بنشر مجموعته القصصية الأولى، التي توجد قيد الطبع حاليا.
نشر عمل أدبي بالنسبة لمحمد وهابي “فرح واعتزاز”، و”عتبة مرحلة أخرى”، مع تأكيده على أن الإسهام في الحقل الأدبي “ليس ترفا، بل مسؤولية كبيرة”.
هذه المسؤولية تتردد باستمرار في حديث الكاتب، الذي لا يعتبر الأدب تزجية للوقت، وصفة تسبق الاسم، بل هو “مسؤولية كبيرة، ورهان كبير، والغرض هو كتابة فيها قيمة مضافة، لا زيادة اسم آخر في لائحة الكُتّاب”، وإعطاء “الإشعاع للتاريخ وحاضرنا. هو رهان ومسؤولية كبيرة، وتحد، وليس ترفا”.
ولا ينفي الإبداع أدبا قسوة العيش: “المعيش اليومي هو المشكل الحقيقي، لِي هم الكتابة والقراءة كثيرا، لكن الظروف تسير من سيئ إلى أسوأ، وكيس طحين يكون صعبا أحيانا”.
ويبقى عالم الأدب موئلا لمحمد وهابي في قريته البعيدة عن المراكز الثقافية بالمغرب، وعن الأفراح الجماعيّة، فيكتب:
“في الخلاء لا حاجة للعيدِ.
إذ العيد هو أنتَ.
وهنا لا أحدْ،
عدا روح تعود إلى ترابها،
حيث لا حاجة لسماسرة القرابينْ،
ولا للقرابين نفسها!
هنا أنسلخ عن الأعيادِ،
والأحقادِ،
والأصفادِ…
فلا أحتاج جلبابا من الكلمات البيضاءْ،
ولا طربوشا أحمر في رأس تنتعله جمجمتي،
يوم العيدِ،
قبل أن تعود جمجمهْ!
هنا أنا في كامل عرائي،
كآدم قبل أن تكسوه الأجيالْ.
أقطف باكورة الاسم،
من عنقود الكلامْ،
مطلعَ فجر لم يشهد حفل عقيقته بعد!
هنا أقف على النبعِ،
حافي الكفِّ،
ويخطو لساني على الماءْ.
إذ لا حاجة للأكوابِ،
كي تقيم حفلهْ،
على شرف عطشي…
فالعيد كوبٌ،
والفرح رشفات متقطعهْ!
هنا ليس بيني ونفسي،
عيدٌ،
وجلباب أبيض،
وطربوش أحمرْ…
هنا بيني ونفسي،
عيد،
وجلباب أبيض،
وطربوش أحمر.”!
المصدر: هسبريس