أكد محمد الساسي، القيادي في حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، أن المسار الانتخابي في المغرب ظل، عبر تاريخه، خاضعا لـ”هندسة مسبقة” تهدف إلى تفادي المفاجآت وضبط الخريطة السياسية بما لا يتعارض مع مصالح “النواة الصلبة في مربع القرار”.
وأوضح الساسي، خلال ندوة نظمتها مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد تحت عنوان: “الانتخابات القادمة، أية جدوى؟”، أن العملية الانتخابية في المغرب تفقد معناها الحقيقي، لأن من يُنتخب لا يحكم، ومن يحكم لا يُنتخب، معتبرا أن هذه المفارقة تشكل أحد الثوابت الراسخة في التجربة السياسية الوطنية.
وأضاف أن المغرب لم يشهد انتخابات نزيهة باستثناء استحقاقات سنة 1960، التي وصفها بأنها “الوحيدة” التي تميزت بالشفافية، مشيرًا إلى استخدام الحبر على الأصابع كأحد إجراءات النزاهة التي جرى التخلي عنها لاحقًا.
واعتبر الساسي أن سنة 1963 شكلت منطلقًا لمرحلة جديدة كرست توازنًا بين جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية من جهة، وحزبي الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية من جهة أخرى، وهو توازن وصفه بأنه أصبح لاحقًا “غير مرغوب فيه”، ما دفع إلى السعي لكسر هذا التعادل السياسي.
وتوقف الساسي عند أبرز المحطات الانتخابية، مشيرًا إلى أن انتخابات 1970 جرت “بلا رهان”، وكأن النظام السياسي كان يصوّت لنفسه، في حين تميزت انتخابات 1977 بما وصفه بـ”أعنف صراع سياسي” بين ما أسماه “حزب وزارة الداخلية” والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
أما انتخابات 1984، فقد تمت، حسب رأيه، في سياق اتسم بـ”إجهاد المسلسل الديمقراطي” الذي انطلق منذ منتصف السبعينيات. بينما اعتبر أن استحقاقات 1993 و1997 جاءت في إطار الانفتاح السياسي والاستعداد للتناوب التوافقي على السلطة.
وأضاف أن انتخابات 2002 كانت أول اختبار لـ”العهد الجديد”، وشهدت بروز الفاعل الإسلامي في المشهد السياسي. أما انتخابات 2007، فطبعها عزوف الناخبين، وسط مخاوف من “موت السياسة”، وهو ما تغير في 2011 تحت تأثير “الربيع العربي”، الذي أفرز حكومة بقيادة حزب إسلامي، اعتبرها الساسي وسيلة لـ”إطفاء الحريق”.
وأشار الساسي إلى أن انتخابات 2016 مثلت لحظة صراع بين ما وصفه بـ”الشعبوية الدينية” و”الحداثة المعطوبة”، في حين جاءت انتخابات 2021 في سياق تداعيات جائحة كورونا، وأفرزت، بحسب تعبيره، “برلمانا بلا معارضة عملية”.
وأكد الساسي أن المشهد الانتخابي المغربي تحكمه مجموعة من الثوابت، أبرزها أن المغرب لم ينظم يومًا انتخابات تأسيسية لوضع الدستور، وأن القوانين الانتخابية تخضع في كل استحقاق لـ”تجريب قانوني مثير”، إضافة إلى أن الجهاز الإداري للدولة لا يلتزم الحياد خلال العمليات الانتخابية، مما يضع دائما نزاهة الانتخابات موضع شك وتشكيك.
وفي المقابل، أشار الساسي إلى عدد من المتغيرات التي طرأت على العملية الانتخابية، أهمها تراجع مظاهر العنف الانتخابي، وتحول الانتخابات إلى حدث عادي، مقابل تراجع الحماس لدى الناخب والمناضل، وتزايد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الرأي العام.
وختم الساسي مداخلته بالتأكيد على أن انتخابات 2026 ستتأثر بعدد من العوامل، من بينها التحضير لاستضافة المغرب لكأس العالم، ما سيستدعي تقديم صورة إيجابية عن البلاد، بالإضافة إلى استمرار اتساع رقعة العزوف الانتخابي، وتزايد الحركات الاجتماعية والديناميات الاحتجاجية التي لا تجد تمثيلاً لها داخل المسار السياسي والمؤسساتي القائم.
المصدر: العمق المغربي