محمد الخامس مَلِكي .. والمغرب علّمني التسامح
الكاتب الأمريكي خيراردو روسالس سيظل “طفلا طنجاويا”، فـ”مهما تقدم به السن، فطنجة والمغرب يسكنان وجدانه”، وفق الأكاديمية فاطمة طحطاح التي قدمت ما في أحدث كتبه “نحو أدب تقدمي ومقالات أخرى” من تمسك بتجربة عيشه بالمغرب.
وتذكر الدكتورة طحطاح أن خيراردو روسالس قد وُلد في بلدة لينيادي لاكونثيون من أعمال مدينة قادس بإسبانيا سنة 1948 ثم هاجر مع أسرته إلى المغرب، وتحديدا إلى طنجة سنة 1955، حيث أقامت أسرته، وإن كان والداه قد عاشا في المغرب حوالي أربعين سنة حيث وُلد والده بمدينة العرائش وعمل بها، وفي طنجة درس خيراردو في المعهد الإسباني إلى حدود مستوى البكالوريا، وتابع بعد ذلك دراسته الجامعية بإسبانيا، ثم هاجر سنة 1973 إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتحديدا إلى مدينة نيويورك، حيث تزوج، وأنجز أطروحة الدكتوراه، ليتولى بعد ذلك تدريس الأدب الإسباني في عدة معاهد وجامعات بهذه المدينة، منها جامعة كولومبيا بنيويورك، كما ترأس أكاديمية اللغة الإسبانية بها لعدة سنوات.
روسالس الذي يعتبر محمدا الخامس ملكه ويتذكر عودته بعد النّفي واستقلالَ المغرب، تكشف فاطمة طحطح ارتباطه الشديد بالمملكة، وبطنجة خاصة، التي يعتبر طفولته ومراهقته بها “أزهى فترة من حياته”، مع اعتباره “جبل طارق”: “باب الأندلس (الذي) أرشدني في خطواتي الأولى”، والمغرب البلد الذي “علمني أن أعيش، وكيف أعيش، ليس فقط في جو متسامح، بل في منتهى التسامح والأخوة والتعايش بين الأجناس البشرية”.
هذا نص المقال:
صدر للكاتب والأكاديمي الأمريكي خيراردو بينيا روسالس كتاب بعنوان: “نحو أدب تقدمي ومقالات أخرى”؛ عن “دار باكين” بفلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 2022، في حوالي 285 صفحة من الحجم الكبير، وفحواه مجموعة أبحاث نقدية وتراجم ومقالات أدبية، وتتخلله مجموعة من الصور الفوتوغرافية لنفس المؤلف.
الكاتب/ المؤلف:
وُلد خيراردو روسالس في بلدة لينيادي لاكونثيون من أعمال مدينة قادس بإسبانيا سنة 1948 ثم هاجر مع أسرته إلى المغرب وتحديدا إلى طنجة سنة 1955 حيث أقامت أسرته، (وإن كان والداه قد عاشا في المغرب حوالي أربعين سنة حيث وُلد والده بمدينة العرائش وعمل بها) وفي طنجة درس خيراردو في المعهد الإسباني إلى حدود مستوى البكالوريا، وتابع بعد ذلك دراسته الجامعية بإسبانيا، ثم هاجر سنة 1973 إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتحديدا إلى مدينة نيويورك، حيث تزوج، وأنجز أطروحة الدكتوراه، ليتولى بعد ذلك تدريس الأدب الإسباني في عدة معاهد وجامعات بهذه المدينة، منها جامعة كولومبيا بنيويورك. كما أنه ترأس أكاديمية اللغة الإسبانية بها لعدة سنوات، وله عدة عضويات علمية داخل أمريكا وخارجها.
أصدر خيراردو روسالس العديد من المؤلفات والبحوث والمقالات في المسرح وفي الشعر وفي النقد والسرديات لا يتسع المجال لتعدادها.
إضافة إلى ذلك فهو رسام ومصور وفوتوغرافي، عرض صوره في عدة متاحف، وله موقع إلكتروني خاص بهذه الصور.
يسترجع ذكرياته عندما حمله والده على كتفيه حيث اندس مع حشود من المواطنين في طنجة، احتفالا برجوع الملك الراحل محمد الخامس من منفاه، واحتفالا بعد ذلك باستقلال المغرب سنة 1956.
يَعتبر المؤلف أن المغربَ هو البلد الذي لا يُنسى، وأنه كان دائما يتحين أية فرصة لزيارة طنجة خاصة، وقد صرح بذلك في عدة مناسبات، سواء عندما دعي إلى ندوة دولية جمعتنا في الرباط سنة 2002 أو من خلال مقالات هذا الكتاب، أو ما صرح به لجمهور الحاضرين عندما قام بتقديمي في جامعة كولومبيا بنيويورك لإلقاء محاضرة هناك.
المغرب في ضمير الكاتب
ما نود التركيز عليه من خلال هذا الكتاب، هو هذا الارتباط الشديد للمؤلف بالمغرب، وبمدينة طنجة خاصة، ورغم أنه ولد بإسبانيا كما أسلفنا، وعاد للدراسة العليا في جامعاتها، ورغم أنه هاجر بعد ذلك إلى نيويورك حيث تزوج وعمل في جامعاتها واستقر بها إلى اليوم؛ إلا أن سنوات طفولته ومراهقته التي أمضاها في طنجة يعتبرها أزهى فترة من حياته، وهو يصرح بذلك في عدة مناسبات ومن خلال عدة مقالات كما في هذا الكتاب الأخير الذي نحن بصدده الذي يذكر بين ثناياه الملك الراحل محمد الخامس ويترحم عليه بعبارة: (que Dios lo guarde en su gloria)، ويعتبره مَلكه أيضا، بل وأورد له صورة فوتوغرافية مرسومة على طابع بريدي قديم. كما يتذكر الحارات، باب المصلى، الشوارع كشارع ليون الإفريقي القريب من منزله ومنزل أستاذه اليهودي، ويتذكر الأماكن، المقاهي، السوق، الداخل، المصلى، ويتذكر أماكن العبادة، مساجد كانت أم كنائس أم بيعا، ويتذكر أصدقاءه من كل الديانات والجنسيات؛ لأجل ذلك كله فهو يعتبر المغرب بلد التسامح بامتياز…
يستعرض الكاتب في المبحث الثاني من هذا الكتاب الذي قام بإهدائه إلى كاتبة هذه السطور وهو بعنوان “جبل طارق باب ومفتاح الأندلس” أهمية هذا الجبل عبر التاريخ، منذ عهد طارق بن زياد وفتح الأندلس، مرورا بكوكبة العابرين إلى الأندلس من المرابطين والموحدين والمرينيين لتأسيس دول في الأندلس، وغير هؤلاء من الأفراد النازحين المهاجرين ذهابا وإيابا…؛ دائما كانت صخرة جبل طارق الممر والملجأ.
يعترف الكاتب منذ البدء بأن جبل طارق يحتل مكانة خاصة من هويته، يقول: “جبل طارق.. باب الأندلس أرشدني في خطواتي الأولى، والمغرب علمني أن أعيش، وكيف أعيش، ليس فقط في جو متسامح، بل في منتهى التسامح والأخوة والتعايش بين الأجناس البشرية”.
وقد ردد الكاتب ذلك في المبحث الثالث عن التراث اليهودي (السفارديم) وفي مقاله عن ليون الإفريقي واستكشاف إفريقيا.
ويضيف: “نعم، في جبل طارق ولدت أمي، وفي جبل طارق دفن جداي (…) وفي الأسطورة طنجة نشأت وعشت أزيد من عشرين سنة إلى أن تزوجت ورحلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية”. ويضيف في المقال نفسه: “إن عالم المضيق رغم إقامتي الطويلة في نيويورك كان وسيظل عالمي ووطني، هناك توجد جذوري التي رغم أنها ليست مزروعة في أماكن أخرى إلا أننا نحملها في الداخل، ولا تتغير باختلاف الزمان والمكان”؛ لذلك فهو سيظل دوما ذلك الطفل الطنجاوي الذي يتذكر ويقول: “في سنة 1955 وأنا ما زلت طفلا صغيرا، قطعت مياه المضيق (مضيق جبل طارق) لأول مرة، حملني والدي على كتفيه في اتجاه طنجة… وكانت عيناي وأنا طفل مندهشتين لرؤية الملك محمد الخامس وهو راجع من المنفى ومعه استقلال المغرب سنة 1956” (ص. 12).
ويضيف: “وبعد ذلك بسنوات، عندما تفتقت ميولي الأدبية، عدت لاستكشاف المضيق، هذه المرة، من شواطئ طنجة، من منزلي إلى أبواب حي المصلى كنت أسمع يوميا أذان المؤذن ينادي للصلاة…”، وعن أصدقائه في طنجة يقول إنهم “خليط من عدة ديانات وثقافات، فهناك من اسمه ابن عجيبة وصمويل بن شيمون، وفرانسيسكو.. مسلمون، يهود، مسيحيون… خليط مثمر كفيل بخلق مزاج خصب مرتكز على أسس الصداقة والتعاون المتواصل…” ويتابع: “وهكذا مع مرور الزمن، من داخل مدينة ابن بطوطة ومروره قرب المضيق، وُلدتْ أولى قصائدي بعنوان: “أنشودة إلى فريد الأطرش”.
إن جبل طارق يبدو للكاتب مكانا فريدا من نوعه حيث تقاطُع بحرين وقارتين وثقافتين. كما أن الكاتب سيظل ذلك الطفل الطنجاوي حسب تعبيره مهما ارتحل إلى بلدان أخرى ومهما تقدمت به السن فطنجة والمغرب يسكنان وجدانه.
المصدر: هسبريس