اخبار المغرب

مجلس حقوق الإنسان يسائل استمرار “استغلال الأطفال في التسول بالمغرب”

لأن الظاهرة صارت “مخيفة ومقلقة ومزعجة والشكايات كثرت”، نظّم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، من خلال الآلية الوطنية للتّظلم الخاصة بالأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل، يوماً دراسيّا حول “ظاهرة استغلال الأطفال في التسول: أية حماية؟”، استُمع فيه إلى مداخلات قاربت الموضوع من زوايا مختلفة من أجل الخروج في النهاية بـ”تصور نسقي” يقدّم في صبغة مقترحات وتوصيات للفاعل العمومي لضمان “حماية مندمجة للأطفال”.

عبء أخلاقي ثقيل

منير بنصالح، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، شدد في كلمة له على أن “الفكرة الأساسية التي تطرح اليوم بخصوص استغلال الأطفال في التسول تنبثق عما قدمه المجلس سنة 2020 في تقريره السنوي حين تحدث عن ضرورة إرساء الدولة الاجتماعية، من خلال المدخل الفكري والتأصيل النظري وأيضا التطبيقي، والانتقال من الدولة المنظمة إلى الدولة الراعية، التي نعتبرها في المجلس نوعا من التعاقد الاجتماعي”.

وأضاف بنصالح: “عندما نطرح مسألة الدولة الاجتماعية أو الراعية نطرح إشكالات متعددة، منها الرعاية الصحية، ودعم الفئات المستهدفة وتقديم الخدمات الاجتماعية للفئات الأكثر هشاشة. وما قام به المغرب كان أُسّا لانبثاق نظام جديد داخل البلد يجعل الدولة ضامنة أساسية للحقوق والحريات”، مسجلا في الصدد ذاته أن “ما يهم في هذا المسار هو أن هذا التعاقد الاجتماعي الجديد همّش ذلك التغاضي النسبي القديم الذي كان ينتصبُ تجاه مشكلة استغلال الأطفال”.

ولفت الأمين العام ذاته إلى أن “الوضع تغير الآن”، بحيث صارت الظاهرة داخل الأفق الاجتماعي الطارئ “أمرا مشينا أخلاقيا، فضلا عن كونها جرى الاعتراف بها كانتهاك لحقوق الطفل”، مؤكدا أن “الأساسي بالنسبة للمجلس هو دراسة هذه المسألة داخل هذه البوتقة الجديدة أو المنظور الذي ما فتئ يتشكل في المغرب”، وزاد: “ينضاف إلى هذا تنامي حجم الشكايات والرّصد التلقائي الذي تقوم به الآلية الوطنية لحقوق الطفل بالمجلس لرصد مدى العنف الممارس على هذه الفئة”.

وتابع المتحدث ذاته: “الوضع يحتاج إذن أن نقوم بدراسة مختلف التدخلات العمومية، سواء عبر السياسة المندمجة الخاصة بالأطفال أو السياسات القطاعية وغيرها، لنستطيع في النهاية تشكيل صورة تتيح هوامش لتقديم توصيات ومقترحات ضماناً لفعلية الحقوق”، مبينا أن “للبحث العلمي دورا أساسيا”، وواصل: “المجتمع المدني له دوره كذلك في الرصد، كما للإعلام أيضا كلمة تمكن من تقديم مجمل الإجراءات التي يمكن أن تعزز حقوق الطفل، سواء على مستوى الفهم أو على مستوى محاصرة الظاهرة”.

مأزق عمومي مركب

عبد الكريم الأعزاني، منسق الآلية الوطنية للتظلم الخاصة بالأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل، سجل أن “الآلية رصدت مؤخرا تفشي ظاهرة استغلال الأطفال في التسول بشكل مخيف”، مردفا: “كنا نعدّه حتى وقت قريب أمرا غريبا عن معيش المغاربة”، ولافتا إلى وجود “أطفال ورضع يجري استغلالهم من طرف ذويهم ومن طرف الأغيار عن طريق كرائهم، وهذا يشكل أحد أفظع أشكال عمالة الأطفال؛ ولهذا نحتاج أن نحمي حقوق الطفل كما هي متعارف عليها دوليا”.

الأعزاني أضاف في كلمته أن “تنظيم اليوم الدراسي هو فرصة لدق ناقوس الخطر بشأن وجود ظاهرة تسائل مختلف القطاعات، وتتطلب المزيد من تسليط الضوء؛ وذلك بغاية أن نصكّ رؤية موحدة تهدف بالأساس إلى اجتثاث الظاهرة والقضاء عليها أو الحد منها”، واستدرك: “لكن هناك إشكالا كبيرا يكمن في وجود عدة مقاربات وعدة متدخلين يتناولون الموضوع: مقاربة قانونية ومقاربة توعوية ومقاربة زجرية ومقاربة تتعلق بالسياسات العمومية”.

ويبدو حسب ما لمّح إليه منسق الآلية الوطنية للتظلم الخاصة بالأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل أن هذه الأوجه المتعددة للتدخل “تضع الفاعل العمومي في مأزق”، لأنها، على حد تعبيره، “تجعل الإشكال عويصاً، بحيث يكون السعي هو كيف نجمع مجموعة من المقاربات في مقاربة واحدة، حتى نستطيع أن نحظى بمسار يوصلنا إلى القضاء على الظاهرة”، وأورد: “هذا يستدعي سياسة مندمجة للأطفال وسياسة للمواكبة والدعم النفسي والاجتماعي والاقتصادي”.

نحو “تعرية” سوسيولوجية

السوسيولوجي حسن قرنفل جعل التسول موضوعا يستحقّ أن نفكر فيه من وجهة نظر أكاديمية خالصة، معلنا أولا أنه “ظاهرة اجتماعية منتشرة في كل دول العالم بدون استثناء، وهي ظاهرة قديمة عرفت منذ مراحل متقدمة في التاريخ الإنساني”، مشددا على أن “الأمر يتعلق بظاهرة مركبة يشتغل داخلها ما هو اقتصادي واجتماعي، وفيها أيضا ما هو ثقافي، ومسؤولية الحد منها هي تحد مجتمعي، الجزء الأكبر منه يعود إلى الدولة لامتلاكها الوسائل المادية والمؤسساتية”.

وشخّص قرنفل “الاقتران الموجود بين الفقر والتسول” باعتباره “العامل الأصل”، وأفاد: “ما يتحدث عنه الصحافيون بين الفينة والأخرى من كون شحّاذين يتوفرون على أموال هامة هو مجرد استثناء”، وزاد: “أعتبر التسول ابنا غير شرعي للفقر، ببساطة لأنه ليس كل الفقراء متسولين، والأمر يتحدد أساسا انطلاقا من مبدأ الكرامة (…) وهو يمكن أن يكون مقبولا نسبيا حين يتعلق براشدين، ولكن حين يفرض الأمر على أطفال صغار فهذا يشكل كارثة إنسانية تجرح الكبرياء، وهذا يسائلنا ويجعلنا في حرج”.

وأورد السوسيولوجي الذي تحدث في اليوم الدراسي بـ”قبعة الأكاديمي” أن “الظاهرة صارت تتكاثر بشكل مخيف، وصرنا نعاين طوابير من الأطفال الشّحاذين يفسدون على العديد من العائلات لحظات المرح والاستجمام داخل المدن وخارجها”؛ لكنه لم ينف أن “الأمر ليس مغربيا حصريا”، بل “تسول الأطفال حاضر في مختلف القارات، خصوصا في إفريقيا وأوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية”.

وعاد صاحب كتاب “صوت الفقراء” إلى المغرب ليؤكد أن “الظاهرة حاضرة بقوة، وهي واضحة للعيان ومنتشرة بشكل كبير في الكثير من النقط الحيوية”، متهما “العنصر الثقافي” بكونه عاملا أساسيا “وراء استمرار المشكلة”، وتابع: “عادة ما أشبّه تسول الأطفال بالرشوة؛ أعني أننا لن نقضي عليه مادام هناك أشخاص راغبون في أداء الصدقات، باعتبارها ارتياحا أخلاقيا أو واجبا دينيا، ولا يمكننا أن نمنع الناس من هذه المشاعر، ولكن علينا أن نقنن هذه العملية”.

“مساطر معلّقة”

قدمت سناء كميل، ممثلة رئاسة النيابة العامة، بعض محتويات القانون الجنائي التي حاولت أن تكون مساطر زاجرة تحد من حيوية ظاهرة تسول الأطفال، مبرزة أن “المشرع اهتم بالموضوع من خلال الفصل 326 مثلا الذي يعاقب كل من يمتلك وسائل للعيش أو يستطيع الحصول عليها بالعمل أو بوسائل شرعية ومع ذلك يصر على ممارسة التسول، بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر”، وأكدت أنه “هنا لا بد أن يتوفر ركن مادي، وهو القيام بهذا الفعل؛ وهذا لا يستدعي أن يكون مباشرا لأنه في أحيان كثيرة يكون مستترا، كبيع أشياء معينة لاستجداء العطف”.

وتطرقت كميل إلى أن “القانون الجنائي وضع عقوبة مشددة في أقصاها إذا اعتاد المتسول على اصطحاب طفل صغير أو أكثر من غير فروعه؛ وهذا يطرح إشكالا، إذ يبدو وكأن الأصول لهم الحق في استغلال أطفالهم في أمور مماثلة، وهو ما يجب أن تتم إعادة النظر فيه لتكون هناك مقاربة نسقية تهم جميع الأطفال لتسهيل تدخلات النيابة العامة”، مشددة على “ضرورة أن يتم أيضا إدراج التسول الإلكتروني، حيث يتم استغلال الأطفال؛ وهذا وقت مناسب لنعرف فيه نقاشا بخصوص إعادة النظر في القانون الجنائي”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *