مجلس بوعياش يوصي بدعاوى عمومية تلقائية في جرائم المال العام.. وتقنين التفتيش الجسدي

قدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان مذكرة حقوقية تتضمن أكثر من 100 توصية تتعلق بمشروع قانون رقم 03.23 الخاص بتغيير القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية وتتميمه.
وتستند مذكرة المجلس، التي قدمتها رئيسته آمنة بوعياش بلجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، الأربعاء، إلى منظومة مرجعية متكاملة تشمل الدستور المغربي، الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة، المعايير الدولية، وتوصيات الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، فضلا عن الممارسات والاجتهادات القضائية الفضلى، وتهدف هذه التوصيات إلى تعزيز ضمانات العدالة الجنائية وتكريس مبدأ دولة الحق والقانون.
وتوزعت توصيات المجلس وملاحظاته على 79 توصية خاصة تتناول مقتضيات صريحة محددة في مشروع القانون، و24 توصية عامة تتعلق بقضايا بنيوية واستراتيجية لم يشملها المشروع، لكنها تستدعي المعالجة لضمان التوافق مع المعايير الدستورية والدولية.
تقنين التفتيش الجسدي ودعاوى المال العام
دعا المجلس الوطني لحقوق الإنسان للإبقاء على سلطة النيابة العامة في إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية تلقائيا في شأن الجرائم الماسة بالمال العام وإلغاء شرط الإحالة المسبقة من جهات رقابية محددة.
وبخصوص إقامة الدعوى المدنية وشروط انتصاب الجمعيات كطرف مدني، فأوصى المجلس إلغاء شرط الإذن المسبق من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، واعتماد نظام الإخطار بدلا من الترخيص، لضمان استقلالية الجمعيات في التقاضي، مع إلغاء شرط الاعتراف بصفة المنفعة العامة كشرط مسبق لتدخل الجمعيات كطرف مدني، واستبداله بمعيار الأهلية القانونية، بحيث يسمح لجميع الجمعيات المؤسسة بصفة قانونية، والتي ينص قانونها الأساسي على الدفاع عن الفئات المتضررة، بالتقاضي دون الحاجة إلى إذن إداري مسبق.
كما شدد على ضرورة اعتماد معيار التخصص بدلا من الاعتراف الإداري، بحيث يسمح للجمعيات بالتدخل في القضايا التي تتعلق بمجال نشاطها وأهدافها المحددة في أنظمتها الأساسية، دون الحاجة إلى الحصول على صفة المنفعة العامة، مما يضمن مشاركة جمعيات أكثر تخصصا وخبرة في القضايا ذات الصلة، إضافة لإلغاء شرط مرور مدة معينة على تأسيس الجمعية كشرط لممارسة حق التقاضي والاكتفاء باستيفاء الشروط القانونية للتأسيس والتجديد.
وبخصوص تنظيم التفتيش داخل جسم الشخص، دعا مجلس بوعياش للتنصيص على أنه لا يجوز إلا إذا كان ضروريا ولم تكن هناك وسيلة تقنية تغني عن اللجوء إليه (مثلا الكشف بواسطة الأشعة السينية أو السكانير)، كما يشترط رضى الشخص الذي يراد تفتيشه، وفي حالة رفضه يتعين الإذن به من طرف قاض، ويتعين أن يتم التفتيش من طرف طبيب أو من شخص له دراية مهنية بما يضمن احترام كرامة الشخص وعدم تعريضه للأذى، حسب المصدر ذاته.
ولتقنين الحراسة النظرية، أوصى مجلس حقوق الإنسان على التنصيص على إمكانية الاستماع إلى المشتبه فيه دون وضعه تحت الحراسة، مع ضمان حقوق الدفاع وتدقيق الحالات المبررة للوضع تحت الحراسة، مع إلزام النيابة العامة برفعها في حال غياب شروطها مع إخبار المشتبه فيه بمدة الحراسة وشكليات تنفيذها واطلاعه بجميع حقوقه فورًا وبلغة يفهمها.
وأكد المجلس ضرورة اعتماد مطبوع موحد يتضمن كافة حقوق الشخص الموضوع رهن الحراسة يسلم له مقابل توقيعه، مع مراعاة وضعيات ذوي الاحتياجات الخاصة وغير الناطقين بالعربية، مع التنصيص على حق المشتبه فيه في الطعن في قرار الوضع تحت الحراسة أمام جهة قضائية مستقلة، فضلا عن التنصيص عل حق النيابة العامة في إنهاء الحراسة النظرية فورا كلما انتفي أحد المبررات لها.
4 مبادئ لمذكرة مجلس حقوق الإنسان
وتغطي التوصيات 42 موضوعًا رئيسيًا، تتفرع عن أربعة مبادئ أساسية بداية بـ”تكريس مبدأ دولة الحق والقانون” خاصة ما يقتضيه ذلك من خضوع السلطات التنفيذية والقضائية على حد سواء لقيود المشروعية والضرورة والتناسب في أي إجراء يمكن أن يمس بالحقوق والحريات،المساواة أمام القانون، ومتطلبات الشفافية والمساءلة والمحاسبة، في انسجام تام مع مقتضيات الدستور.
وتشمل مقترحات المجلس التنصيص على إمكانية الاستماع إلى المشتبه فيه دون إخضاعه للحراسة النظرية، ضمان حقوق الدفاع، إقرار حق المشتبه فيه في الإعلام الفوري بمدة الحراسة النظرية وشكليات تنفيذها، وإمكانية الطعن أمام جهة قضائية مستقلة، بما يكرّس مبدأ الشفافية والرقابة القضائية المتبادلة.
أما المبدأ الثاني فيتعلق بـ”ضمانات المحاكمة العادلة” كشرط غير قابل للتقييد، يشكل أساسا لمشروعية الإجراء القضائي برمته من توصيات المجلس في هذا السياق، تمكين المشتبه فيه من الاتصال بمحاميه منذ التوقيف، تقليص مدد الحراسة النظرية، واعتماد التوثيق السمعي البصري كضامنة إجرائية لضمان حقوق المشتبه فيه وتعزيز الشفافية.
فيما يرتبط المبدأ الثالث بـ”التكافؤ والتوازن بين أطراف الدعوى” باعتباره ضمانة جوهرية لاستقلال القضاء وحياده، من خلال تمكين الدفاع من ممارسة حقوقه على قدم المساواة مع سلطة الاتهام،ضمان حضور المحامي منذ لحظة الشروع في تنفيذ الحراسة النظرية، إتاحة الاطلاع للدفاع على ملف الشرطة القضائية المحال إلى النيابة العامة، بما يمكنه من إعداد دفاعه بفعالية ومواجهة أدلة الاتهام في ظروف متكافئة، تمكين الجمعيات المدنية من الولوج إلى القضاء دون قيود إدارية، خاصة إلغاء شرط الإذن المسبق من الجهة الحكومية المكلفة بالعدل، واعتماد نظام الإخطار بدلاً من الترخيص، بما يكرس استقلالية الجمعيات في ممارسة حق التقاضي.
أما المبدأ الرابع فيقوم على “الشمولية ومراعاة الفئات الهشة” من أجل استيعاب الخصوصيات المتعلقة بالوضعية الاجتماعية أو الجسدية أو النفسية أو القانونية للأفراد. وفي هذا السياق تقترح مذكرة المجلس آليات مسطرية تتجاوب مع خصوصيات النساء والأطفال والأشخاص في وضعية إعاقة والمهاجرات/ين.
وتسير توصيات المذكرة بهذا الشأن في اتجاه مراعاة النوع الاجتماعي في حالات العنف ضد النساء، تفعيل مبدأ التيسير الإجرائي في قضايا الأشخاص في وضعية إعاقة، مقاربة وضعيات الأطفال في المسطرة من منظور المصلحة الفضلى للطفل، وتوفير الترجمة للمهاجرات/يت.
وفي هذا الصدد، عبرت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، آمنة بوعياش، بمناسبة تقديمها للمذكرة، عن التزام المجلس بالمساهمة في بناء مسطرة جنائية تراعي الهندسة الدستورية وتحمي الحقوق والحريات.
وقالت بهذا الخصوص: “المسطرة الجنائية، ليست مجرد أداة إجرائية، بل تعبير عن رؤية المجتمع للعدالة، حيث يُخضع تدخل السلطة لضوابط قانونية تحقق التوازن بين حماية الأمن العام وفعلية صون الحقوق والحريات. نطمح أن نساهم، تشدد، تحقيق قفزة نوعية ضرورية في إطارنا المؤسساتي والتنظيمي، بما يضمن استمرارية المكتسبات الحقوقية”.
وتابعت: “كل شخص، مهما كان وضعه أو طبيعة النزاع الذي يعيشه مع القانون، يستحق ضمان كرامته وينتظر منّا جميعًا أن نؤمن له شروط الإنصاف والعدالة. فالموقوف ليس مجرد رقم أو ملف… بل شخص له قصة وأمل في غدٍ أفضل وفي العودة إلى المجتمع. وهذا جزء لا يتجزأ من رؤيتنا لعدالة فعلية وحقيقية”.
المصدر: العمق المغربي