مجلس الحسابات يدين “موبيليس” ويعري “اختلالات” النقل الحضري بوجدة

يعيش قطاع النقل الحضري بوجدة، لليوم العاشر تواليا، حالة احتقان غير مسبوقة، وذلك مع استمرار الاضراب الذي يخوضه عمال شركة “حافلات موبيليس”، احتجاجا على “الظروف المهنية المزرية” واستمرار “سياسة الآذان الصماء لمسؤولي الشركة ومجلس جماعة وجدة.
وفي الوقت الذي رفع فيه المحتجون شعارات منددة بسياسة شركة الحافلات بعد إقدامها على توقيف أجور عدد من العمال وفصل آخرين، لجأت الشركة إلى استفسارات تأديبية وشكايات ضد عمالها المحتجين، ناهيك عن استقدام عمال من مدينة مكناس لكسر الإضراب الذي دعا إليه المكتب النقابي التابع للاتحاد المغربي للشغل، مما طرح تساؤلات عدة لدى العديد من الفعاليات التي استفسرت عن من “يحمي” هذه الشركة و”يغض الطرف” عن تجاوزاتها.
وفي هذا الصدد، حصلت جريدة “العمق”، على نموذج لتقرير صادر عن المجلس الجهوي للحسابات بجهة الشرق، يرسم صورة قاتمة عن تدبير مرفق حافلات النقل الحضري بوجدة، محملا المسؤولية للمجلس الجماعي لوجدة والسلطة المفوضة، وذلك بعد رصد مجموعة من الملاحظات موزعة على ثلاثة محاور رئيسية: الإطار القانوني للتدبير المفوض، وتنفيذ عقد التدبير المفوض، وتتبع ومراقبة عقد التدبير المفوض.
غياب دراسة قبلية
يرى التقرير أن بذور الفشل قد زرعت منذ البداية في عملية إعداد عقد التدبير المفوض، فقد قامت الجماعة بإبرام العقد بالاعتماد على المخطط المديري للتنقلات الحضرية دون إنجاز دراسات قبلية متعددة الأبعاد (تقنية واقتصادية ومالية) لتحديد احتياجات مرتفقي النقل الحضري. كما لم تقم الجماعة بتقييم التجارب السابقة مع شركتي الشرق والنور لاستخلاص الدروس وتجنب الأخطاء.
يُسلِّط التقرير الضوء بشكل خاص على مسألة الإتاوات السنوية المستحقة لفائدة الجماعة. فبموجب المادة 39 من اتفاقية التدبير المفوض، كان من المفترض أن تؤدي “موبيليس”، إتاوة سنوية ثابتة قدرها 30.000 درهم عن كل خط، مع احتساب جميع الرسوم المستحقة. وتوجه هذه الإتاوة للحساب الخاص بتنمية النقل الحضري بواسطة الحافلات.
إلا أن التقرير يكشف أن هذه الإتاوة لم تدفع منذ دخول العقد حيز التنفيذ، ما حرم الجماعة من مورد مالي هام كان من شأنه المساهمة في تطوير قطاع النقل. ويُضيف التقرير أن الجماعة لم تُحدث الحساب الخاص بتنمية النقل الحضري، مما حال دون استفادة المدينة من مبلغ إجمالي يُقدَّر بـ 5.340.000 درهم (إذا تم احتساب الإتاوات على أساس عدد الخطوط التعاقدية) أو 3.342.000 درهم (إذا تم احتساب الإتاوات على أساس الخطوط المستغلة فعليا).
ويثير التقرير تساؤلات حول أسباب هذا الإهمال من جانب الجماعة. فعدم المطالبة بالإتاوات السنوية يُعد مخالفة صريحة لبنود العقد وتجاهلًا لحقوق المدينة في الحصول على مواردها. كما أن عدم إحداث الحساب الخاص يمثل إخلالًا بالتزامات الجماعة وتفويتًا لفرص تمويل مشاريع تنموية في قطاع النقل.
دفتر تحملات على المقاس
يكشف تقرير المجلس الجهوي للحسابات حول النقل الحضري في وجدة عن تفصيل خطير في العقد، يتعلق بتعديل دفتر التحملات ليناسب الشركة المفوض إليها، الأمر الذي يثير علامات استفهام حول شفافية المنافسة ونزاهة التدبير، وفي هذا الصدد كانت مصادر نقابية ـ وفق معاينة “العمق”ـ. قد تساءلت عن أسباب تعديل دفتر التحملات ليتوافق مع إمكانية الشركة، بعد سنوات من تفويت المرفق، ويتساءل مصدر عن إمكانية تحقيق بعض أعضاء مجلس جماعة وجدة للغنى الفاحش بسبب تلقي رشاوي، مطالبًا بفتح تحقيق حول كيفية تراكم ثرواتهم والتعديلات التي أضرت بمصالح العمال والساكنة.
وفقًا للتقرير، تم إجراء تعديل جوهري على دفتر التحملات الأصلي بعد توقيع العقد. شمل التعديل تخفيضًا كبيرًا لقيمة البرنامج الاستثماري بنسبة 62%، بالإضافة إلى تخفيض الإتاوة السنوية التي تدفعها الشركة لفائدة الجماعة بنسبة 90%.
يرى التقرير أن هذه التعديلات الجوهرية، التي جاءت في الملحق التعديلي رقم 1 للعقد، المصادق عليه في 17 دجنبر 2021، تثير تساؤلات حول شفافية المنافسة في الأساس، فالتغييرات الجذرية في حجم الاستثمارات والإتاوة، بعد اختيار الشركة الفائزة، يُفترض أنها قد غيرت بشكل كبير المعطيات التي اعتمدت عليها الشركات المترشحة الأخرى في عروضها، مما يضع علامات استفهام حول عدالة العملية.
تثير هذه التعديلات المخاوف من أن العقد قد تم “تفصيله” ليناسب إمكانيات ومصالح الشركة الفائزة، على حساب المصلحة العامة وجودة الخدمة. فخفض قيمة الاستثمارات قد يعني تقليصًا لنوعية أو كمية الحافلات أو الخدمات المقدمة، فيما يعني تخفيض الإتاوة تقليصًا لمداخيل الجماعة.
لجنة صورية
يكشف التقرير أيضًا عن عدم التقيد بمقتضيات القانون الداخلي للجنة التتبع بشأن النصاب القانوني اللازم لعقد الاجتماعات، كما يوضح التقرير التأخر في إحداث المصلحة الدائمة للمراقبة بموجب قرار رسمي وتعيين مسؤوليها وتحديد اختصاصاتها، مع وجود الحاجة إلى ضرورة تنظيمها وتعزيزها بالموارد البشرية المؤهلة، ولا يقلّ وضع لجنة التتبع خطورة عن مسألة الإتاوات. فبحسب التقرير، لم تعقد اللجنة أي اجتماع خلال سنتي 2019 و2021، واجتمعت مرة واحدة خلال سنة 2020، دون مراعاة لمقتضيات قانونها الداخلي.
وينتقد التقرير نظام الجزاءات المضمن في العقد، مؤكدًا أنه لا يعاقب على عدم تحقيق الأهداف، وأن الحالات المتعلقة بالجودة لا تؤدي إلى تطبيق أي جزاءات. كما يشير إلى محدودية مجال تطبيق الجزاءات المالية وضعف تحديد الوقائع المنشئة لتطبيقها.
تنصل من التزامات
ويرصد التقرير، عدم تنفيذ حتى البرنامج الاستثماري المخفض بشكل كامل. فقد بلغ العجز في عدد الحافلات أقصاه سنة 2020 بنسبة 44%، وما زال مستمرًا حتى الآن. هذا النقص الفادح في الأسطول يؤثر بشكل مباشر على جودة الخدمة المقدمة للمواطنين.
ويضيف التقرير أنه لم يتم الالتزام بنوعية الحافلات المتعاقد بشأنها، مما أدى إلى تفاوت كبير بين ما تم الاتفاق عليه وما هو موجود على أرض الواقع. فقد تم اقتناء حافلات ذات أرضية منخفضة بكميات تفوق الأعداد المتعاقد بشأنها على حساب الحافلات العادية.
ووفق التقرير الذي اطلعت عليه “العمق”،لم يتم التقيد بالحجم والبرمجة التعاقديين للاستثمارات خارج الأسطول. فقد تم إنجاز ما قدره 3.814.502,50 درهم فقط من أصل 69.750.000 درهم مخصصة للبنية التحتية خلال الخماسية الأولى من مدة التدبير المفوض. كما تم تحديد أماكن تثبيت 48 مخبأ للحافلات، لكن لم يتم تثبيت سوى 3 مخابئ.
كما رصد التقرير، أن الشركة المفوض لها قامت بتغطية خدمات النقل الحضري بواسطة الحافلات لبعض الجماعات المجاورة، مما لا يتوافق مع اختصاصات السلطة المفوضة (جماعة وجدة). يتعلق الأمر بثلاثة خطوط نقل بين الجماعات تربط وجدة ببعض الجماعات المجاورة لها.
وخلص التقرير إلى رسم، صورة قاتمة للوضع الحالي لقطاع النقل الحضري بوجدة، مع برنامج استثماري وهمي، ونقص فادح في الأسطول، ومخالفات في نوعية الحافلات، وتجاهل البنية التحتية، واستيلاء على الخطوط الخارجية.
وفي الوقت الذي كان ينتظر أن يتدخل المجلس الجماعي لوجدة، على ضوء التقرير المنجز، لفرض عقوبات على الشركة لعدم وفاءها بالتزاماتها، لم يحرك مجلس “العزاوي” ساكنا، ليتفاقم الوضع مع مرور الوقت، ويدخل عمال الشركة في إضراب عن العمل لليوم الحادي عشر، بعد إقدام الشركة على طرد 42 عاملا، واستقدام عمال من مدن أخرى لكسر الإضراب، ليبقى وضع النقل الحضري بوجدة “مشلولا” إلى إشعار آخر.
المصدر: العمق المغربي