مبدعات مغربيات يافعات من الهامش.. يساهمن في صنع التاريخ
بعيدا كل البعد عن “المغرب النافع” وتطوره وتسابقه مع إفرازات العولمة وتقلباتها، نغوص عميقاً في مناطق تعرضت وما تزال للتهميش إلى حد أنه أضحى عنواناً لقرى وبلدات بل حتى بعضا من المدن الصغيرة، لكن كما يقال لكل قاعدة استثناء، وعلى الرغم من التهميش الجغرافي الذي يمارس على هذه المناطق أبت نماذج منها أن تكون عصية على تيار التهميش، وعجز أن يدفعها نحو الهامش.
عبير عزيم، نموذج التهميش، ابنة تاهلة بإقليم تازة شرقي المغرب، كسرت كل القوالب الجاهزة والأحكام المسبقة حول جيلها، وبصمت على حضور أدبي بأحرف من ذهب.
أبانت عن علو كعبها، كونها أصغر كاتبة في العالم العربي، إذ سنها لا يتجاوز 14 ربيعا، نشرت رواية ومجموعة قصصية، وفي جعبتها عدد من جوائز القراءة، كان آخرها فوزها بجائزة القراءة بالرباط.
على الرغم من عفويتها وحسها الطفولي، استطاعت أن تخلق لنفسها منظوراً مختلفاً في الحياة.
ولجت عالم القراءة ثم عبرت من خلاله للكتابة، والذي كان عاملاً مساعداً لها في تكوين قاعدة معجبين ودخول عوالم الشهرة.
تقول عبير إن مشروع الكتابة ليس وليد اللحظة بل بدأ بالتبلور عندما كانت في الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية، من خلال قصص أطلعت عليها للاستعانة بها في تهذيب الفوضى التي بداخلها ومع إصرارها وتشجيع الأهل القوي وكذا تحفيز محيطها المدرسي لها، والأخذ بيدها من قبل كتاب وأدباء ودور نشر تبنوا موهبتها، إضافة لعامل البيئة الاجتماعية التي كانت بمثابة حافز لها للمضي قدما في مسارها الإبداعي نظرا لتوفرها على الهدوء.
ترسخت ملكة الكتابة لديها وتجسدت في أعمال أدبية: “درع للوطن” و”شمس بحجم الكف”، في انتظار المزيد الذي تبقيه طي الكتمان تفاجئ جمهورها به.
تقول عبير في لقاء خاص معها: “كل ذي موهبة التشبث بالأمل لتحقيق وجوده”.
ليس بعيداً عن عبير وبالتحديد في إقليم تاونات، الشاسع جغرافياً، يبقى حضوره باهتا مقارنة بحجمه، إذ إن ظاهرة التهميش فيه متجذرة حد النخاع، غير أن هذا لم يمنع زينب جميلة بحباح، ابنة منطقة بهودة بدوار الزاوية، أن تشق طريقها بعزم وإصرار لتحقيق هدفها وتتألق في مجالي الرسم والزجل.
عصامية لم يتجاوز تحصيلها الدراسي الثانية إعدادي لكنها أصبحت فنانة من لا شيء.
كان اكتشافها صدفة تزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للمرأة في منطقتها حيث أثارت انتباه أحد الحضور الذي كان سببا في تبني موهبتها من طرف الجامعة الدولية الأميركية بالرباط، لتدخل زينب بعدها التاريخ من أوسع أبوابه، عبر تكريمها كأفضل فنانة تشكيلية في عام 2021 بحصولها على المرتبة الأولى للمسابقة الدولية الممنوحة من وزارة الثقافة المغربية والأكاديمية الأمريكية الدولية للتعليم العالي، ومشاركتها في معارض وطنية ودولية واشتغالها كمنسقة بالعديد من المعارض التشكيلية، إضافة إلى حصولها على العديد من الشهادات داخل وخارج المغرب. وخلقت لنفسها موطئ قدم في هذا المجال عبر ابتكارها لطريقة ونمط جديدين في العمل التشكيلي.
من تاونات أيضا تطالعنا التلميذة سلمى الطويل ذات 15 ربيعا من ثانوية الخوارزمي بمنطقة بهودة وبموهبتها الفذة وأسلوبها الفريد في كتابة الشعر.
غير أن الفرق بينها ومثيلاتها اللاتي سبقتها فإنها لازالت تنتظر دورها جاهدة في من يأخذ بيدها لدرب النجاح.
عبير وزينب وسلمى نون نسوة جمعهن قاسم مشترك عنوانه التهميش استطعن تجاوزه ، فكما يقول المؤرخ الفرنسي جان كلود شميت انه إذا كان بمقدور رجل السلطة أن يصنع التاريخ فحتى الهامشيين لهم دور في صناعته، فكيف إن كانوا هامشيات.
المصدر: العمق المغربي