اخبار المغرب

مبادرة التنمية البشرية تطفئ الشمعة العشرين .. مكاسب تحتاج التقييم

بعد عشرين سنة على انطلاقة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (سنة 2005)، بإشراف مباشر من الملك محمد السادس، ثمّن خبراء في السياسات الترابية والتنموية والحكامة ما تحقق طيلة العقدين الماضيَيْن من خلال ورش تنموي كبير، مكّن من “تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وتعزيز الإدماج الاجتماعي والاقتصادي، ومواكبة ديناميات المجالات الترابية بالمملكة”.

كما لفت الخبراء، الذين استطلعت هسبريس آراءهم لتكوين صورة تحليل موضوعي حول حصيلة الـ”INDH”، إلى ضرورة إجراء تقييم أثرِ الإستراتيجيات والبرامج العمومية التنموية التي حاولت وضع العنصر البشري في صلبها.

“استجابة ذكية وشاملة”

سجل الباحث المغربي في قضايا التنمية الترابية طارق مودن “أهمية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في المغرب باعتبارها سياسة عامةً تواكبها الحكومات المتعاقبة تهدفُ إلى مكافحة الفقر والهشاشة الاجتماعية”، مبرزا سياق المبادرة “التي أُطلقت عام 2005 بعد الهجمات الإرهابية في الدار البيضاء عام 2003”.

مودن أبرز، في تصريح لجريدة هسبريس، “ارتكاز المبادرة على ثلاثة محاور: أمني، ديني، وتنموي، لمحاربة الفقر والإقصاء”، منوها بكونها “تُعتبر استجابة ذكية وشاملة للمشاكل الاجتماعية التي تعاني منها بعض المناطق في المغرب”، مع استهدافها “تحسين الحكامة وتبني مقاربة تشاركية تشمل مختلف الفاعلين المحليين والتقائية البرامج في تراب معين”.

وقال المتحدث ذاته: “المبادرة حظيَت بمتابعة من أعلى مستويات القيادة في البلاد لضمان تنفيذها ونجاحها؛ وتم تصنيفها عام 2015 من قِبل البنك الدولي كواحدة من أنجح سياسات التنمية البشرية عالميًا”.

وفي تقييم آثارها أبرز الخبير ذاته أن “المبادرة ساهمت في تغيير عقلية المواطنين وزيادة مشاركتهم في التنمية المحلية”، مؤكدا أنها “كانت خطوة استباقية قبل تطبيق سياسات اللامركزية والجهوية الموسعة بالمغرب”، ومستحضرا نجاحها بدليل “إبداء دُول مثل الغابون والشيلي اهتمامًا بتبني نموذج مشابه للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية”.

“إنجازات ملحوظة”

استرسل الخبير في السياسات الترابية مؤكدا أن “المرحلة الثالثة من المبادرة التي امتدت من سبتمبر 2019 حتى 2023 سعت إلى التركيز على الرأسمال البشري”، مؤكدا أنها “حققت إنجازات ملحوظة تمثلت في تحسين الدخل والاندماج الاقتصادي للشباب، وإنشاء منصات لدعم الشباب في ريادة الأعمال وتوفير فرص عمل لهم”.

كما أثار المتحدث الانتباه إلى “دعم التعليم الأولي كجزء من الاستثمار في رأس المال البشري للأجيال الصاعدة، وبرامج تحسين الصحة المدرسية وصحة الأطفال والأمهات كجزء من المبادرة”.

وفي تقدير مودن فالمرحلة الثالثة “بُنيت على نجاحات المرحلتين السابقتين وتهدف إلى تعزيز التنمية في المغرب”، منبها إلى “الحاجة إلى تقييم رسمي لنتائج المرحلة الثالثة لضمان تحسّن السياسات والمشاريع المستقبلية، مع الأهمية البالغة للمؤهلات البشرية التي تشرف على تنفيذ مبادرات التنمية”، خاتما بالتشديد على “ضرورة ضمان استدامة المشاريع وتحسين التنسيق بين الفاعلين لضمان اكتمال نجاحها”.

من جهته يرى يونس التايب، المتخصص في الحكامة الترابية وسياسات الإدماج والتنمية المحلية، أن “أهم المكتسبات التي حققتها المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بالمغرب تتمثل في اعتماد مقاربة تركز على تنمية الرأسمال البشري، وتعزيز قدرات الأجيال الصاعدة، ودعم الفئات الهشة، مع التركيز على الاستدامة والكرامة”.

وقال التايب لهسبريس: “هذه المكتسبات خلفت أثرا اجتماعيا حقيقيا على الفئات المستهدفة، ساهم في تحسين ظروف العيش وخلق دينامية إدماج اقتصادي واجتماعي ملموس”.

المتحدث ذاته عدّد “أربعة برامج رئيسية جرى تنفيذها هي: أولا تدارك الخصاص في البنيات التحتية والخدمات الأساسية (طرق، ماء صالح للشرب، كهرباء، تعليم وصحة في المناطق القروية)، وثانيًا مواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة عبر دعم اجتماعي وإنساني. أما الثالث فهو دعم إدماج الشباب اقتصادياً من خلال تمويل مشاريع صغرى ومتوسطة، وتوفير تكوين ملائم في ريادة الأعمال داخل منصات للاستقبال والتوجيه والتدريب”، مبرزا أهمية البرنامج الرابع في “الدفع بالتنمية البشرية للأجيال الصاعدة عبر تحسين التعليم الأولي، ومحاربة الهدر المدرسي، والتتبع الصحي والتغذية للأطفال والحوامل”.

وقدّر المختص في الحكامة الترابية أن “المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مكنّت، أيضا، من تحقيق تحولات هيكلية في الحكامة والمقاربة التشاركية والتركيز على النتائج، مع تعزيز الشراكة مع المجتمع المدني”.

تراكم وإضافة نوعية

كما نوّه التايب إلى تميّز المرحلة الثالثة من المبادرة بالتركيز على تعزيز الرأسمال البشري وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، مشيدا بـ”اعتماد مقاربات تشاركية مدمجة للشركاء المحليين، مع اعتماد تدبير استباقي يعتمد على التخطيط والتتبع والتقييم”؛ وهو “ما شكّل إضافة نوعية لما تحقق خلال المرحلتين الأولى والثانية من تراكم نتائج مهمة على مستويات متنوعة”.

وفصّل الخبير ذاته متحدثا إلى هسبريس في “تدخلات مختلفة” آتت أكلها، أبرزُها “تنفيذ مشاريع بنية تحتية، مثل بناء وتأهيل الطرق القروية، وتوصيل الماء الصالح للشرب، وإنارة القرى بالطاقة الشمسية”، ولفت إلى “أثر دَعم التعليم ببناء وتجهيز المدارس والداخليات عبر برنامج ‘دار الطالب/الطالبة’، ما ساهم في تقليل الهدر المدرسي، خاصة لدى الفتيات”، مسجلا “تحسين الخدمات الصحية عبر بناء مراكز صحية وتوفير التغطية الطبية في المناطق النائية”.

وأشار المصرح إلى “إعادة تأهيل الأحياء وتوفير المرافق الاجتماعية، كالمراكز الثقافية، والملاعب الرياضية، مع استمرار مكافحة الإقصاء الاجتماعي عبر دعم الأنشطة المدرة للدخل لفائدة سكان الأحياء الهشة”.

بالتالي، يخلُص الباحث في الحكامة الترابية وسياسات الإدماج والتنمية المحلية، إلى “تميّز المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، خلال الـ20 سنة الماضية، بدعمِ الفئات الهشة، وتشجيع التمكين الاقتصادي للنساء، والحد من الفوارق المجالية في العالم القروي وفي الجيوب الحضرَية الهشة”، وختم بما نالته فئة الشباب من “اهتمام خاص تجلى في برنامج لدعم الإدماج الاقتصادي عبر تقوية القابلية للتشغيل من خلال التكوين وتقوية القدرات، وآلية تمويل مشاريع في ريادة الأعمال”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *