ماهية التعديل الحكومي بين الواقع والآفاق
النظام السياسي للمملكة المغربية يقوم على التعددية الحزبية المقترنة بالديمقراطية التمثيلية ، توجه يكرس لبناء دولة الحقوق والواجبات على أساس المشاركة المواطنة المقترنة بصناديق الاقتراع والتي على أساس نتائجها يتم تدبير الحياة التشريعية والتنظيمية عبر ممثلي الأمة من جهة وأعضاء الحكومة المنبثقين عن مجلس النواب هذا الاخير الذي ينمحها الثقة على أساس برنامجها الحكومي بعد تعيين رئيسها من لدن جلالة الملك وتكليفه باقتراح أعضائها وتعيينهم من قبل جلالته.
تشكل الديمقراطية التمثيلية أحد أبرز التمثلات الحقيقية للبناء الديمقراطي في جملة من الديمقراطيات المقارنة ، والمغرب بدوره لا يزيغ عن هذه السكة حيث كرسها حتى قبل الحماية بحيث كانت هناك مؤسسات كولاية المظالم ومؤسسة الحسبة وغيرها باعتبارها مؤسسات لتفقد أحوال الرعية وتمكينهم من قضاء مآربهم ، غير أن الأمر لم يقف عند هذا الحد بل تم السير فيه وخاصة بعد سنة 1956 عام الانعتاق من نير المستعمر الفرنسي الغاشم وهو ما تم تكريسه باحداث المجلس الاعلى للقضاء سنة 1957 والاعلان عن ميلاد أول دستور للمملكة المغربية سنة 1962.
وعلاقة بتاريخ السلطة التنفيذية فقد عرف المغرب تنصيب أول حكومة سنة 1955 برئاسة مبارك البكاي لهبيل سنة 1955 كما ترأسها في نسختها الثانية سنة 1956 ، فيما كلف أحمد بلافريج بتشكيل الحكومة الثالثك سنة 1956 ، وعبد الله ابراهيم الحكومة الرابعة ، هذا دون ان ننسى التذكير بان الراحل جلالة الملك محمد الخامس ترأس الحكومة الخامسة فيما ترأس الراحل جلالة الملك الحسن الثاني السادسة والسابعة ، اما الثامنة فتم فيها تعيين أحمد بلافريج كممثل شخصي للملك الراحل الحسن الثاني ، فيما ترأس أحمد باحنيني الثامنة ولعد ذلك جاءت حكومات كل من باحنيني ، بنهيمة ، العراقي ، العمراني ،عصمان ، المعطي بوعبيد وكريم العمراني لولايتين ، وعبد اللطيف الفيلالي خلال ثلاث ولايات ثم عبد الرحمان اليوسفي ، ادريس جطو ، عباس الفاسي ، عبد الالاه بن كيران ، سعد الدين العثماني وعزيز اخنوش حاليا.
ان التذكير بعدد الحكومات المغربية ليس على أساس المغالاة او الاطناب في هذا الباب وانما من اجل التذكير بالمسار الديمقراطي الحافل للمملكة المغربية التي وصل عدد حكوماتها المتعاقبة والحالية إلى اثنين وثلاثين ، وقوة العدد تحيل الى استنباط مؤشر أساسي عنوانه الرغبة الملحة للمملكة المغربية في مواصلة بناء الصرح المؤسسي على أساس الديمقراطية التمثيلية .
إن ماهية التعديل الحكومي ترتبط بعمل الجهاز التنفيذي ومردوديته وذلك بالموازاة مع باروميتري السياسة العامة والسياسات العمومية ، أمر ليس بالمستحدث بالنظام السياسي المغربي ، وخير دليل نسوقه في هذا الباب :
حكومة ادريس جطو التي عينت سنة 2002 و عدلت سنة 2004 أي بعد سنتين من تنصيبها،
حكومة عبد الالاه بنكيران التي عينت سنة 2012 وعدلت سنتي 2013 و 2015 ،
حكومة سعد الدين العثماني التي عينت سنة 2017 وعدلت سنوات 2018 و 2019 و 2020 .
وعلى أساس ذلك فالتعديل الحكومي هو أمر لازم لكل حكومة ، بحيث أن الأمر ينقسم الى أسين ، الأس الأول يتمثل في تقييم العمل الحكومة وخاصة في نصف الولاية الحكومية ناهيك عن بروز مستجدات تلزم الحكومة بضرورة إعادة النظر في طريقة تدبيرها لقضايا الشأن العام وهو الأس الثاني الذي لا يمكن بلوغه الا عبر منصة التنقيب عن بروفايلات قادرة على مواصلة السفينة الحكومية لركبها.
ان واقع الحال الحكومي وخاصة مع قرب تتويج عملها مع نصف ولايتها ، ليؤشر على ضرورة الاخذ بعين الاعتبار لجملة من المستجدات التي ربما ستسفر عن تعديل حكومي اعتبارا للتجارب الحكومية السابقة ، غير أن هذا التعديل لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار وخاصة من لدن الأمناء العامين المشكلين للاغلبية الحكومية الحالية : عزيز اخنوش، عبد اللطيف وهبي ونزار بركة وكذا من سيركب سفينة الاغلبية ، أن لاشيء يستقيم من دون اعادة الاعتبار للكوادر الحزبية المتعددة المشارب والمشهود لها بالكفاءة وذماتة الاخلاق وذلك من خلال اشراكها في مواصلة تنزيل برنامجها الحكومي ، أمر لا يمكننا بلوغه الا من خلال الابتعاد عن المحسوبية والزبونية والعائلية الضيقة ، حقيقة مرة غير أن واقع الحال لازال يكرسها في وقت يحتاج فيه الوطن الى سواعد الكفاءات الحزبية ذات الخضور والبلاء الحسن في مجالات تخصصها.
ان الرهان الحقيقي لهذه المرحلة لا يستقيم بلوغه الا عبر بوابة الكفاءة الحزبية والضمير الحزبي اللذين ينتظر منهما المواطن تحقيق تطلعاته واماله أيام الرخاء والشدائد.
مقال بقلم الدكتور أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط والمدير العام للمجلة الافريقية للسياسات العامة
المصدر: العمق المغربي