كشف تحليل للوضع التونسي بعد مرور خمس سنوات على تولي الرئيس قيس سعيّد السلطة عن بروز إشارات خطر كبرى تهدد استقرار البلاد، وسط عجز تام عن تحقيق أي من الشعارات المرفوعة وفشل ذريع في إدارة الأزمات المتراكمة. ويتضح أن المسار الذي بدأ في 25 يوليو 2021 لم يفض إلا إلى تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتكريس عزلة سياسية داخلية وخارجية، مما دفع حتى بأبرز حلفائه إلى انتقاده علنا والتبرؤ من حصيلة حكمه.
وأوضح الإعلامي والكاتب التونسي، صالح عطية، في مقال تحليلي نشره موقع الجزيرة نت، أن السنوات الخمس الماضية شهدت تفكيكًا ممنهجًا للتجربة الديمقراطية التي تلت ثورة 2011، حيث تم إلغاء الدستور وحل البرلمان وإنهاء عمل الحكومة الائتلافية. وأشار عطية إلى أن النظام الجديد الذي أرساه الرئيس سعيّد استند إلى حالة من “الكراهية السياسية” والغضب المجتمعي من أداء النخب، لكنه فشل في ترجمة هذا الغضب إلى برامج ومشاريع حقيقية، ليصطدم بواقع مرير وإمكانات دولة محدودة.
وعزا المقال أسباب العجز الرئيسية التي حالت دون تحقيق أي إنجاز ملموس إلى ثلاثة عوامل أساسية. يتمثل أولها في رغبة النظام في الانطلاق من الصفر وإلغاء كل ما سبق من مؤسسات وقوانين وعلاقات دبلوماسية متراكمة، مما أفقده الوقت والإرث وأدخله في حلقة مفرغة من الفشل.
أما السبب الثاني فيكمن في خوض معارك سياسية وهمية تحت شعار “مكافحة الفساد”، والتي تحولت إلى دوامة استنزفت طاقة الدولة دون أن تقضي على الفساد الذي امتدت عروقه بشكل أعمق. ويتمثل السبب الثالث في تخلي المحيطين بمشروع الرئيس عنه تدريجيا بعد أن أصبح جزءا من المشكل لا الحل، ليجد النظام نفسه وحيدا في مواجهة أزمات متفاقمة.
وسلط التحليل الضوء على ظاهرة لافتة تمثلت في التصريحات النقدية الجريئة التي بدأت تصدر من داخل معسكر الداعمين للرئيس سعيّد نفسه، وهو ما يغني عن أي تعليق على حجم الفشل. فقد انتقد المنجي الرحوي، زعيم حزب “الوطنيين الديمقراطيين الموحد”، صراحة بطء الإنجازات، مؤكدا أن الإصلاحات الدستورية لم تنجز والمؤسسات القضائية لم ترس.
ومن جهته، أكد عبيد البريكي، رئيس حزب “تونس إلى الأمام”، أن نسق تحقيق الأهداف بطيء جدا مع توقف التشغيل وارتفاع الأسعار وتجميد الأجور. لكن التصريح الأكثر حدة جاء من النائب أحمد سعيداني الذي وصف رئيس الجمهورية بأنه “كسيح سياسيا” ولا يملك برنامجا أو رجالا، مشيرا إلى أن الحكومة عاجزة ومجلس النواب أصيب بالشلل.
وأبرزت الأرقام الرسمية حجم التدهور الاقتصادي والاجتماعي، حيث لم تتجاوز نسبة النمو 1.5 بالمائة، وهي نسبة عاجزة عن خلق الثروة أو توفير فرص العمل. وبلغت نسبة البطالة 15.7 بالمائة خلال الربع الأول من العام الجاري، أي ما يعادل أكثر من 664 ألف عاطل عن العمل.
كما ارتفع حجم الدين العمومي بشكل قياسي من 109.23 مليار دينار عام 2021 إلى 147.40 مليار دينار في العام الحالي، وهو ما يثير المفارقة بالنظر إلى أن خطاب الرئيس سعيّد كان ينتقد بشدة التداين الخارجي ويعتبره مساسا بالسيادة الوطنية، بينما لم يتوقف برلمانه عن المصادقة على اتفاقيات قروض أجنبية بالجملة.
وخلص التحليل إلى أن استمرار تونس على هذا النهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي أمر غير ممكن، فالشعوب لا تعيش على الخطابات الرنانة والأمعاء الخاوية والاحتراب السياسي. ورغم أن المشكل يبقى تونسيا بالأساس والتسوية الداخلية هي الأنجع، إلا أن الخارج سيظل رقما مهما في أي تطورات قادمة، ليبقى السؤال مفتوحا حول شكل وشروط وكيفية الخروج من هذا النفق المظلم الذي دخلته البلاد منذ خمس سنوات.
المصدر: العمق المغربي