كشف المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا أن اللجوء إلى الوساطة الألمانية للإفراج عن الكاتب بوعلام صنصال كان في حقيقة الأمر “مسارا” مدروسا ومناقشا منذ أشهر بين الدبلوماسيتين الفرنسية والألمانية، مؤكدا في الوقت ذاته أن الأزمة التي عصفت بالعلاقات بين باريس والجزائر كانت قاسية جدا وستترك آثارا لن تمحى بسهولة.

أوضح ستورا في حوار أجرته معه صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، أن التدخل الألماني لم يكن مفاجئا، بل جاء نتيجة جهود دبلوماسية فرنسية بذلت خلف الكواليس، خاصة في ظل وصول لوران نونيز إلى وزارة الداخلية الفرنسية الذي يتمتع بأسلوب أقل صدامية من سلفه. وأضاف المصدر أن العلاقات السيئة بين فرنسا والجزائر جعلت من المنطقي المرور عبر ألمانيا، التي تلعب دورا بالغ الأهمية في مفاوضات بروكسل بين الجزائر والاتحاد الأوروبي حول قضايا اقتصادية حيوية مرتبطة بالجمارك وواردات الغاز.

وأعلنت الرئاسة الجزائرية في بيان لها يوم الأربعاء إطلاق سراح الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال “لدواع إنسانية”، وذلك بعد أيام من دعوة الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير نظيره الجزائري عبد المجيد تبون إلى العفو عنه. وكان صنصال قد حكم عليه في مارس 2025 بالسجن خمس سنوات بتهمة “المساس بالوحدة الوطنية” بعد اعتقاله في نوفمبر 2024.

وأكد المؤرخ الفرنسي أن هذه الخطوة لا تعني نهاية الأزمة، بل بداية لاستئناف تدريجي للعلاقات. وتابع ستورا قائلا “لا يمكننا أن نتصرف وكأن شيئا لم يحدث”، متوقعا أن تتم المعالجة خطوة بخطوة مع إعطاء الأولوية في المرحلة الأولى للملفات الاقتصادية التي تهم الكثير من الشركات الفرنسية.

وأشار المصدر ذاته إلى أن الطريق نحو التطبيع الكامل لا يزال محفوفا بالعقبات الكثيرة. وعدد ستورا من بينها قضية الصحفي الفرنسي كريستوف غلايز الذي لا يزال مسجونا، إضافة إلى القضايا الخلافية التي لا يمكن حلها بين عشية وضحاها، وعلى رأسها موقف باريس من الصحراء الغربية، ومسألة قرارات مغادرة الأراضي الفرنسية، والملفات الأمنية في منطقة الساحل، وقضايا الهجرة، والعمل المتعلق بالذاكرة.

وختم ستورا حديثه لصحيفة “ليبراسيون” بالتعبير عن ارتياحه لكون هذا الإفراج قد جنب ملف الذاكرة خطر التراجع أو الإلغاء الكامل بسبب الأزمة الدبلوماسية، محذرا من أن اليمين المتطرف في فرنسا يهدف إلى تفكيك كل ما تم إنجازه في هذا الإطار، ومشددا على ضرورة تحصين اعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.