من منا لم يصب بالصدمة والذهول وهو يتابع تصريحات المدعو هشام عبود الصحفي الجزائري المعارض، الذي أرغد وأزبد وكال الشتائم والسباب في حق بعض المغاربة، وخاصة منهم أولئك الذين يتناولون موضوع الصحراء الشرقية ويلمحون إلى أن قضية الصحراء الغربية المغربية، قد حسمت وآن أوان، وحان حين فتح ملف الصحراء الشرقية باعتبارها جزء لا يتجزأ من التراب المغربي، وجزء لا يتجزأ من الحدود الحقة للمغرب، التي اقتطعها المستعمر الفرنسي لفائدة من كان يعتبرها مقاطعة تابعة له، كما هو الحال بالنسبة لصحراء تونس، وصحراء ليبيا وشمال مالي.
لقد كان من الأولى بالمدعوين هشام عبود والعربي زيتوت أن يخجلا من نفسيهما وأن يتبرءا من ساستهما الذين يزعمون أنهم حاربوا الاستعمار، وقدموا “ملايين الشهداء” لكنهم يتشبثون بالحدود الموروثة عن الاستعمار، وكفى بذلك إدانة ومدعاة للخجل.
إنهم في العداء للوحدة الترابية للمغرب ولتاريخه وهويته وعراقته سواء، كيف لا وهم عسكرا وحكومة وأحزابا ومعارضة، إلا من رحم ربك، لا يفوتون فرصة ولا منبرا إلا واستغلوه للمس بالوحدة الترابية للمغرب، في إنكار غريب لحقائق التاريخ والجغرافيا، التي لا يمكن إلا أن تنتصر، وها هي تنتصر بإجماع المنتظم الدولي، على المبادرة الجادة والهادفة للمغرب، المتمثلة في مبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي وأوحد لتقرير المصير في الصحراء المغربية، تحت السيادة المغربية.
إن المدعو هشام عبود والمدعو العربي زيتوت، وغيرهما كثير، رغم اختلافهم الظاهر مع العسكر الحاكم بالجزائر، الذين لا يترددون في تسميته بنظام العصابة، إلا أن الإصرار على المس بالوحدة الترابية للمملكة المغربية، والاستمرار في التنكر لحدودها التاريخية الحقة، والتشبث بالحدود الموروثة عن الاستعمار، قاسم مشترك بينهم، لكن الحق يعلو ولا يعلى عليه، وقطار الوحدة والتنمية يشق طريقه نحو المستقبل، بتأن وثقة وحكمة وحنكة ورزانة، ولا عزاء للحاقدين والطارئين على التاريخ والجغرافيا.
لقد تعاطف الشعب المغربي بكل طبقاته وأطيافه مع المدعو هشام عبود حين نجا بأعجوبة ولطف رباني منقطع النظير بتاريخ 17 أكتوبر 2024 بإسبانيا من محاولة اختطاف وتهريب نحو الجزائر ليقع بين يدي العسكر، تعاطف وتضامن دافعه الإنسانية أولا والإدراك المسبق بالمصير الأسود الذي كان ينتظره لو نجحت محاولة الاختطاف.
وهو التعاطف ذاته الذي عبر عنه المغاربة عند محاولة اختطاف الإعلامي والمعارض الجزائري مالك أنور بتاريخ 02 أكتوبر 2022، من مطار اسطنبول بتركيا، حيث نجا بأعجوبة من الترحيل إلى الجزائر والسقوط بين يدي العسكر الجزائري، ولكنه بقي معترفا بالجميل، وقدر عاليا ذلك التعاطف والتضامن على عكس المدعو هشام عبود، الذي في الحقيقة لم يتخلص من عقيدته العسكرية التي قوامها العداء للمغرب.
طالما اعتبر حكام الجزائر زورا وبهتانا قضية الصحراء المغربية قضية أخلاقية، وقضية إيمان راسخ بحق الشعوب في تقرير المصير، وهم الذين يمنعون الشعب الجزائري من تقرير مصيره، وشعب القبائل “حركة تقرير مصير منطقة القبائل” الضاربة جدوره في أعماق التاريخ من تقرير مصيره، وهو الذي يتوفر على جميع مقومات الدولة من شعب وإقليم وحكومة ورغبة في العيش المشترك بعيدا عن أحدية العسكر، وبالمقابل يقفون إلى جانب الصين، ضد الشعب الإيكور، ومع ميانمار ضد شعب الروهينكا، ومع الصرب ضد شعب كوسوفو، ولا تسمع لهم صوت بخصوص استقلال إقليم كتالونيا بإسبانيا، وغيرها كثير من الأمثلة التي تعكس بعمق متاجرة النظام العسكري الجزائري بقضية الصحراء، وتعنته وتشبثه بالمس بالوحدة الترابية للمملكة المغربية، حتى لا يطالب يوما بحقه في الصحراء الشرقية الثابت بالوثائق والمستندات.
إن معارضة المدعوين عبود وزيتوت، لما يسمونه ب”العصابة الحاكمة” بالجزائر لا يمنعهم في الاتحاد معهم بخصوص الاستمرار في نهب أراضي دول الجوار والتشبث بالحدود الموروثة عن الاستعمار، ووصل الحد بالمدعو زيتوت، إلى التهديد بالتجميد والتوقيف التام لما أسماه صراعهم مع “المافيا العسكرية” إذا لم يتوقف بعض المغاربة عن الحديث عن الصحراء الشرقية، لكن لا مانع لديه أن يستمر هو ومن معه ونظامه العسكري في المناكفة واستغلال كل المنابر، للإمعان في المس بالوحدة الترابية للمملكة، والحديث عن حل عادل مع الجزائر، التي طالما زعمت، وما زالت تزعم، أنها ليست طرفا في النزاع، لكنها لا تترد في سحب سفرائها من الدول التي تثمن وتعترف وتدعم مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، كحل واقعي لهذا النزاع المفتعل.
وفي الحقيقة فإن قضية الصحراء الشرقية المغربية لم يفتحها المغرب بعد بشكل رسمي ولا تزال في حدود النقاش العلمي والفكري المسنود بالوثائق، وعوض مقابلة الحجة بالحجة واعتماد أسلوب الإقناع ارتأت مثلا السلطات الجزائرية الجنوح إلى القمع والسجن كما هو الحال بخصوص تعاطيها مع ملف الكاتب بوعلام صنصال الذي أودعته السجن لا لسبب سوى لأنه صرح بأن الصحراء الشرقية ومجموعة من المناطق شرق الجزائر كانت عبر التاريخ جزء لا يتجزأ من التراب المغربي، قبل أن تضطر صاغرة إلى إطلاق سراحه.
فأمام الحقائق التاريخية والوثائق التي ما فتئت تكشف عنها كل من إسبانيا وفرنسا وأمريكا التي تؤكد كلها مغربية الصحراء الشرقية ارتأت الجزائر ومعها للأسف جزء ممن يزعمون أنهم معارضون للنظام الجزائري الهروب إلى الأمام واختيار أسلوب السب والقذف عوض النقاش العلمي الرصين المستند إلى الحقائق التاريخية.
وقد سبق للسيدة بهيجة سيمو مديرة الوثائق الملكية بمناسبة ندوة علمية أن صرحت بأن المغرب “يتوفر على وثائق تثبت أن الصحراء الشرقية أراض مغربية” وأن “فرنسا كانت تنوي إعادة تندوف إلى المملكة المغربية، غير أن السلطان الراحل محمد الخامس رفض هذا الاقتراح من منطلق أن القرار سيكون بمثابة طعنة في ظهر المقاومين الجزائريين، وفضل انتظار استقلال الجزائر لحل مشكلة الحدود مع الأشقاء الجزائريين”، “وهذا الموقف يعكس المبادئ النبيلة القائمة على احترام حسن الجوار والأخوة في الإسلام وصلة الدم بين القبائل المغربية والجزائرية”.
كما أن الملك الحسن الثاني رحمة الله عليه وقع اتفاقا سنة 1961 مع رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية فرحات عباس، يقر بوجود مشكل حدودي بين البلدين، ونص على ضرورة بدء المفاوضات لإيجاد حل مباشرة عقب استقلال الجزائر.
وقد أصبح من الثابت، والمستقر عليه من قبل كل الباحثين والمؤرخين أن المشكلة الحقيقية بين المغرب والجزائر هي الصحراء الشرقية، وهي محور الخلاف المغربي الجزائري”، “فقد اقتطعت فرنسا مناطق تندوف وأدرار وبشار وضمتها للجزائر” التي تثير دائما مسألة الصحراء الغربية للتغطية على قضية الصحراء الشرقية”.
وكانت الجزائر، في تجل واضح لممارستها لديبلوماسية التصادم والأزمات، قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في غشت 2021، وهو أمر اعتبرته المملكة المغربية “غير مبرر إطلاقا”، كما أوقفت تدفق الغاز عبر الأراضي المغربية، ومنعت الطائرات المغربية من عبور المجال الجوي الجزائري، وصرح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بأن القطيعة بين البلدين “وصلت إلى نقطة اللاعودة”.
وبالمقابل لم يتوانى جلالة الملك محمد السادس حفظه الله في ممارسة سياسة اليد الممدودة باعتباره أمير المؤمنين وسبط النبي الأمين المتشبع بمبدأ “الكاظمين الغيض والعافين عن الناس” رغم الإساءات التي لم تتوقف، وسليل الملوك والسلاطين العاملين بمدأ “إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة أنه ولي حميم”.
فلم يسبق لجلالة الملك أن استنقص أو أهان الجزائر بل كان دائما راقيا في خطابه رقي سبط النبي الأمين مخاطبا الجزائريين دوما بالأشقاء الذين تجمعهم بنا وحدة الدين واللغة والجغرافيا والمصير المشترك.
إن العجز الذي أبان عنه بعض أشباه المعارضين عن الرد على الوثيقة بالوثيقة، والفكرة بالفكرة، والحقيقة بالحقيقة، والاستعاضة عن ذلك بنمطق السب والتهجم يجعلهم لا يختلفون عن أولئك الذين يجعلون من السجن مصيرا لكل من ينطق بالحقيقة التاريخية كما هو الحال بالنسبة للكاتب بوعلام صنصال الذي لم يفعل شيئا سوى النطق بكل شهامة وشجاعة وتجرد وموضوعية وجرأة ونزاهة علمية بالحقيقة التاريخية المتمثلة في كون مناطق شرقية جزائرية كانت عبر التاريخ جزءا لا يتجزأ من تراب المملكة المغربية الشريفة.
إلى أولائك أتوجه بهذا النداء، كمواطن مغربي لا تلزم مواقفه الشخصية مؤسسات الدولة المغربية في شيء، لقد طوى القرار 2797 الصادر عن مجلس الأمن ملف الصحراء الغربية باعتماده مبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية كخيار أوحد لتقرير مصير إخوتنا في الصحراء المغربية، فتعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، بعيدا عن التشنج وإنكار الحقائق التاريخية، لإنصاف المغرب واحترام حدوده التاريخية الحقة بعيدا عن تشبت مقيت ومذل بالحدود الموروثة عن الاستعمار.
المصدر: العمق المغربي
