اخبار المغرب

لنقاوم الفراغ العشوائي لدينا

حقيقة أنني لا أعاني من الاكتئاب، ولست حزين، ولا أعاني من عقدة موروثة قديما، فقط في بعض الأحيان أجد نفسي أعاني من تأثر وجفاف وملل بداخلي، حيث كلما حاولت ملئ ه أجد نفسي لازلت متخبط فيه، فهل فعلا هذا الاحساس هو شيء عادي لدينا؟ وهل هذا ما يجب أن أكون عليه؟ أم هذا ربما راجع لعمق وقساوة الإحساس الذي أحس به كعمق محيط البحار وقساوة الحديد؟ كلها أسئلة حيرة عقلي وقد تحير عقول الكثير منا عندما نخلوا بأنفسنا، لكن هناك أهم سؤال يدور في مخيلتي وعلى ما اعتقد لدى الكثير منا، وهو ما سبب انتشار الفراغ العشوائي في حياتنا، على الرغم عيشينا الطبيعي والمستقر، سواء مع ديننا وأسرتنا وكل من حولنا، فحسب وجهة نظري كلها أسئلة قد تجعلنا نتعمق أكثر في معرفة نوع الفراغ والروتين العشوائي الداخلي الذي اصبحنا نعيشه خلال الاواني الأخيرة خصوصا بعد أزمات كورونا، هل هو فراغ وروتين خارجي فرضته علينا عوامل خارجة عن ارادتنا دون حسبان، نذكر منها: عامل الزمن والوقت والظروف سواء كانت صحية بيئية أو اجتماعية أو اقتصادية أو عاطفية، “أما الفراغ الديني ولله الحمد فهو مستقر لدينا كمسلمين استقرار الشموخ والقناعة التامة ولله الحمد”، أم أن هذا الفراغ العشوائي الذي اصبحنا نعيشه هو فراغ مبني على الملل المخيف وتكرار الاشياء دون اهداف مسطرة وقنوعة؟ ام هو فراغ عصبي نتيجة التكنولوجية والمواقع الاجتماعية المخيفة التي ولدت فينا قلة العاطفة والمنطق والاقناع والأخلاق والفكر المتعصب والمحدود.

فهل تساءلت يوما أخي وأختي عن نوع الفراغ العشوائي الذي تعيشه، حقيقة أن مشكلة الفراغ والروتين العشوائي الداخلي المبني على الكم وليس الكيف الذي نعيشه ويعيشه الكثير منا، في البعض الأحيان، يعود في حقيقته إلى الفراغ الناشئ عن انعدام تصورنا الحقيقي والصحيح لهذه الحياة والاستمتاع بملذاتها، وكذلك لعدم مواجهتنا لها بالكيفية والطريقة الصحيحة من خلال معرفة سبب وجودنا فيها، والمهمة الموكولة إلينا فيها ومصيرنا والغاية من هذا التنظيم الرائع للكون والحياة ومن هذا الإبداع العجيب الدقيق المحكم للإنسان ولسائر الأحياء والكائنات، التي أنشاها الله سبحانه وتعالى.

إن فقدان هذه المفاهيم، أوعدم تمثلها في واقعنا الفعلي للحياة، قد يفقدنا في بعض الأحيان معنى الحياة وقيمتها، وبالتالي سيضعف لدينا الشعور بالاهتمام بأنفسنا والطرف الآخر والمحافظة عليهما بأي شكل من الاشكال، مما قد يولد لدينا هذا الشيء، روتين قاتل للأحاسيس والمشاعر وبالتالي يصبح شغلنا الشاغل فقط هو قتل الوقت دون معنى وإهداره بأي شكل، وعمل روتيني عشوائي يخلصنا من طوله وملله “كالاكثار من مشاهدة الهاتف والاشياء التافهة”. حتى ولو كان بشكل متكرر وبدون استمتاع ولو على حساب أنفسنا ومع من نحب من حولنا ” عمل من أجل قتل وضياع الوقت لا غير”، وهذا ما قد يؤدي بنا إلى نوع من الشرود والتوهان عن الواقع وبالتالي البحث عن كيفية التخلص من الفراغ العشوائي الذي بداخلنا وبالتالي عدم الاستمتاع به بطريقة جيدة في حينه.

والدليل على ما سبق ذكره، هي نتائج بعض الدراسات النفسية التي أجريت في هذا المجال والتي أثبتت على أنه كلما قلت القيم المتصلة بالوقت ونقص الاهتمام وضعفت المهارات اللازمة لاستغلاله أحسن استغلال، ازدادت فرص اليأس والملل والاغتراب والأنانية والعنف والجريمة لدينا. لأن الطبيعة البشرية تكره الفراغ والحياة التي أصبحنا نعيشها أيضًا لا تحتمل الفراغ، وهذا ما سيدفعنا دائما نحو سباق وفراغ عشوائي أبدي مجهول ومشوق في نفس الوقت سباق قد نفني أعمارنا في معرفته على الرغم من فشله المسبق، ذلك الفراغ العشوائي الشيطاني الذي يغوي سنابلنا الحمقاء ويغريها، فترفع رؤوسها وتتراقص مع رياح العشوائية التي نعيشها بالداخل، حتى إذا ما جاء وقت الحصاد، طرحت بعيدًا دون هدف وجدوى.

هذه العشوائية التي أصبحت كالمرض المزمن الذي يلازمنا في التفكير والتصرف، مما يجعل البعض منا كل يوم بحال وفكر، ويؤدي بنا لعدم الاختيار الصائب والصحيح حتى مع الأصدقاء والمعارف، حيث تجد لدينا عشرات الأصدقاء المزيفين دون أن نشعر بأن لنا صديقًا واحدًا صدوقًا، يعيننا ويقف بجانبنا على مصائب الحياة. وهذا ما اعتبره أكبر وأخطر أنواع الفراغ والملل العشوائي الذي قد نعيشه في وقتنا الحالي، لأنه يفقد فينا الإحساس الآدمي بالأشياء ويحرمنا من لذة البكاء عند فقدان صديق عزيز علينا أو الفرحة البريئة عند أبسط الأشياء الجميلة التي قد نمر بها. وبالتالي يولد فينا العشوائية الروتينية القاتلة التي ستقضي لا محالة على مشاعرنا واختياراتنا وتصرفاتنا المستقبلية.

حقيقة أن هناك ملل وفراغات أخر قد نعيشها ولكن أعتبرها ليس بنفس خطورة الفراغ العشوائي المرتبط بالفراغ الفكري والأخلاقي والعقلي وبالكم العددي وليس ذاك المرتبط بالجودة والتميز والكيف، لأنه ليس مطلوبًا منا أن نكون جميعا ممتلئ العقول، فالحياة مُخرج عبقري يوزع الأدوار على أساس الامكانيات وبلا مجاملة، فأغلب الناس طيبون بسيطون وهذا صحي ومنطقي جدًا في الحياة، فلا يجب أن يكون الجميع فلاسفة وشعراء وعلماء ومثقفين لأنهم حينها لن يجدوا من يزرع ويصنع ويصلح ويصمم ويبني، حيث نجد الأغلبية تفكر بتوفير الخبز لعائلاتهم دون أن يبدو أي أهمية لأفكار أفلاطون أو أطروحات سقراط وديكارت و ماكيافيلّي، أغلب الناس يطمحون باستقرار اسري ومنزل وعمل وصحة بدنية جيدة، ولا يعيرون الأشياء الأخرى أي اهتمام، اشخاص دوي اخلاق عالية وقيم كريمة ومنطق غير متعصب.

في الختام.. لقد خلقنا الله وأعطانا الحرية المطلقة، حرية كافية لدرجة التفكير الجيد في حالنا وحياتنا وكيفية ملئ فراغاتنا بالشكل الصحيح، نعم نحن أحرار في وضع أهدافنا وأحرار في تشكيل الصورة التي نود أن يرانا بها الآخرون دون المس بكرامتهم، لنا الحرية في أن نكون هوامشًا أو قمم.. أن نتلاشى أو أن نكون خالدين وقدوة في أدهان جيلنا القادم، لذلك فلنستعين بالله ونتصالح مع أنفسنا ومع من حولنا ولنسارع في مقاومة الفراغات الزائفة والعشوائية التي أصبحنا نتخبط فيها، فراغات مبنية عن قلة الأهداف والتفاهة والفكر وعدم المنطق والعصبية وقلة الاخلاق حتى لا تتولد لدينا افكار الإساءة والكراهية والتكرار بدون اهداف فقط من اجل املاء الفراغ الحاصل لدينا والممل المزمن والمتكرر في حياتنا دون لذة وهدف مقنع في الحياة، مصداقا لقوله تعالى “فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى”.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *