بعد زهاء ثماني سنوات من الأشغال المرتبطة بمشروع دار الثقافة في دمنات، ما زالت دار لقمان على حالها؛ فالمشروع لم ير النور حتى كتابة هذه الأسطر، وهذا راجع لسياسيينا الذين نحن منهم براء، فهؤلاء قد أصابهم الركود فقط في الأمور المتعلقة بالسياسات العمومية. لقد أصبحت الدار موضع تندر وسخرية بفعل التماطل والتسويف الذي ألم بها، وبسبب هذا الانتظار الطويل، حول المواطنون هذا الورش إلى موضوع للسخرية والتنكيت. فقد كتب أحد مستخدمي فيسبوك تدوينة قال فيها: “الثقافة التي لا ترى النور”، وقال آخر: “إن هذه الدار يجب أن تدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية لطول مدة بنائها”، مضيفا بسخرية: “برج خليفة بني في ست سنوات”.
الغريب في الأمر أن الورش يسير سير السلحفاة، وهنا تحضرني أغنية كنا نرددها صغارا: “دب الحلزون فوق حجارة، من أين أتى يحمل داره؟”، ولعلها تنطبق على ما تشاهده العين. إن الحسرة نشكلها دائما بأيدينا في مكاتب الاقتراع، بسبب وعود مشوهة ومصالح ضائعة.
كنت دائما أطرح سؤالا كلما رمقت عيني تلك الدار: من سيكون “حلال العقد”؟ من ذلك “الجريندايزر” الذي سيحسم مصير تلك البناية الآيلة للنسيان؟ لكن سرعان ما يحضرني صوت داخلي يهمس كشيطان يكسر أفق التوقع قائلا: لا أحد.
في العشرين من مارس عام ألفين وخمسة وعشرين، زارت لجنة إقليمية مختلطة برئاسة عامل الإقليم الورش لمعاينة الأشغال داخل دار الثقافة، وشددت على أهمية تسريع استكمال المشروع وتزويده بالتجهيزات اللازمة لاحتضان الأنشطة الثقافية والفنية في أقرب وقت. لكن، ظلت دار لقمان على حالها، ولم يكلف برلمانيونا أنفسهم عناء الترافع عن هذه الدار داخل قبة البرلمان من أجل تسريع افتتاحها. يبدو أن السياسة هنا، في هذه الرقعة الجغرافية، قد أصابها الوهن، فصارت تموت ببطء. لكن على يد من؟ على يد من أسأنا اختيارهم، غفر الله لنا.
من أخطاء السياسة أن تمنح صوتك لمن لا يستحقه، فيخيب أملك فيمن ائتمنته على الموقف قبل الصوت. يقول القدماء في مثلهم: “ما له سقط؟ فأجيب: من الخيمة خرج مائلا”. فلا سياسة بدون شجاعة وحس أخلاقي، والأخلاق هنا لا تقبل أنصاف الحلول، وليست مبنية على ازدواجية المعايير، كما أنها لا تقبل القسمة على اثنين. وكما يقول الأقدمون، وهذا غيض من فيض: “المناصب زائلة، لكن السمعة الأخلاقية تبقى ما بقيت الأجيال”.
المصدر: العمق المغربي