فنزويلا دولة شاسعة نسبيا تبلغ مساحتها 916 ألف كلم مربع، أكثر من ضعف مساحة العراق، تقع في أقصى شمال قارة أمريكا الجنوبية، عدد سكانها حوالي 30 مليون نسمة، 25% منهم فروا إلى الخارج في العشر السنوات الأخيرة، تطل على بحر الكاريبي وتحدها كولومبيا من الغرب، والبرازيل من الجنوب، ولا تبعد كثيرا عن الولايات المتحدة إلا بحوالي ألفي كيلومتر عن فلوريدا.
علاقتها مع الإدارات الأمريكية السابقة كانت سيئة لكنها لم تصل إلى حد الاصطدام ولا حتى إلى التهديد باستعمال القوة أو التصريح العلني بتغيير النظام، لكن ماذا تغير في السنة الأولى لحكم الرئيس ترامب في فترته الثانية ليعلن علنا في مقابلة مع قناة CBS بثتها في نونبر بأن أيام رئيس فنزويلا مادورو أصبحت معدودة كرئيس، بل واتهمه بأنه يترأس كارتيل شموس الذي يتاجر في المخدرات ومنخرط في الجريمة المنظمة، وسبق لوزارة الخارجية الأمريكية أن صنفته كمنظمة إرهابية، وعرضت الولايات المتحدة مبلغ 50 مليون دولار لمن يساعد على اعتقال مادورو، وبدأت الإدارة الأمريكية عملية سمتها “الرمح الجنوبي” حيث دفعت بـ16 جنديا إلى الكاريبي بالقرب من فنزويلا، وحركت حاملة طائرات وعددا من القطع البحرية، وقصفت أزيد من 21 زورقا متهما من طرف واشنطن بنقل المخدرات.
وبعد ذلك، أعلن الرئيس ترامب عن إغلاق شامل للمجال الجوي الفنزويلي، أي لا خروج ولا دخول عبر الجو، حيث يضطر المواطنون للتنقل برا إلى كولومبيا وبعدها السفر جوا.
ترامب وحركته “لنجعل أمريكا عظيمة” ركزوا في الحملة الانتخابية على الهجرة والمخدرات التي اعتبرها أهم أولوية، واتهم دولا بعينها بتصدير ملايين البشر إلى أمريكا وعلى رأسهم فنزويلا، لكن الأرقام تقول بأن عدد الذين فروا من فنزويلا بسبب الضائقة الاقتصادية والتضخم والعنف والجريمة وصل إلى ثمانية ملايين، استقبلت منهم الولايات المتحدة حوالي مليون، أي 12% فقط، وكلف ذلك دافع الضرائب الأمريكي أكثر من ستة ملايير دولار.
أما بالنسبة للمخدرات ففنزويلا لا تنتج مخدرات، حيث أن تقرير الأمم المتحدة لسنة 2025 ذكر بأن ثلاث دول تنتج 80% من الكوكايين وهي كولومبيا والبيرو وبوليفيا، وأن فنزويلا هي فقط محطة عبور لأقل من 10% من المخدرات التي تصل إلى الولايات المتحدة، لكن بعض المحللين وحتى بعض القادة يرون بأن هناك أسبابا أخرى شجعت ترامب جديا على الإطاحة بالرئيس مادورو، أهمها النفط، ففنزويلا تتوفر على احتياطي نفطي مؤكد هو الأكبر في العالم بأكثر من 300 مليار برميل، أي أكثر من احتياطي السعودية بـ13%، والمخزون النفطي للبلاد تستفيد منه الشركات الصينية بصفة أساسية حيث تستورد الصين 80% من الإنتاج النفطي الفنزويلي أي حوالي 800 ألف برميل يوميا، وما يثير الاهتمام أكثر أن فنزويلا كانت تصدر ثلاثة ملايين برميل يوميا في حين تصدر حاليا بالكاد 950 ألف برميل، ووقع هذا التراجع بفعل العقوبات الغربية التي طالت صناعة النفط في فنزويلا، خاصة بعد أن قام الرئيس السابق شافيز بتأميم قطاع النفط، وسقوط مادورو وعودة النفط الفنزويلي للتدفق من جديد، يعني انخفاضا كبيرا لأثمان المحروقات في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول، وتضييقا اقتصاديا على روسيا وإيران اللتين يشكل النفط موردهما الاقتصادي الأول.
السبب الثاني هو الاعتبارات الانتخابية المهمة في الولايات المتحدة، فستجري انتخابات التجديد النصفي يوم الثلاثاء 5 نونبر القادم، حيث سيتم انتخاب مجلس النواب بالكامل 435 عضوا، وثلث مجلس الشيوخ، و36 من حكام الولايات، ناهيك عن عمداء بعض المدن والمقاطعات وغيرها.
استطلاعات الرأي التي تجريها مؤسسات سبر الآراء غير مشجعة للرئيس ترامب وللحزب الجمهوري في ظل تراجع شعبية الرئيس في الشهور الأخيرة، وأي هزيمة في الكونغرس معناها أن الديمقراطيين سيعرقلون تنفيذ وعود الرئيس وهي كثيرة، وبالتالي سيشكل ذلك حجر عثرة أمام طموح المحافظين.
وعليه، فترامب في حالة إطاحته بمادورو سيقدم نفسه كرئيس شجاع وحاسم وغير متردد عكس الديمقراطي جون بايدن. وسيربح نقاطا كثيرة في الولايات الجنوبية الحدودية التي تعتبر الهجرة أكبر مشكلة تواجهها. زد على ذلك أن ولاية مثل فلوريدا كانت ولاية متأرجحة في عهد الرئيس باراك أوباما، أصبحت الآن أكثر ميلا للحزب الجمهوري بفعل عدد سكانها من أصل كوبي الذي يصل إلى مليون ونصف، وربع مليون أمريكي من أصل فنزويلي، ومن المعروف أن المواطنين من هاتين الدولتين يكنون عداء كبيرا للأنظمة الاشتراكية الديكتاتورية في أمريكا اللاتينية، ويتهمون الحزب الديمقراطي بنوع من المهادنة مع هذه الأنظمة الشمولية بصفة عامة، واللوبي الكوبي هو ثاني أقوى لوبي في الولايات المتحدة.
السبب الثالث الذي دفع بالرئيس ترامب إلى التحرك في فنزويلا هو عقيدة الرئيس جيمس مونرو التي صاغها سنة 1823، والتي تقوم على أساس أن أمريكا اللاتينية هي الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، ولا يسمح بوجود أي قوى منافسة هناك، وفنزويلا زبون عسكري واقتصادي للصين، وهناك قاعدة لصناعة الطائرات بدون طيار تابعة لإيران، وتعاون عسكري مع روسيا، وهذا طبعا يتعارض مع المبدأ السالف الذكر، والجميع يتذكر أزمة الصواريخ الروسية في كوبا في عهد الرئيس كينيدي.
لكن يبقى السؤال المطروح: هل ستقوم أمريكا بغزو عسكري لفنزويلا؟ الجواب طبعا لا، فغزو العراق الذي لا تتجاوز مساحته نصف مساحة فنزويلا تطلب 140 ألف جندي وقواعد عسكرية ومشاركة دول، في حين أن عدد الجنود المرابطين قرب فنزويلا لا يتعدى 15 ألفا، زد على أن ترامب سبق له أن وصف الرئيس جورج بوش الابن بالبليد لأنه صرف ملايير الدولارات على حرب العراق من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين، والاقتصاد الأمريكي لن يتحمل حربا تقليدية جديدة، ثم إن الحرب تحتاج لتصويت الكونغرس، وهذا أمر صعب جدا، زد على ذلك أن حركة “لنجعل أمريكا عظيمة” الداعمة لترامب ترفض المغامرات الخارجية وتريد التركيز على البناء الداخلي للبلاد، مع التذكير بأن الأولوية حاليا هي الصين وليست فنزويلا، لكن إضعاف مادورو قد يمهد الطريق لسقوط نظام مادورو.
المصدر: العمق المغربي
