لماذا لا تنعكس الثروة السمكية الهائلة للمملكة على أسعار الأسماك بالأسواق؟
تعتبر الثروة السمكية من أهم المقومات الاقتصادية للمغرب، حيث تمتلك البلاد واحدا من أغنى البحار في العالم، وعلى الرغم من هذه الإمكانات الهائلة، فإن أسعار الأسماك تبقى مرتفعة في الأسواق المحلية، ما يطرح تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا الارتفاع، وكيف يمكن الاستفادة بشكل أفضل من هذه الثروة السمكية لصالح المستهلك والاقتصاد الوطني.
وشهدت أسعار الأسماك بالمغرب ارتفاعا حادا، لا سيما السردين الذي يُعد عنصرا أساسيا على موائد المغاربة، خاصة ذوي الدخل المحدود، حيث بلغ سعر الكيلوغرام الواحد قبل مدة، 25 درهماً في بعض الأسواق، وفي مدينة آسفي، التي تعد مدينة السمك ارتفع ثمن السردين إلى 400 درهم للصندوق الواحد، بينما بلغ في مدينة الصويرة 500 درهم.
في هذا السياق قالت “جون أفريك” الفرنسية، إن قطاع الصيد البحري في المغرب يشكل ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، حيث يساهم بحوالي 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي، ويوفر فرص عمل مباشرة لحوالي 220,000 شخص، وفرص عمل غير مباشرة لحوالي 500,000 شخص، وبصفته أكبر منتج للأسماك في القارة الأفريقية، يعتبر هذا القطاع مصدراً رئيسياً للدخل لآلاف الأسر المغربية.
وحسب تقرير الصحيفة الفرنسية فإن المغرب يقع في موقع جغرافي استراتيجي يطل على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، حيث يمتد ساحله لمسافة تزيد عن 3400 كيلومتر، ما يجعله يتمتع بتنوع بيولوجي بحري غني، حيث تتلاقى التيارات الدافئة والباردة لتشكل بيئة مثالية لتكاثر وتنوع الأحياء البحرية.
وأضاف أن مياه المغرب، خاصة تلك التي تتأثر بتيار جزر الكناري البارد، تعتبر موطناً لأكثر من 1200 نوع من الأسماك، أبرزها السردين والميرلو واللوبستر، مسجلا أن قطاع الصيد في المغرب تطور بشكل ملحوظ منذ العصور القديمة، لكنه شهد نقلة نوعية بعد الاستعمار الفرنسي، ففي عام 1912، أصدرت السلطات الاستعمارية قانوناً تنظيمياً للصيد البحري، مما ساهم في زيادة عدد قوارب الصيد بشكل كبير بحلول عام 1949.
وأوضحت المجلة أن أسطول الصيد المغربي كان يتكون بعد نهاية الحرب العالمية الثانية من 50 قاربًا صيدًا، و180 قاربًا مخصصة لصيد السردين، و700 قارب لصيد الأسماك بالخيوط، ليصل إجمالي عدد القوارب إلى 930 قاربًا، وعمل على متن هذه القوارب حوالي 1500 بحار، أغلبهم من المغاربة.
وأضاف التقرير أن صناعة المعلبات المرتبطة بالأسماك كانت مزدهرة، حيث كانت المنتجات المغربية تصدر بشكل رئيسي إلى فرنسا وبريطانيا العظمى والمستعمرات الفرنسية الأخرى.
وشهد قطاع الصيد في المغرب، بعد الاستقلال، حسب المصدر ذاته تحولات جوهرية نحو التحديث والتطوير، ففي أواخر الأربعينيات، تم إنشاء معهد الصيد البحري المغربي، الذي ساهم في تطوير البحوث العلمية وتحسين أساليب الصيد، وفي خطوة أكثر تنظيمًا، أنشأت الحكومة المغربية في عام 1981 وزارة متخصصة في الصيد البحري، لتتولى إدارة الثروة السمكية وتنميتها.
ورغم التقدم الذي أحرزه قطاع الصيد في المغرب، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة تهدد استدامته، فالتلوث وتغير المناخ والضغط على الثروة السمكية الناتج عن الصيد الجائر، تشكل عقبات حقيقية أمام هذا القطاع الحيوي.
واعتبر التقرير أن توقيع اتفاقية الصيد بين المغرب والاتحاد الأوروبي أثر بشكل إيجابي على قطاع الصيد البحري المغربي، فالسوق الأوروبي يمثل وجهة أساسية لـ 80% من صادرات المنتجات البحرية المغربية، مما يمنح هذا القطاع أهمية اقتصادية واستراتيجية كبيرة.
في هذا الإطار أوضح كمال صبري، رئيس غرفة الصيد البحري الأطلسية الشمالية، في تصريح سابق لـ “العمق” أن المغرب وصل إلى مرحلة متقدمة في تدبير قطاع المصايد، وهو ما يتم الاعتراف به به دولياً، مشيرا إلى أن المغرب أصبح نموذجاً يحتذى به في إفريقيا، وله مكانة مهمة في السوق الدولية بفضل منتجاته البحرية المُعالجة في معامل التجميد والتصنيع.
وأكد صبري أن المصانع المغربية تحظى باعتراف المصالح البيطرية الأوروبية، مما يمنحها تصاريح التصدير إلى أسواق الاتحاد الأوروبي، مضيفا أن المغرب يدير ثرواته السمكية بكفاءة عالية، وأن الطلب العالمي على منتجاته في تزايد مستمر.
يذكر أن متوسط استهلاك الفرد من الأسماك في المغرب بلغ 14 كيلوجرامًا سنويًا، وهو أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 21.5 كيلوجرامًا. ورغم إنتاج المغرب السنوي البالغ 1.6 مليون طن من الأسماك، إلا أن استهلاك الفرد لا يزال محدودًا.
وللإشارة فإن حجم الإنتاج البحري في السنة خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2022، بلغ 1.125.000 طن مفرغة في مختلف موانئ الصيد المغربية، حيث سُجل ارتفاع حجم إفراغات السمك السطحي بنسبة 33% نظرا لزيادة كميات السردين بـ 52 %نتيجة للظروف المناخية الملائمة.
المصدر: العمق المغربي