اخبار المغرب

لقاء علمي بالقنيطرة يحتفي بنساء الصحراء

نظمت شعبة الأنثروبولوجيا، بتنسيق مع فريق البحث “المجالات الترابية والديناميات الاجتماعية “ومختبر “الإنسان والمجتمعات والقيم”، لقاء احتفائيا بالإصدار الجديد للأنثروبولوجي المغربي محمد دحمان، أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة ابن طفيل العضو السابق بالكوركاس، المعنون بـ “نساء الصحراء: دراسات سوسيوأنثروبولوجية”.

وفي كلمة تقديمية بالمناسبة، ذكر الأستاذ خالد شهبار، أستاذ السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا بالكلية ذاتها، بالمنجز العلمي والأكاديمي للأستاذ محمد دحمان الممتد لأكثر من عشرين سنة، جلها في البحث الميداني في كل ما يتعلق بالمجتمع الصحراوي، الذي تناوله بالدراسة والتحليل متكئا على الأدبيات السوسيولوجية والأنثروبولوجية لسبر أغوار هذا المجتمع وتفسير وتحليل مختلف الظواهر، معتبرا أن كتاب “نساء الصحراء:

دراسات سوسيوأنثروبولوجية” منجز علمي يستحق القراءة والمتابعة والفحص، لميزتين على الأقل من ميزات كثيرة: أولهما أنه لا يتحدث عن المرأة بالعموميات السائدة، ولكن انطلاقا من وضعيات محلية في المجتمع الصحراوي، بل ومساءلتها علميا وأكاديميا. ثانيهما أنه حصيلة تجربة دراسية وبحثية لأكثر من عقدين، أنصت من خلالها الباحث “لتصريحات وتأوهات داخل المجتمع الصحراوي انطلاقا من أفكار وأسئلة وردت في المنجز.

فوزي بوخريص، أستاذ السوسيولوجيا والأنثربولوجيا بجامعة ابن طفيل، قال إن الاحتفاء بالكتاب والحديث عن موضوعه يقتضي تقديم نظرة عن العلاقة بين الأنثروبولوجيا والنساء، خصوصا وأن هذه العلاقة علاقة خاصة مقارنة مع علاقة باقي العلوم الإنسانية مع المرأة، مقترحا مقاربة خاصة للموضوع من زاويتين: تتناول الأولى أنثروبولوجيا النساء، فيما تتعاطى الثانية مع الموضوع من زاوية النساء الأنثروبولوجيات.

وفي محاولة لعرض مقاربته لأنثروبولوجيا النساء، أوضح بوخريص أن الأنثروبولوجيا منذ ظهورها وهي تشتغل بموضوع ووضع المرأة في المجتمعات وعبر مختلف مناطق العالم، وهي معطيات هامة، إضافة إلى ما راكمه قبل هذا الاهتمام الرحالة والمغامرون وكذا الإداريون خلال فترة الاستعمار، غير أن رؤية كل هؤلاء كانت “رؤية معيارية للمرأة ركزت على ما ينبغي أن يكون أكثر من تركيزها على وضع المرأة في الواقع”، لكن وبعد مسار طويل للأنثروبولوجيا بدأ “نوع من الاكتشاف الواعي لواقع النساء من خلال فحص كيف يتغير وضعهن مع أنماط الثقافة وعموم المجتمع، وهو أمر لم يتح لباقي العلوم الإنسانية”، يوضح بوخريص، مؤكدا أن الأنثروبولوجيين كانوا سباقين إلى تناول بل وفهم الإشكالات ذات علاقة بالمرأة، التي أصبحت تعالجها مختلف العلوم الإنسانية اليوم كموضوع الجنس والهوية الاجتماعية.

ولمقاربة موضوع أنثروبولوجيا النساء أكثر، أشار أستاذ الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع إلى أن مختلف الأدبيات والكتابات في هذا الموضوع “تجعلنا نقف على نموذجين: أنثروبولوجبا النساء بالقوة وأنثروبولوجبا النساء بالفعل”. النموذج الأول يتعلق بتناول وضع المرأة وتموقعها داخل المجتمع انطلاقا من تيمات مختلفة، ومثل له بوخريص بموضوعات مارغريت ميد وتناولها للمرأة من جوانب متعددة كالتربية، المراهقة والحياة الجنسية، مقدمة مساهمات مهمة لفهم وضعية النساء، “لكنها حاولت أن تنفي عن نفسها أن أبحاثها ذات منحى نسوي”.

وبخصوص النموذج الثاني المتعلق بأنثروبولوجبا النساء بالفعل، وقف المتحدث على أمثلة عدة، مركزا على أعمال فرانسواز إيريتي التي بحثت في وضعية المرأة وعلاقتها بالرجل داخل المجتمع، خاصة منجزها “ذكورة وأنوثة: فكرة الاختلاف” الذي تناولت فيه النظريات الأنثروبولوجية التي تبين مختلف العناصر المميزة للنوع ومواضيع لها علاقة بالمرأة داخل المجتمع كالخصوبة والعقم والجسد، ومدى تأثيرها في تحديد تفوق أو دونية جنس قياسا إلى جنس آخر.

واسترسل بوخريص في الحديث عن أهمية الدراسات الأنثروبولوجية في تفعيل نظرة باقي العلوم ولفت انتباه صناع القرار إلى وضع المرأة داخل المجتمع، خصوصا وأن الأنثروبولوجيا، بحسبه، هي التي أبرزت أن التمييز بين الرجل والمرأة “غير قائم على فروقات بيولوجية، بل يعود إلى معطيات ذات طبيعة ثقافية رمزية”، وانطلاقا من إبراز هذا الأمر لم يعد المحدد هو الأساس البيولوجي لذكورة الرجل الذي يخول له سلطة وامتيازات، ولكن الثقافة والأدوار رمزيا ومخياليا، “التي تسجن النساء في صور وأدوار محددة”، فجاءت الأنثروبولوجيا كـ “ترياق ودواء”، بتعبير المتحدث، ضد كل نزعة جوهرية من هذا النوع، كاشفة عن كيفية صناعة هذه المفاهيم والتصورات ودورها في توزيع الأدوار الذي هو توزيع ثقافي محض.

وفي حديثه عن المقاربة الثانية المتعلقة بالنساء الأنثروبولوجيات، تطرق بوخريص لكون الأدبيات تشير إلى أن تقسيم المهام جعل كل مهام ذات قيمة وسلطة تقترن بالرجال، وينحصر دور النساء في إعادة الإنتاج، مشيرا إلى أن استعراض تاريخ العلم يظهر أن المناصب العسكرية والسياسية وحتى العلم نفسه شبه احتكاري للرجال في شبه غياب للمرأة، غياب كذلك في إنتاج المعرفة في إطار العلوم الاجتماعية عامة وتعاطيها مع موضوع المرأة برؤية تبسيطية، وهو ما لم تكن تتعاطى معه الأنثربوبولوجيا بالطريقة والحدة نفسها، “بحيث شكلت الاستثناء، ولو أنها بدأت بمساهمات الرجال لكنها كانت جنب مساهمات النساء كذلك”، يقول بوخريص، قبل أن يكمل مستدركا: “كانت توجد فعلا تراتبية لكنها أقل فراغا وأقل تمييزا في السوق الأكاديمية بين الرجال والنساء”.

عبد هرهار، أستاذ السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا بجامعة ابن طفيل، كانت مداخلته عبارة عن قراءة لبعض متون المنجز المحتفى به وبصاحبه، قائلا إن هذا الاحتفاء بمحمد دحمان وكتابه الجديد ذو دلالتين: تتعلق الأولى بكون الكتاب تكريما للمرأة وافتخارا بالمكانة التي احتلتها، سواء في حياة الباحث أو في مجتمعه الصحراوي، وثانيا الاحتفاء بالكاتب كرجل ميدان وباحث خبر الصحراء وعارف بتفاصيلها الصغيرة والدقيقة.

المتحدث أشار إلى أن مداخلته تتم على مستويين: المستوى الأول عنونه بـ “في مادة الكتاب ونهجه”، والمستوى الثاني موضوعه “من سلطة القبيلة إلى سلطة النساء”. وفي ثنايا كلمته حاول هرهار الحفر في متون الكتاب وعلاقته بالواقع الصحراوي، بدءا بوصف براني يتعلق بكون الكتاب يضم سبع دراسات حول نساء الصحراء في علاقتهن بالزمن والمجتمع والجسد والمخيال، انطلاقا مما راكمه دحمان خلال 20 سنة الأخيرة وجد معه في الكتاب من دراسات بعضها نشر وأخرى تنشر لأول مرة، رابطها كونها “استجماع لخصائص كبرى هامة تتميز بها المرأة الصحراوية، وكيف أن لها سلطة تقرر في مجتمع تقليدي”، يقول هرهار، معتبرا مادة الكتاب متنوعة وثمينة ومادة امبريقية؛ كون الباحث استقاها من الميدان وهو المجال الصحراوي وتحديدا الساقية الحمراء ووادي الذهب والسمارة، ميدان “أهم ما يميزه الطابع الشفوي على حساب التدوين والتأليف”، موضحا أن جل موضوعات الكتاب تتشابك مع بعضها بعض حد التماس.

وقال هرهار: “رغم أن دحمان استثمر ما أنتج حول الصحراء من كتابات مغربية أو أجنبية، إلا أنه لاحظ أن أغلبها لم تعالج موضوع المرأة في الصحراء بشكل مباشر، بل بشكل عرضي في إطار معالجة مجموعة من القضايا كالطلاق والزواج”، غير أنه أضاف الكثير في كتابه هذا محاولا النبش والبحث في كيفية حضور المرأة والجسد النسوي في المجتمع انطلاقا من مجموع الإبداع المتداول، وميزته هي “تفكيك مجموع الصور النمطية التي يتمثلها كثيرون وكما وردتي في إبداعات عن المرأة”، هذا التفكيك تم انطلاقا من “الصور الميثولوجية التي تظهر المرأة حكيمة وذات مشورة وحكمة وهي المربية والعالمة والمعلمة….”. وبعد هذه النظرة العامة حول الكتاب، قدم هرهار قراءة مطولة لما جاء فيه.

من جانبه، أوضح محمد دحمان، الباحث الأنثروبولوجي أستاذ السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا بجامعة ابن طفيل، أن كتاب “نساء الصحراء: دراسات سوسيوأنثروبولوجية” هو مجموعة دراسات أنجزت خلال عشرين سنة الأخيرة ونتاج معطيات أجنبية ومحلية من مقابلات ورصد ووثائق ومعطيات محلية شفوية ومكتوبة، مشيرا إلى أن الكتاب يتضمن سبعة محاور ومباحث.

أما عن هاجس الكتاب، فيقول دحمان إن الهاجس هو المساهمة في تقديم وقراءة وتحليل معطيات واقع صحراوي هام تهيمن عليه الصور النمطية، خصوصا حول المرأة، ذاكرا عددا منها كالربط بين السمنة والمرأة الصحراوية، وحب الرجل الصحراوي للمرأة المتزوجة مرات كثيرة… كما عرج على الحديث عن طبيعة هذا المجتمع الصحراوي أو الرعوي ومختلف التحولات التي عرفها، واقتفى نهج الأنثروبولوجيين الأنجلوساكسونيين في دراسته لاهتمامهم بعمق المجتمع وليس هوامشه انطلاقا من الدراسات الميدانية والتركيز عليها كمعطى واقعي فيما يقوله المجتمع عن نفسه.

يشار إلى أن هذا اللقاء العلمي، الذي أداره الأستاذ عبد الغني شفيق، عرف حضور جمال الكركوري، عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، وأحمد فرحان، أستاذ الفلسفة بجامعة ابن طفيل نائب العميد في البحث العلمي، وعدد من الأساتذة وطلاب الماستر والدكتوراه.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *