أكد الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إدريس لشكر، أن حزبه لا يسعى إلى موقع فوق المجتمع، بل إلى موقع داخله، في إطار طبيعي لتصارع الاختيارات، مؤكداً أن التاريخ وحده كفيل بالحكم على صدقية الفاعلين السياسيين وعمق التزامهم، بعيداً عن الخطابات الاستهلاكية أو الشعارات العابرة.

وفي تقييمه لأداء الحكومات المتعاقبة، شدد لشكر خلال حلوله ضيفا على برنامج “نبض العمق”، على أن ما يعرفه المغرب اليوم هو حصيلة تراكم إصلاحي طويل، معتبراً أن النقد السياسي لا ينبغي أن يتحول إلى موقف عدمي ينكر ما تحقق، سواء في عهد الحكومات السابقة أو الحالية.

وأوضح أن تموقع الاتحاد الاشتراكي في المعارضة لا يعني الدعوة إلى القطيعة مع السياسات العمومية، بل السعي إلى تصحيح اختلالاتها وتطويرها في إطار استمرارية الدولة.

واستحضر في هذا السياق تجربة جائحة “كوفيد19”، مبرزاً أن التوجهات الكبرى التي تم اعتمادها، خاصة في ما يتعلق بالحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، تعكس اختيارات لطالما دافع عنها الفكر الاشتراكي، رغم ما شاب التنفيذ من نواقص.

واعتبر أن المفارقة تكمن في أن بعض الأصوات التي تنتقد هذه الأوراش اليوم سبق لها أن دافعت عن خصخصة التعليم والصحة، في حين مكنت منظومة الحماية الاجتماعية الحالية مواطنين من الاستفادة من علاجات مكلفة كانت بعيدة المنال.

ومن جهة أخرى، أكد لشكر أن ما تحقق في كرة القدم لا يمكن فصله عن رؤية استراتيجية واضحة ارتبطت بالمبادرة الملكية لتأسيس أكاديمية محمد السادس، التي أفرزت جيلاً من اللاعبين القادرين على المنافسة قارياً ودولياً، غير أنه شدد في المقابل على أن هذا النجاح يظل استثناءً إذا ما قورن بالتراجع الذي عرفته رياضات أخرى كانت تاريخياً مصدر إشعاع للمغرب، مثل ألعاب القوى والتنس والملاكمة.

وأرجع هذا التراجع إلى غياب التقييم الجدي، واستمرار مظاهر الريع داخل بعض الجامعات الرياضية، وسوء توظيف الاعتمادات المالية، معتبراً أن إصلاح الرياضة، شأنها شأن السياسة، يمر عبر ربط المسؤولية بالمحاسبة، وقطع الطريق على منطق التدبير الريعي الذي يعطل الإمكانات الوطنية.

وعلى صعيد آخر، أكد لشكر أن عدداً من القوانين التنظيمية التي تؤطر الحياة السياسية والمؤسساتية المغربية تعاني أعطاباً حقيقية تمس جوهر الديمقراطية التمثيلية، محذراً من أن استمرار إنتاج نصوص قانونية غير منسجمة مع الواقع المجتمعي والمهني يفرغ الإصلاح السياسي من مضمونه، ويضعف ثقة المواطنين في العمل المؤسساتي.

وأوضح لشكر، أن القاعدة القانونية يجب أن تكون موحدة ومجردة وقابلة للتطبيق العادل، منتقداً ما اعتبره ابتكار صيغ تنظيمية هجينة لا تستجيب لا للمنطق الديمقراطي ولا لانتظارات الفاعلين.

وفي هذا السياق، توقف عند قانون الصحافة والنشر، معتبراً أن طريقة تنظيم التمثيلية المهنية تفتقد للوضوح، إذ لا يمكن، بحسب تعبيره، بناء شرعية قانونية على آليات تصويت أو تمثيل لا تعكس حقيقة الجسم الصحفي، مؤكداً أن الاختيار ينبغي أن يكون إما لصيغة فردية واضحة للناشرين، أو لإطار تمثيلي ديمقراطي منسجم مع تطلعات آلاف الصحفيين، بعيداً عن حلول وسط تفرغ النص القانوني من روحه.

وامتد نقد لشكر إلى القوانين الانتخابية، مبرزاً أن الاتحاد الاشتراكي كان الحزب الوحيد الذي تقدم بمقترح عملي يضمن تمثيلية النساء داخل البرلمان بنسبة لا تقل عن الثلث، عبر الانتقال من منطق اللوائح الجهوية إلى لوائح تقوم على المناصفة الفعلية.

وأكد أن هذا المقترح لا تحكمه حسابات ظرفية أو انتخابية، بل ينبع من نقاش دستوري عميق حول الديمقراطية التمثيلية والعدالة في المشاركة السياسية، معتبراً أن أي إصلاح انتخابي لا يضع مسألة الإنصاف والمناصفة في صلبه يظل إصلاحاً منقوصاً.

ومن هذه الزاوية، انتقل لشكر إلى تفنيد ما وصفه بخطاب “الاختباء وراء الملك”، مؤكداً أن الدور الذي يضطلع به الملك محمد السادس محدد بدقة في الدستور، ولا يمكن اختزاله في تحميل المؤسسة الملكية ما يفترض أن تقوم به الأحزاب والحكومة.

وشدد على أن المغرب يعيش في إطار ملكية دستورية ديمقراطية اجتماعية، تقوم على توزيع واضح ومتوازن للأدوار والمسؤوليات، ولا تسمح بخلطها أو التهرب منها.

وأوضح أن الدور التحكيمي والتوجيهي لجلالة الملك يشكل جوهر النظام الدستوري المغربي، إذ يقدم التوجهات الكبرى للسياسات العمومية من خلال خطبه ورسائله، خصوصاً داخل البرلمان، باعتبارها محددات استراتيجية تشتغل عليها الأحزاب، سواء كانت في موقع المعارضة أو في موقع الأغلبية.

واعتبر أن هذا الدور لا يعني حلول الملك محل الفاعلين السياسيين، بل توجيههم وتنبيههم إلى القضايا الكبرى التي تهم البلاد، مع بقاء مسؤولية التنفيذ والمحاسبة على عاتق الحكومة والمؤسسات المنتخبة.

وشدد لشكر على أن عمل المؤسسة الملكية يتم في تناغم مع مؤسسات الدولة ومع المجتمع، مؤكداً أن أي نقاش سياسي جدي يجب أن يركز على جودة السياسات العمومية وآليات المراقبة والمحاسبة، لا أن ينزلق إلى التشويش على طبيعة النظام الدستوري أو خلق التباس مقصود في توزيع الاختصاصات.

ورفض الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي اختزال موقع حزبه في سؤال “الشجاعة السياسية” أو الحديث عن أفول ما يوصف بـ“الأساطير الحزبية”، معتبراً أن الواقع السياسي الديمقراطي تحكمه المنافسة بين البرامج والأفكار، لا الأساطير أو الرموز.

وأكد أن حزبه يعبر بوضوح عن مواقفه، ويطرح تصوره أمام المجتمع، ويترك للمواطنين حق الاختيار والحسم، معتبراً أن عدم الإقناع في لحظة سياسية معينة لا يعني الانسحاب أو التعالي على المجتمع، بل الاستمرار في الاشتغال داخل الفضاء الديمقراطي.

وأشار إلى

المصدر: العمق المغربي

شاركها.