لجنة (مهمة) استطلاعية أم لجنة تقصي الحقائق؟

يطرح الرأي العام الوطني اليوم، وبِحدّة، سؤال التمييز بين اللجنة (المهمة) الاستطلاعية ولجنة تقصي الحقائق في النظام البرلماني المغربي، من حيث الاختصاص والطابع والأثر السياسي لهما.
ويستند تشكيل اللجان البرلمانية المؤقتة في المغرب، سواء كانت لجان تقصي الحقائق أو لجان استطلاعية، إلى إطار قانوني محدد يميز بين طبيعة كل لجنة واختصاصاتها. لجنة تقصي الحقائق تُعد من الآليات الرقابية القوية في النظام البرلماني المغربي، ويُشكل الفصل 67 من دستور 2011 أساسها الدستوري. ينص هذا الفصل على إمكانية تشكيل هذه اللجان من قبل البرلمان للتحقيق في وقائع معينة أو في تدبير المؤسسات والمقاولات العمومية. تتمتع هذه اللجان بصلاحيات واسعة، من بينها استدعاء الأشخاص وجمع المعلومات، لكن لا يجوز لها التدخل في التحقيقات القضائية الجارية. كما أن النظام الداخلي لمجلس النواب، في المواد من 216 إلى 225، يحدد تفاصيل إحداثها وسير أشغالها ومدة مهامها، إضافة إلى وجوب التزام السرية والصرامة في معالجة نتائج التحقيق، مع إمكانية إحالة الاختلالات على القضاء إذا تبيّن وجود شبهات أو اختلالات.
أما اللجان الاستطلاعية المؤقتة، فهي أقل صرامة من حيث المسطرة القانونية، وتُستمد شرعيتها فقط من النظام الداخلي للبرلمان. وفقًا للمواد من 107 إلى 113 من النظام الداخلي لمجلس النواب، يمكن لأي لجنة دائمة أو مجموعة برلمانية أن تطلب إحداث لجنة استطلاعية قصد جمع المعطيات حول قضية تهم الشأن العام، دون افتراض وجود تجاوزات أو خروقات قانونية. تتميز هذه اللجان بطابعها غير السري، وتُعد تقاريرها أدوات للمساءلة السياسية والمراقبة البرلمانية، دون أن يكون لها أثر قانوني مباشر. ويكمن الفرق الجوهري بين اللجنتين في كون لجنة تقصي الحقائق تركز على “التحقيق” في وجود اختلالات محتملة، بينما اللجنة الاستطلاعية تركز فقط على “رصد” المعلومات وتقديم خلاصات موضوعية حول السياسات العمومية.
وفي موضوع تقديم الدعم لأكباش العيد من طرف الحكومة؛ حيث يدور النقاش العمومي أساسًا حول أحقية الدعم وعدالته ومردوديته الاجتماعية، دون وجود شبهات موثقة أو اتهامات صريحة، من خلال معرفة شروط الدعم والمعايير المعتمدة ومصدر التمويل ومن هم المستفيدين الحقيقيين وهل الأمر يدخل في إطار سياسة عمومية أو قرار ظرفي؟ فإن اللجنة الاستطلاعية أنسب، لأنها مرنة وسريعة وتهدف إلى تسليط الضوء على الواقعة ومساءلة السياسة العمومية بدون افتراض وجود تجاوزات.
أما إذا توفرت مؤشرات قوية على فساد وتلاعب في الدعم واحتمال استفادة غير قانونية أو خرق لمبدأ المساواة أو شبهة تبذير المال العام… فَلجنة تقصي الحقائق تكون أجدر وهي من باب أولى، لأن دورها يكمن في التحقيق السياسي في اختلالات محتملة.
لكن، ومن أجل تمحيص فعالية سياسة حكومية مرتبطة بتوفير الدعم للفئات الضعيفة خلال مناسبة عيد الأضحى وبعد مراجعة المعطيات المتوفرة، يتبين وجود مؤشرات قوية على تجاوزات واختلالات محتملة في موضوع دعم الحكومة لأكباش العيد، مما قد يُبرر تشكيل لجنة تقصي الحقائق في البرلمان المغربي.
ومن أبرز المؤشرات الداعية لتشكيل لجنة تقصي الحقائق، هو وجود شبهات استغلال هذا الدعم لأغراض انتخابية؛ حيث تم ضبط نائب عمدة أكادير من قبل السلطات يوليوز 2021 أثناء توزيعه لأكباش العيد تحت غطاء جمعية موالية لحزبه.
كما وردت تقارير عن توزيع أضاحي العيد على بعض الصحفيين ومنتحلي صفة صحفي في مراكش، مما أثار استياء النقابة الوطنية للصحافة ومهن الإعلام، التي اعتبرت ذلك مساسًا بسمعة الصحفي المهني. كما طالب المرصد الوطني لمحاربة الرشوة وحماية المال العام في هذا الصدد بفتح تحقيق في هذه النازلة، مشيرًا إلى أن غياب الشفافية في هذه العملية قد يشكل محاولة لاستمالة الإعلام وتكميم الأفواه.
كما انتقد نواب برلمانيون قرار الحكومة بدعم مستوردي الأكباش بمبلغ 500 درهم لكل رأس، مشيرين إلى أن هذا الدعم لا ينعكس إيجابًا على المواطنين، بل يزيد من أرباح الموردين دون تخفيض فعلي في الأسعار.
وأثيرت مخاوف من قيام بعض المستوردين بتخزين الأكباش المستوردة وعدم عرضها في الأسواق قبل عيد الأضحى، بهدف بيعها لاحقًا بأسعار مرتفعة، مما يضر بالمستهلكين ويقوض أهداف الدعم الحكومي.
تُظهر هذه المؤشرات وجود اختلالات محتملة في عملية دعم وتوزيع أكباش العيد، سواء من حيث استغلال الدعم لأغراض انتخابية أو غياب الشفافية أو عدم استفادة المواطنين بشكل مباشر من الدعم الحكومي. لذلك، فإن لجنة للقيام بمهمة استطلاعية التي طالبت الفرق البرلمانية للأغلبية الحكومية تعينها في البرلمان المغربي لا يرجى منها أية قيمة إضافية ولن تأتي بالإجابات التي ينتظرها الرأي العام المغربي. وفي مقابل ذلك فإن تشكيل لجنة تقصي الحقائق في البرلمان المغربي، والتي سارعت الفرق البرلمانية المعارضة بتقديم طلب إلى رئيس مجلس النواب من أجل إحداثها، قد يكون خطوة ضرورية للتحقيق في هذه التجاوزات وضمان الشفافية والمساءلة في استخدام الأموال العامة وربط المسؤولية بالمحاسبة في هذا السياق، بل وترسيخ لموقع البرلمان في مراقبة العمل الحكومي وتفعيل اختصاصاته.
المصدر: العمق المغربي