أفاد مصدر مطلع أن لجنة تحقيق مختلطة، ستحل يوم غد الخميس، بمنطقة تيدسي دائرة أولاد تايمة إقليم تارودانت، للمرة الثانية تواليا هذا الشهر بعد زياتها الأولى يوم 11 من نونبر الجاري، لمواصلة البحث فيما بات يعرف إعلاميا بملف “سرقة المياه الجوفية” الذي أثار جدلا واسعا بالمنطقة، بعد نقل مياه بئر داخل الواحة المذكورة نحو النفوذ الترابي لجماعة المهادي، و استعمالها في سقي ضيعات فلاحية خاصة، خارج أي إطار قانوني.

وكشف مصدر آخر، أنه رصد تحركات ميدانية “غير معتادة” تشهدها المنطقة خلال الساعات الأخيرة، تقودها جهات تسعى ـ وفق تعبيره ـ إلى خلق انطباع “وهمي” بأن الأزمة قد وجدت طريقها إلى الحل، وذلك عبر ربط بعض الدواوير بالماء بشكل استعجالي لإظهار أن ساكنة دواوير جماعة المهادي استفادت من مياه البئر موضوع الجدل، واعتبر المصدر ذاته أن هذه الخطوات ما هي إلا “محاولة مكشوفة للتغطية على الجريمة البيئية” المرتكبة في حق الفرشة المائية لواحة تيدسي والمنطقة عموما.

وأضاف نفس المصدر أن مسؤولا معروفا بسوس ماسة، قام بتحركات وُصفت بـ“الغريبة”، حيث جمع ثلاثة جمعيات من دواوير مختلفة، إلى جانب صاحب الأرض التي حرفت فيها البئر موضوع الشكاية، بهدف توقيع “اتفاقية” يُحتمل استعمالها خلال زيارة لجنة التحقيق يوم غد الخميس، في محاولة حسب تعبيره لـ“تلميع الصورة” وتقديم معطيات قد تُستخدم لتبرير استغلال مياه البئر خارج غايتها الأصلية.

وكان فاعلون جمعويون قد أكدوا في تصريحات متطابقة لجزيدة ، أن ما يجري فوق الأرض من تحركات “ليس سوى محاولة للتغطية على استغلال غير قانوني للمياه الجوفية استمر لسنوات”.

وأوضح المتحدثون، أن اللجنة التي انتقلت إلى الميدان يوم 11 من نونبر الجاري زارت بئرا ثانوية واردة في إحدى الشكايات، وقامت بمنع مالكها من نقل مياهها نحو ضيعة فلاحية يملكها فلاح نافذ خارج تيدسي، ودعته إلى إعادة الحالة إلى ما كانت عليه، معتبرين أن هذه الخطوة، رغم أهميتها، “لم تمس جوهر الملف”.

وأكد ذات الفاعلون المدنيون، أن لجنة التحقيق، لم تزر البئر الرئيسية التي تُنقل مياهها منذ سنة 2023 إلى ضيعة فلاحية بنفوذ جماعة لمهادي، تعود ملكيتها لفلاح نافذ بجهة سوس ماسة.

وأشاروا إلى أن البئر الأخيرة، انجزت في الأصل وفق “اتفاقية” لتزويد سكان دواوير جماعة لمهادي بالماء الصالح للشرب، غير أنها تحولت عمليا إلى مصدر تزويد ضيعة فلاحية خاصة، بينما ظل السكان يعانون لسنوات من شح مياه الشرب.

وكشف ذات الفاعلون أن هناك تحركات ميدانية متسارعة خلال الأيام الاخيرة تثير الشكوك بوجود محاولات مريبة للتغطية على هذه “الجريمة البيئية”، عبر ربط بعض الدواوير بالماء بشكل استعجالي لخلق انطباع بأن المشكل قد تم حله، في حين أن مصدر الاستنزاف الحقيقي ما يزال قائما ويستفيد منه طرف واحد.

وشدد الفاعلون على ان هذه التحركات الاخيرة تعكس محاولة واضحة لتهدئة الرأي العام دون معالجة جوهر الاختلال القائم، مؤكدين أن نقل المياه من بئر أحدثت لفائدة الساكنة نحو ضيعة فلاحية خاصة، يشكل اعتداء مباشرا على حق السكان في الماء.

وطالبوا بضرورة فتح تحقيق عاجل وشامل في الملف، وإيفاد لجنة لتقصي الحقائق تتوجه مباشرة الى البئر الرئيسية التي تنقل منها المياه منذ 2023، مشددين على أن أي تأخير في التدخل قد يدفع الساكنة إلى الإحتجاج دفاعا عن حقها الطبيعي في الماء، خاصة بعدما أصبحت المعطيات المؤكدة لوجود “سرقة المياه الجوفية” واضحة للرأي العام.

وكانت جمعية تاركة نتيدسي للبيئة والماء والفلاحة قد وجهت تقريرا مفصلا إلى وكالة الحوض المائي سوس ماسة، كشفت فيه ما وصفته بـ“استغلال غير قانوني وخطير للمياه الجوفية بواحة تيدسي”، معتبرة أن هذا المورد الحيوي يشكل أساس الحياة بالمنطقة وركيزة لتوازنها البيئي، وأن أي استنزاف له “يمثل تهديدا مباشرا للأمن المائي للسكان”.

وأوضح التقرير أن الواقعة تعود إلى 1 أكتوبر 2023 حين أقدم المدعو “ب أ” على حفر وربط بئر سطحي داخل الواحة بقنوات مائية بهدف نقل المياه نحو منطقة المهادي. وأكد أن المعني بالأمر ادعى وجود اتفاقية شراكة تجمعه بجماعة المهادي لتزويد السكان بالماء الصالح للشرب، غير أن المعطيات الميدانية بحسب التقرير تثبت أن الهدف الحقيقي هو سقي ضيعاته الفلاحية الخاصة، في خرق صارخ لمقتضيات القانون 36.15 المتعلق بالماء. وزاد التقرير موضحا أن هذه المياه لم تصل قط إلى دواوير جماعة المهادي، بل تُستغل يوميا لفائدة الضيعات الخاصة بالمشتكى به.

وكشف التقرير أن الجمعية باشرت، منذ اكتشاف الخرق، عدة خطوات قانونية وإدارية، من بينها مراسلة مدير وكالة الحوض المائي، وتوجيه نسخ من الشكاية إلى عامل إقليم تارودانت، وقائد قيادة مشرع العين، ورئيس جماعة تيدسي ن تداولت، ومدير المركز الجهوي للاستثمار الفلاحي بأولاد تايمة، إضافة إلى وزارة التجهيز والماء. غير أن الجمعية أكدت أن هذه المراسلات “لم تلق أي تجاوب فعلي”، ولم يتم اتخاذ أي إجراء لوقف الأشغال أو التحقق من الوضعية القانونية.

وأضاف التقرير أن لجنة عاملية انتقلت إلى موقع الشكاية بتاريخ 24 مارس 2024، غير أن مهامها لم تُستكمل بالشكل المطلوب، بعدما قام المشتكى به وفق رواية الجمعية بتوجيه اللجنة نحو منطقة بعيدة عن موقع الخرق، ما حال دون تسجيل الملاحظات التقنية الضرورية. وأوضح التقرير أن الجمعية توصلت لاحقا بمحضر صادر عن وكالة الحوض المائي بتاريخ 19 مارس 2024، يشير إلى اتفاقية شراكة مزعومة بين المشتكى به وجماعة المهادي، غير أن هذه الوثيقة تُستعمل، وفق التقرير، “كغطاء لتبرير نقل المياه”، بينما يتم الاستغلال الفعلي لأغراض فلاحية خاصة.

وسجل التقرير مجموعة من الاختلالات التي وصفها بـ“الخطيرة”، من بينها غياب احترام المساطر القانونية، واستعمال اتفاقية الشراكة بشكل “احتيالي” لتحويل المياه خارج مجالها الطبيعي، وتوقيع الاتفاقية مع شخص ذاتي وليس مع إطار قانوني، ما يجعلها “باطلة قانونيا”. كما أكد التقرير وجود عمليات بيع للمياه الجوفية المستخرجة من أحواض الواحة لفائدة فلاحين بمنطقة المهادي، مقابل مبالغ مالية، في وقت تستمر فيه عملية الاستنزاف إلى اليوم، مع غياب الشفافية في المعاينات الميدانية وعدم التجاوب مع مراسلات الجمعية.

وختمت الجمعية تقريرها بالتشديد على أن الوضع بات خطيرا وينذر بتدهور بيئي غير مسبوق، داعية إلى فتح تحقيق استعجالي، وإيفاد لجنة تقنية مختصة لإجراء معاينة شاملة، وإيقاف الاستغلال غير القانوني إلى حين استكمال التحقيق، والتأكد من قانونية الاتفاقية المزعومة، واتخاذ الإجراءات اللازمة في حق كل المتورطين في تحويل مياه الواحة عن غايتها الأصلية.

ويشار إلى أنه عقب التقرير الذي نشرته تحت عنوان: “العطش يهدد مئات الأسر بنواحي أولاد تايمة وسط اتهامات لفلاحين كبار بـ “سرقة المياه الجوفية”، أصدر رئيس جماعة المهادي بيانا نفى فيه توقيعه على أي اتفاقية مع أي طرف بتيدسي لنقل مياه بئر أنجزت في واحدة تيدسي إلى نفوذ تراب جماعته، غير أن حصلت على وثائق رسمية تناقض هذا النفي، بينها مراسلتان صادرتان عن وكالة الحوض المائي ووزارة التجهيز والماء، تؤكدان وجود اتفاقية مبرمة بين الجماعة وأحد الخواص بتيدسي، وتتعلق بحفر بئر لتزويد الساكنة بالماء الشروب.

وتوضح مراسلة وكالة الحوض المائي المؤرخة بـ7 مارس 2024 أن البئر موضوع الشكاية انجز بناء على ترخيص رسمي رقم (4043/2023) بعمق 200 متر، ومجهزة بمضخة غاطسة وقناة ناقلة تمر عبر طرق تؤدي إلى ضيعات فلاحية خاصة، مؤكدة أن صاحب البئر دخل في اتفاقية مع جماعة المهادي لتزويد الساكنة بالماء.

أما مراسلة وزارة التجهيز والماء بتاريخ 3 فبراير 2024، فقد زكت المعطيات نفسها، مبرزة أن العملية تدخل في إطار تزويد جماعات قروية بالماء الشروب، لكنها شددت على ضرورة التحقق من سلامة المساطر القانونية المرتبطة بالاتفاقية.

 

 

المصدر: العمق المغربي

شاركها.