لا يمكن للمغرب أن يعيش دون قاعات سينمائية حقيقية اليوم 24
وجه المخرج السينمائي عبد السلام الكلاعي، رسالة عبر حسابه الخاص على “فايسبوك” إلى وزير الشباب والثقافة والاتصال، المهدي بنسعيد، بعد قرار تدشين مائة وخمسين قاعة سينمائية في عدد من المدن المغربية، يطرح من خلالها مجموعة من التساؤلات.
وكشف الكلاعي في حوار خص به “اليوم24” عن المشاكل التي قد تبدو واضحة بعد انطلاق فتح القاعات السينمائية الجديدة، مشيرا إلى أنها مجرد مركبات ثقافية مجهزة بآلات العرض البصري، وليست قاعات سينمائية حقيقية.
الرسالة الموجهة من عبد السلام الكلاعي إلى وزير الثقافة بعد قرار تدشين 150 قاعة سينمائية بمختلف المدن المغربية؟
هي أولا رسالة تثمين لمجهود تجهيز المركبات الثقافية بآليات العرض البصري، لأن المفترض في كل مركب ثقافي أن يتوفر على آلة العرض البصري، ولكن هذا لا يمكن أن نعتبره تعويضاً عن الخصاص العظيم الذي يعرفه المغرب في مجال قاعات السينما التي عرفت نزيفاً مؤلماً منذ نهاية الثمانينات، حتى صارت معظم المدن المغربية لا تتوفر على قاعات سينمائية. بنايات القاعات لا تزال موجودة في معظمها وتحتاج فقط لمجهود من طرف الوزارة والجماعات المحلية لترميمها وتجهيزها وإعادة فتحها في وجه الجمهور.
المشاكل المطروحة
المشكل المطروح هو أنه لا يمكن للسينما المغربية أن تعيش دون قاعات سينمائية حقيقية، وليس مركبات ثقافية مجهزة بآلات العرض البصري.
المركبات الثقافية يمكن أن تستضيف التظاهرات السينمائية وأنشطة الأندية السينمائية وبعض العروض الخاصة بالناشئة والشباب التي يمكن أن تنظمها الجمعيات. لكن القاعة السينمائية هي أمر آخر. هي عمل يومي وبرمجة دائمة وعرض مستمر. وهذا يتطلب خبرات وكفاءات لا تتوفر في المركبات الثقافية. القاعة السينمائية إلى جانب أنها بناية بمواصفات خاصة وبتجهيزات خاصة، هي أيضاً موارد بشرية بتكوين خاص قادر على البرمجة والإجابة عن حاجيات الجمهور من أفلام تجارية وترفيهية ولكن أيضاً أفلام ثقافية وجادة وسينما المؤلف. وحدها القاعات السينمائية الحقيقية قادرة على القيام بهذا الدور. والحلول موجودة وفي يد الوزارة المعنية، والتي يرأسها قيادي في حزب يقود العديد من الجماعات المحلية والإقليمية والجهوية أو يشارك في الأغلبية التي تقودها. جل القاعات السينمائية في المدن الصغيرة والأحياء البعيدة في المدن الكبرى في أوربا هي في ملكية الجماعات المحلية التي اقتنتها للحفاظ عليها وضمان استمرارها وتدعمها وزارات الثقافة وكذا الجماعات المحلية التي تمتلكها بمنح تسمح لها بالبقاء والاستمرار. الجماعات المحلية مالكة هذه القاعات تنشئ شركات لتسييرها بشراكة مع ذوي الخبرات أو تفوتها لجمعية أو مؤسسة لتسيرها. هذا النموذج يمكن أن يكون هو الحل الأنجح لإعادة الحياة لقاعاتنا السينمائية. طبعا هذا إلى جانب ضرورة تجهيز كل المراكز الثقافية ودور الشباب ودور الثقافة بآليات العرض البصري، لأنها من التجهيزات الأساسية التي يجب أن تتوفر عليها هذه المؤسسات.
ما هي متطلباتكم وتطلعاتكم بعد انطلاق هذه الرحلة السياسية الثقافية؟
أن يتم طرح مشروع وطني لإنقاذ ما تبقى من قاعات سينمائية في المدن الصغرى وأحياء المدن الكبيرة. لا يعقل أن نكون اليوم في بلد لا توجد فيه قاعات سينمائية إلا في خمس مدن مغربية ومرتفعة التكلفة. هذا المشروع الوطني لترميم وتجهيز وإعادة فتح القاعات السينمائية المتبقية هو الوحيد الكفيل بإعادة ضخ الحياة في الفيلم المغربي. الآن نحن ننتج بين عشرين وخمسة وعشرين فيلما في السنة، وبالنظر للعدد القليل المتوفر من قاعات سينمائية في بلادنا لن يستمر الفيلم المغربي في القاعات إلا أسبوعاً أو أسبوعين على أكثر تقدير، ليفسح المجال لفيلم مغربي آخر للنزول للقاعات. إنها مجزرة اقتصادية للسينما المغربية ستجعل الفيلم المغربي مدين في بقائه واستمراره فقط لدعم الدولة بدل أن يكون قادراً على استرجاع ولو جزء بسيط من ميزانيته من مداخيل القاعات. لقد حققنا في العقدين الأخيرين طفرة نوعية على مستوى الإنتاج، الآن حان الوقت لنطلق برنامجاً وطنياً لاسترجاع قاعاتنا السينمائية.
في نظركم… كيف سيجد الجيل الجديد أو الأجيال الآتية دور السينما؟ وهل سيُحرمون منها في السنوات المقبلة؟
أحيانا أشاهد فيلماً في مهرجان ما أو تظاهرة سينمائية ويكون هناك يافعون أو شباب في القاعة، فألاحظ أنهم فقدوا تماماً آداب المشاهدة الجماعية داخل قاعة سينمائية. ربما هذا الجيل من الشباب يستهلكون الصور أكثر من جيلنا، ولكن عن طريق الهواتف الذكية والتلفزيونات وفي عزلة تامة. بينما دور القاعات السينمائية يتجاوز عرض الأفلام، إنها كما قلت في رسالتي صروح للمدنية والمواطنة، إذ فيها تتعلم الناشئة الوجود وسط الآخرين واقتسام نفس المشاعر والأحاسيس والاحترام المتبادل لتوفير جو فرجوي راق يتمتع به الجميع، وهذه هي أساسيات حياة التحضر والمدنية. كيف ستكون حياة شاب يعيش في مدينة في القرن الواحد والعشرين وهي لا تتوفر على مسرح ولا سينما ولا قاعة عروض فنية ولا موسيقية. ستكون حتماً حياةَ بئيسة جداً.
ما هي المخاطر التي تهدد قطاع السينما؟
غياب قاعات سينمائية حقيقية في كل المدن المغربية. الآن وصلنا إلى وضع أن الأفلام المغربية تتناوب على القاعات القليلة المتبقية في المدن الكبرى الخمس ولا يستطيع الاستمرار فيها إلا الفيلم الكوميدي الترفيهي الصرف، بينما الأفلام العشرون الأخرى تستهلك بسرعة فائقة من طرف أصحاب هذه القاعات القليلة وتغير لتعطي المجال لأفلام أخرى. لا يمكن لهذا الوضع أن يستمر. مما سيجعل السينما المغربية سينما غير مربحة تماماً ومهددة بالانقراض إذا ما تم إيقاف دعم الدولة للإنتاج أو تقليصه.
وأنت بصفتك مخرجا سينمائيا هل ترى أن الأفلام السينمائية تأخذ حقها الكافي؟
إلى جانب البرنامج الوطني لترميم وتجهيز وإعادة فتح القاعات السينمائية المغربية الذي أدعو له، هناك أيضاً ضرورة دعم الجهات للإنتاج السينمائي كما في فرنسا وإسبانيا والعديد من الدول الأوربية. فكيف يعقل أن أبذل مجهوداً كبيراً كمنتج للفيلم بأن أستقدم تصويره لجهة، بما في ذلك من مردود مادي ودعائي وترويجي لهذه الجهة دون أن أتلقى أي دعم مادي أو مساعدة لوجيستيكية. إذا أردنا أن نخطو خطوة أخرى في تدعيم صناعتنا السينمائية اليوم علينا التركيز على تحقيق هذين المكسبين: إعادة فتح القاعات السينمائية الحقيقية وترسيم الدعم الجهوي للإنتاج السينمائي.
المصدر: اليوم 24