في الوقت الذي تروّج فيه الدولة لبرامج الدعم الاجتماعي المباشر والتغطية الصحية باعتبارها آليات للعدالة الاجتماعية، يعيش عدد كبير من المغاربة واقعًا مختلفًا، مليئًا بالتناقضات والإقصاء غير المبرّر.

فوفق التصور الرسمي، الدعم الاجتماعي المباشر موجه للأسر الهشة، خصوصًا التي لديها أطفال في سن التمدرس، والتي لا تستفيد من تعويضات عائلية. الدعم الشهري لا يقل عن 500 درهم، ويُفترض أن يُحدث فرقًا في القدرة الشرائية. لكن على أرض الواقع، اصطدمت هذه السياسة بشروط استحقاق لا تعكس الهشاشة الحقيقية، بل تعيد إنتاج الإقصاء، وإن بمظهر أكثر “حداثة”.

أعرف وعشت قصص لا تعد ولا تحصى لأشخاص حُرموا من الدعم والتغطية الصحية فقط لأن بياناتهم الإدارية لا “تُناسب” خوارزميات السجل الاجتماعي الموحد. أرملة تعيش وحدها لا تُعتبر مستحقة، أم عازبة تُقصى لأنها غير متزوجة، شاب عاطل ورب أسرة يُرفض ملفه لأنه مسجّل في غرفة التجارة وبالسجل الوطني للمقاول الذاتي دون علمه، وشيخ فقير يُحرم من التغطية لأنه استفاد قبل 20 سنة من دعم “الرويزا”.

في شهادة مؤلمة، يقول السيد “ع.ص”: “أنا لست فلاحًا وأسكن في المدينة منذ أكثر من 50 سنة، ومع ذلك وجدت نفسي مسجّلاً في السجل الوطني للفلاحين، ومدينًا للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. حاولت التشطيب، لكن القائد رفض. فأُقصيت من التغطية الصحية. أنا لا أريد دعماً مالياً، أريد فقط العودة إلى الاستفادة من الراميد والاستفادة من الصحة.”

السيدة “خ.ع”، أرملة، كانت تستفيد من راميد، ثم استفادت من الدعم لشهرين، قبل أن يُحرم عنها بسبب “مؤشر” غير واضح، وغير قابل للطعن.

المفارقة الصادمة أن الاستحقاق لا يُقاس بالوضعية الاجتماعية الحقيقية، بل بمؤشرات تقنية جافة: هل لديك بيت؟ سيارة؟ إنترنت؟ سجل ضريبي قديم؟ إذًا أنت “غني” ولا تحتاج شيئًا.

معايير تعجيزية تجعل الفقر شيئًا يجب أن “تُثبتَهُ إداريًا”، لا أن تعيشه. منطق يجعل من المطلوب أن تتجرد من كل ممتلكاتك، بل وحتى من كرامتك، لكي يُعترف بك كمحتاج!

نحن لا نطلب المستحيل. نحن لا نريد فقط الدعم المالي، بل نريد قبل ذلك الحق في الصحة، الحق في الكرامة، والحق في أن تكون معايير الدعم قائمة على الواقع، لا على خوارزميات باردة.

إذا كانت الدولة تعِد بدعم الفئات الهشة، فعليها أولًا أن تُحدد من هي هذه الفئات بمنطق اجتماعي عادل، لا بمنطق بيروقراطي يُقصي أكثر مما يُنصف.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.