كارثة بيئية تهدد الزراعة بضواحي بني ملال
يواجه مزارعون بجماعة بني ملال الترابية تحديات جسيمة نتيجة التلوث البيئي بسبب المياه العادمة المتسربة إلى الفرشة المائية من مستنقع مخلفات مؤسسات صناعية بالحي الصناعي بالمدينة، ما يؤثر سلبًا على الصحة العامة وجودة الحياة في المنطقة.
وأبرز المتضررون أن “الأمر لم يعد يقتصر على الروائح الكريهة، بل تجاوز ذلك ليؤثر على البيئة، مؤكدين أن الفرشة المائية تضررت بشكل ملحوظ، ما أثر سلباً على القطاع الفلاحي، حيث تعرضت أشجار الزيتون والحوامض للتلف، وزادت حدّة المشاكل البيئية التي لم يكن يتوقعها أحد”.
نجيب منتصر، ناشط مدني من سكان أولاد عياد، طالب بحل هذه الكارثة البيئية في أقرب وقت ممكن، معربا عن استياء السكان وقلقهم العميق من تداعيات هذه الحالة المروعة على الصحة العامة والبيئة، مشددا على أن هذه الكارثة البيئية “تجسد جزءاً من التحديات البيئية التي تواجه السلطات والمجلس الجماعي لبني ملال، وكذا والمؤسسات ذات الصلة، خاصة منها الشرطة البيئية”.
وضمن تصريحه، ناشد منتصر “الجهات المسؤولة” تبني مواقف واضحة لمعالجة مشاكل التلوث والحفاظ على البيئة بشكل عام بهذا الحي الصناعي الذي تأمل الساكنة أن يلعب دورًا مهمًا في تعزيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل في المدينة، وأن يسهم في تطوير البنية التحتية وتعزيز القدرة التنافسية للمنطقة في السوق الوطنية والدولية.
ويعدُّ الحي الصناعي منطقة تجارية وصناعية تهدف إلى توفير بيئة ملائمة لمجموعة من الشركات والمصانع التي تعمل في عدد من القطاعات (الصناعية، الغذائية وغيرها) لتأسيس أعمالها وتوسيع نشاطها في المدينة، كما أنه جزء من جهود التنمية الاقتصادية والصناعية في المنطقة.
ويبتغي المزارعون والسكان على حد سواء من السلطات اتخاذ إجراءات صارمة ضد المصانع التي تسببت في هذا التلوث لمنع تكرار مثل هذا السلوك في المستقبل، مع حثها على المشاركة في جهود الحفاظ على البيئة من خلال دعم الحملات التحسيسية التي تسلط الضوء على أهمية الاستدامة البيئية، وتسهم في تحسين مناخ وبيئة الأعمال في الحي الصناعي ولا تؤثر سلبا على الفرشة المائية بالمنطقة.
وفي حديثه لهسبريس، حكى ربيع العرباوي، وهو فلاح من منطقة أولاد عياد ببني ملال، قصة مأساة أشجار الزيتون التي باتت تتدهور تحت وطأة المياه الملوثة، وحذر من أن مستقبل الزراعة في المنطقة يواجه خطرًا حقيقيًا، قائلا: “نحن بحاجة ماسة إلى تدخل السلطات لإنقاذ مستقبل ضيعاتنا، وإذا لم يتم حل هذه المشكلة، فإن مصدر قوتنا سيكون مهددا”.
وأشار الفلاح ذاته إلى أن “تفريغ مخلفات صناعية ضارة مباشرة في مستنقع محلي، يؤثر على فرشة المياه الجوفية ويجعلها غير صالحة للزراعة ويسهم في تلوث التربة، مما يؤثر على نمو النباتات، بما في ذلك أشجار الزيتون، ويتسبب في تدهور حالتها الصحية وضعف إنتاجيتها”.
كما يؤثر استعمال المياه الملوثة في سقي الزراعات على جودة المنتجات الزراعية، وبالتالي يمسّ بسمعة المنطقة كمصدر للمنتجات الزراعية عالية الجودة، مثل زيت الزيتون والحوامض، وتكون له تأثيرات سلبية على صحة السكان المحليين، ويزيد من مخاطر الأمراض المعدية.
وبلغة ينتابها شعور باليأس والعجز، قال الغرفي محمد بن صالح، شيخ مسنّ يبلغ من العمر 110 أعوام: “في هذا الزمن الموبوء، عجز المزارعون عن حماية مزارعهم من هذا التلوث المدمّر، إلا أنهم يحتفظون بشعلة الأمل في قلوبهم، مؤمنين بأن زراعة الزيتون ستزهر مجددًا بفضل العناية الإلهية وتدخل السلطات المحلية”.
وعلى بعد حوالي كيلومترين ونصف كيلومتر من مستنقع المياه العادمة للحي الصناعي، عاينت هسبريس أوراق أشجار الزيتون اليابسة تتهاوى ببطء أمام أعين هذا الشيخ الذي عبر عن أمله أن يجد “صوت حقّ” قد يعيد الأمل إلى قلبه المكلوم، ويوقف نزيف التلوث الذي بات يجري في شرايين ضيعته كمرض لعين.
وأشار الشيخ ذاته إلى أنه دأب على ري ضيعته بمياه ثقب مائي، ومع ذلك سجل تدهور صحة ونمو أشجار الزيتون، مرجحا ذلك إلى فرضية تلوّث الماء الذي يتم استخدامه في الري بالمواد الضارة أو السامة التي تكون في المخلفات الصناعية أو المستنقعات الملوثة وتتسرب إلى التربة، مما يؤثر على نوعيتها ومكوناتها.
وقال مزارعون من المنطقة، في تصريحات متطابقة لهسبريس، إن مهندسين زراعيّين عاينوا ضيعات محلية وأكدوا أن الحفاظ على صحة أشجار الزيتون ونموها يتطلب التحقّق من جودة المياه المستخدمة في الري ومدى خُلوّها من أي ملوثات ضارة.
وعلى ضوء هذه المطالب، كشف مصدر مسؤول لهسبريس أن “الجهات المعنية لا تتواني في اتخاذ إجراءات فورية لمواجهة هذه المشاكل لحماية البيئة والسكان وتجنب المزيد من التلوث وضمان استدامة الزراعة والحفاظ على النباتات والأشجار المثمرة”، مشددا على أهمية التنسيق والتعاون المشترك بين كافة المتدخلين، بمن فيهم الفاعل المدني، لإيجاد الحلول المناسبة.
وأشار إلى أن المصالح المختصة “ما فتئت تؤكد على تعزيز جهود الرقابة على المصانع والمنشآت الصناعية لضمان تطبيق معايير السلامة والصحة العامة والحد من التلوث، وكذا على أهمية تطبيق القوانين البيئية والتشريعات ذات الصلة، بما في ذلك فرض عقوبات على المخالفين والمسؤولين عن التلوث البيئي”.
وأوضح المسؤول نفسه أن المؤسسات المنوط بها تدبير الصرف الصحي والمصالح الرقابية على البيئة “تعمل على اتخاذ إجراءات ملموسة، من ضمنها التنزيل السليم لدفتر التحملات، وتبني تقنيات جديدة وصديقة للبيئة للحد من التلوث وتحسين الأداء البيئي، على اعتبار أن الجهود المشتركة في هذا الإطار تعكس التزام الجميع بحماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة”.
وتبعا للمصدر عينه، فإن “الشركات والمصانع بالحي الصناعي بالمدينة تتعهد قبل تنزيل استثماراتها بتبني ممارسات صديقة للبيئة والالتزام بتطبيق معايير السلامة والصحة العامة لضمان استمرارية الأعمال والمساهمة في الاستدامة البيئية”، لافتا إلى أن “المشكل المطروح يتعلق بوحدتين صناعيتين تواجههما صعوبات في التخلص من النفايات بطريقة آمنة إلى حد الساعة، ويستلزم منهما ذلك إحداث محطات قبلية للمعالجة للتخفيف من حدة المواد الملوثة، تنفيذا لبنود دفتر التحملات ومن أجل السماح لهما بضخ مياههما العادمة في شبكة الصرف الصحي المنوط تدبيرها بالوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بتادلة”.
تجدر الإشارة أن إلى السلطات تبذل جهودًا كبيرة لدعم المستثمرين في الحي الصناعي ببني ملال، الذي بات يشهد نموًا اقتصاديًا ملحوظًا وزيادة في عدد المصانع والشركات العاملة فيه، وذلك من خلال مجموعة من المبادرات والتحفيزات التي تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي وتوفير بيئة ملائمة للاستثمار، وتعكس الالتزام بتعزيز التنمية المستدامة وتوفير فرص العمل وتحسين جودة الحياة للمواطنين.
ومن ضمن هذه المبادرات، تسهيلات في الحصول على التراخيص والموافقات اللازمة لبدء الأعمال، وتوفير مساحات صناعية مجهزة بالبنية التحتية اللازمة، وتقديم التحفيزات المالية والضريبية للمستثمرين، مثل الإعفاءات الضريبية لفترات محددة أو تخفيض الرسوم والضرائب ودعم الترويج والتسويق للمنتجات المصنعة لزيادة فرص التصدير والوصول إلى أسواق جديدة.
المصدر: هسبريس