توقفت دراسة أكاديمية منشورة في آخر عدد من “المجلة الإلكترونية للدراسات القانونية والتنمية” بالتحليل عند الوضعية التي تعيش على وقعها عملية تقديم العرائض على المستوى الترابي بالمغرب.
وخلصت الدراسة إلى أن الإطار القانوني المنظم لهذه العملية، الذي جاء محدود السقف ومثقلا بشروط من شأنها الحد من ممارسة آليات الديمقراطية التشاركية، كان له وقع على ممارسة الحق في تقديم العرائض ترابيا، مبرزة أنه رغم كثافة التدابير إلا أن الواقع يكشف محدودية هذه الممارسة بعد عقد من الزمن.
وبعد تحليله مجموعة من الأرقام المتاحة خلال السنوات الأخيرة، توصل العمل الأكاديمي ذاته إلى أن النسبة الكبرى من عدد العرائض المتقدم بها تخص الجماعات المحلية، مقارنة بالنسبة التي تخص كلا من مجالس العمالات والأقاليم والجهات باعتبارها تمثل مستويات عليا من الجماعات الترابية.
واستنتج المصدر نفسه أن توقيع المغاربة على العرائض يكون مرتفعا نسبيا كلما كان المستوى أو المجال الترابي أقرب للمواطنات والمواطنين والجمعيات، مشيرا كذلك إلى أن الأمر على العموم يستدعي بحث مداخل ملائمة لتجاوز مختلف التحديات والإكراهات المرصودة.
وبيّن معدّ الدراسة، الأستاذ الجامعي سمير الشحواطي، أن جملة التحديات والإكراهات المتوصل إليها تتراوح أساسا ما بين ما هو قانوني من جهة، وما هو متصل بمحدودية الوعي وثقافة الفعل والمشاركة مجتمعيا عموما.
ولذلك، فإنه يرى “ضرورة تجويد آلية العرائض على المستوى الترابي، على اعتبار أنها ستساعد في انتقال الأفراد من مجرد ‘رعايا’ إلى مواطنين واعين بحقوق وواجبات المواطنة، بتوسيع مداركهم فهما لواقعهم والتحديات المطروحة أمام مجتمعهم، بما يكفل الانخراط والتعاطي مع تلك التحديات بعقلانية وفاعلية، سواء كأفراد، أو كجماعات عبر مجتمع مدني فاعل، ترجمة للطموحات التشاركية”.
وبمناسبة مرور عقد على صدور القوانين التنظيمية لعمل الجماعات الترابية، حلّلت الدراسة ذاتها ما جاء ضمن هذه القوانين، وخلصت إلى وجود ما هو أشبه بتعقيدات مسطرية تتيح سلطة تقديرية واسعة للمجالس لقبول التوقيعات على العرائض من عدمه.
ومما أثير في هذا الصدد أن أقصى ما يمكن للعريضة بلوغه، بعد استيفاء كل الشروط وقبولها، هو التسجيل في جدول أعمال المجلس المعني للتداول في موضوعها، من دون أن يعني ذلك بالضرورة الاستجابة لهذا الموضوع، من ودون التنصيص على مقتضيات يمكن اللجوء إليها في حالة عدم الاستجابة لما جاء فيها.
في سياق ذي صلة، نبّهت الدراسة ذاتها، المعنونة بـ””الديمقراطية التشاركية ترابيا بين الإكراهات ومداخل التجويد: آلية العرائض نموذجا”، إلى أن هذا الواقع يجعل آلية العرائض جد محدودة في خلق مساحات أو هوامش جديدة للمشاركة في تدبير الشأن العام الترابي، بشكل يكرس واقع الاستنكاف عن المشاركة بدل العمل على التقليص منه، ومما يفرغ المشاركة المواطنة كأحد أهم الثوابت الدستورية من مضمونها ويكبح تحقيق غاياتها، وهو الأمر الذي سينعكس لا محالة على واقع ممارسة هذا الحق واقعيا”.
ومن بين مداخل الإصلاح المقترحة، وفق المصدر ذاته، “إعادة النظر في القوانين المؤطرة للتقدم بالعرائض على المستوى الترابي، في أفق التخفيف من القيود والشروط المطلوبة لممارسة حق المواطنات والمواطنين والجمعيات في تقديمها، بما يسمح بإحراز التقدم المنشود على صعيد ورش الديمقراطية التشاركية”.
وذكّر معدّ الدراسة بأن “المقاربة المعيارية تبقى غير ذات جدوى إذا لم تقرن بمقاربات أخرى (سوسيولوجية، ثقافية، اقتصادية …) تساهم في خلق بيئة مشاركاتية، وتستهدف تأهيل المواطنين والنسيج الجمعوي، تمكينا لهم من قدرات تعزز أدوارهم وثقتهم في المشاركة تنمية لمجالهم بشكل خاص، ولوطنهم بشكل عام”.
المصدر: هسبريس