في زقاق ضيّق منسيّ، كانت البيوت تلتصق كالأجساد الهزيلة في ليالي البرد. الحيّ لم يعرف يوماً دفئاً غير ما يتركه قنديل وحيد يترنح في الريح.

في إحدى الليالي، اجتمع الجيران حول رجل بسيط، رجل كان يوزّع الخبز على مائدة متواضعة، ثم يضحك بخفّة كأنّ الضحك طعام آخر.

لما الطعام لأهله تبسّم، شعّ حوله نور خفيف، كأنّ العتمة نفسها تذوب.

لكن الفرح لم يطل. إذ أتى الفرقشي من تحت الأرض، يهزّ البيوت كما لو كانت صناديق كرتون، وتهدّم ما تهدّم. ارتجفت الجدران، وانكسرت الأبواب، وارتفع الغبار حتى خنق الكلام.

وقف الرجل، يلهث بين الركام، ثم صاح كمن يستدعي معنى أكبر من الخراب:

“فلحمني يرحمك الله، وشحم نفسك، وعظّم القوم الظالمين.”

ضحك الأطفال رغم الخوف، كأنّ الجملة تعويذة تُبعد الرعب. العجائز رفعن أيديهن، والحيّ كله أدرك أنّ الكلمة ـ حين تصدر من قلب صادق ـ أقوى من جرافات الظلام.

ومنذ تلك الليلة، صار الجيران يقولون:

“كلما تبسّم أحد وسط طعامه، تذكّرنا أنّ الفرقشي قد يجيء، لكن القنديل لا ينطفئ أبداً.”

المصدر: العمق المغربي

شاركها.