قطاع السياحة يرفع الدينامية الاقتصادية في المملكة ويخفف من قسوة البطالة
عكس التراجع الذي يطال القطاعات التقليدية في الاقتصاد المغربي، متأثرة بالتضخم وتداعيات الجفاف، كالفلاحة، يواصل قطاع السياحة تقديم أوراق اعتماده كخيار يمكن الرهان عليه في تحقيق الانتعاش والتخفيف من حدة البطالة، بعدما حقق زيادة بلغت نسبتها 15 بالمائة خلال الأشهر الخمسة الأولى من سنة 2024.
ووفق الأرقام التي أعلنتها الوزارة، بحر الأسبوع الماضي، فإن قطاع السياحة يستمر في التقدم بالمغرب، حيث سجل شهر ماي توافد أكثر من 1.3 ملايين سائح، وذلك بنسبة نمو بلغت 18 بالمائة مقارنة بشهر ماي 2023.
واستقبل المغرب في الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري أكثر من 5.9 ملايين سائح، أي زائد 772 ألف سائح مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2023، ما يعكس نموًا ملحوظًا وصفته الوزيرة فاطمة الزهراء عمور بـ”الاستثنائي”.
وحسب المعطيات ذاتها فإن السياح الأجانب كان لهم دور أساسي في الزيادة المسجلة، إذ عرف توافدهم ارتفاعًا بنسبة 17 بالمائة خلال هذه الفترة، ليمثلوا 56% من إجمالي الوافدين، فيما ساهم المغاربة المقيمون في الخارج في هذا التقدم بزيادة قدرها 13 بالمائة.
وفي تعليقه على الأرقام المعلنة قال مصطفى أماليك، الكاتب العام للمجلس الجهوي للسياحة بمراكش، إن “الأرقام أنصفت القطاع، لأنه دائما كان يلعب دورا مهما في المجال الاقتصادي، وجلب العملة الصعبة الذي يحقق أرقاما مهمة”، مؤكدا أن “المغرب يمكن أن يعتمد على السياحة في أي لحظة”.
وأضاف أماليك أن “الأهم بالنسبة للقطاع هو خلق مناصب الشغل، وعندما ترتفع نسبة السياح بشكل مباشر ترتفع أرقام ومعدلات التشغيل”، لافتا إلى أن “الحديث الجاري بشأن 500 ألف منصب شغل قار و2,5 مليون منصب شغل مباشر وغير مباشر لا يعكس حقيقة التطور الذي يعرفه القطاع”، وزاد موضحا: “أعتقد أن هذه الأرقام تحتاج إلى تحيين، لأن 500 ألف منصب قار يجري التحدث عنها منذ 10 سنوات”، مشددا على أن الانتعاشة المسجلة تترجم بشكل مباشر إلى مناصب شغل جديدة.
وأفاد الفاعل في القطاع بأنه “عند الحديث عن نسبة ملء بـ 50 بالمائة نغطي المصاريف، وعندما نصل إلى نسبة ملء تفوق 60 بالمائة أول خطوة نقوم بها هي توظيف أشخاص جدد، وهذه المعادلة جد مهمة ينبغي الانتباه إليها”.
وأكد المتحدث ذاته أنه “انطلاقا من الأرقام المشجعة التي يسجلها القطاع سنتخطى الأرقام المعلنة في خارطة الطريق في حدود سنة 2026″، وتابع: “أظن أننا سنتجاوز 17,5 ملايين سائح بكل سهولة. القطاع حقق العام الفائت 14.5 ملايين سائح، وهذا العام يجري الحديث عن 15 مليونا. وأعتقد أننا بكل سهولة يمكن أن نصل إلى 16 مليونا حسب المؤشرات الموجودة”.
واعتبر أماليك أن “القطاع سيستفيد من الخطوط المباشرة الجديدة التي ستربط مطارات مهمة بالمملكة بوجهات عالمية مثل الصين والولايات المتحدة وكندا لأول مرة”، لافتا إلى أهمية التركيز عليها، مع الإبقاء على الأسواق التقليدية وتطويرها، كالسوق الفرنسية والإسبانية.
كما سجل المتحدث ذاته أن “التأثير المحتمل لاحتضان المغرب نهائيات كأس إفريقيا 2026 وكأس العالم 2030 يتوقع أن يبدأ من الآن”، وأردف: “لاحظنا أن قطر بدأت تشهد ارتفاعا في عدد السياح قبل 10 سنوات من تنظيم التظاهرة”.
من جهته قال محمد باعيو، الخبير في القطاع السياسي وعضو الكونفدرالية الوطنية للسياحة، إن “القطاع كان دائما حيويا ومهما بالنسبة للدولة على مستويين، الأول أنه مورد كبير للعملة الصعبة، والثاني أنه القطاع الوحيد الذي يستطيع امتصاص البطالة بشكل سهل”.
وأوضح باعيو: “بالنسبة للفنادق ارتفاع معدلات الملء يتطلب توظيفات جديدة، ولديها طاقة كبيرة على امتصاص البطالة”، معتبرا أن القطاع هو الوحيد الذي يتوفر على هذه الميزة.
وسجل المتحدث ذاته أن “القطاع السياحي من الصعب حصر أرقام التشغيل فيه، نظرا لتشعبه”، لافتا إلى أنه “في فترة كوفيد وغياب السياحة الكل تضرر، من الجزارين إلى المخابز و’الطاكسيات’…فهو مجال حيوي وشامل”، وزاد: “بالنسبة للمناطق السياحية كمراكش الكل يعيش تقريبا من السياحة، أي 90 بالمائة من ساكنة المدينة”.
وأشار الخبير ذاته إلى أن “الأرقام المسجلة لم نرها منذ سنوات، والعائق الوحيد الذي يجب أن يفهم هو أن دخول العملات لا يسير بالوتيرة نفسها، لأنه يدخل 1000 سائح لكن 500 هو العدد الذي يذهب للفنادق أو الرياضات المصنفة، والباقي يذهب إلى أماكن ووجهات لا نعرفها، ولا تسجل ضرائبها، وليس لديها موظفون مصرح بهم”.
واستدرك المتحدث ذاته: “نعم هناك عائد لا يمكن إحصاؤه يذهب إلى القطاع غير المهيكل ومؤسسات غير مصرح بها كالشقق”، مسجلا باستغراب أن “الأرقام تبين أن عدد الوافدين ارتفع بنسبة 20 بالمائة، لكن ليالي المبيت ارتفعت فقط بـ10 بالمائة، وهذا هو الإشكال الوحيد الذي يعاني منه القطاع”، وفق تعبيره.
المصدر: هسبريس