اخبار المغرب

قرن من الكرة (8).. اليازغي: الحسن الثاني حسم ميلاد الجيش الملكي وأنقذه من شبح الهبوط

“قرن من الكرة”.. برنامج يستعرض أكثر من مئة عام من تاريخ كرة القدم المغربية، منذ بداياتها الأولى حتى تحقيق الإنجازات التي رفعت الراية الوطنية عاليًا، رفقة الدكتور الباحث في السياسات الرياضية منصف اليازغي، حيث يسترجع البرنامج حقبة مهمة من التاريخ ويحتفي بروح الإنجاز والإلهام التي رافقت مسيرة كرة القدم المغربية على مدار أكثر من قرن من الزمن.

يأخذكم البرنامج في رحلة عبر الزمن، لاستكشاف كيف شقت كرة القدم طريقها في المغرب، متأثرة بالظروف الاجتماعية والسياسية التي شكلت ملامحها الأولى خلال فترة الاستعمار، ويتوقف البرنامج عند أبرز المحطات التاريخية، بدءًا من تأسيس الأندية الوطنية وانطلاق المشاركات المغربية في المحافل الدولية، وصولًا إلى اللحظات التي توجت فيها الكرة المغربية مجدها على الصعيدين القاري والعالمي والتطور الكبير الذي شهدته الكرة الوطنية في الألفية الحديثة.

تأسيس الجيش الملكي

انطلقت فكرة تأسيس نادي الجيش الملكي سنة 1958، حيث يعتبر الدكتور الباحث في السياسات الرياضية، منصف اليازغي، أن شخصية الملك الراحل الحسن الثاني لعبت دورا حاسما في قبول الشارع المغربي والفاعلين الرياضيين لإحداث ناد عسكري يلعب في بطولة مدنية ويستفيد من ميزانية الدولة المخصصة لإدارة الدفاع الوطني.

ويروي اليازغي أن شخصية الملك الراحل الحسن الثاني كانت شخصية فريدة من نوعها ولن تتكرر، حيث كان يمتلك خبرة واسعة في مجالات السياسة والقانون والدبلوماسية والفنون، وفق شهادات الأشخاص الذين عاشوا معه وحضروا مجالسه، إضافة إلى ذلك، كان يتمتع بدراية كبيرة في المجال الرياضي، وخاصة كرة القدم، حيث كانت معرفته بهذا المجال مثيرة للإعجاب، على حد قوله، كما كان الحسن الثاني شغوفًا بكرة القدم وممارسًا لها فقد كان يتدخل في بعض الأحيان لإعطاء توجيهات للاعبين بشأن الخطط التكتيكية التي كان يعتمدها المنتخب المغربي، وقد وصفه العديد ممن عايشوه، بما في ذلك تقنيون محترمون، بأنه “موسوعة كروية”.

في عام 1958، جاءت فكرة تأسيس فريق الجيش الملكي، وهو مشروع أثار بعض الجدل في ذلك الوقت، إذ تساءل البعض عن كيفية إنشاء فريق عسكري في تلك الفترة، وفي هذا الصدد ذكر محمد مجيد، الرئيس السابق للجامعة الملكية المغربية للتنس وعضو المجلس الأعلى للرياضة آنذاك، أن المشروع عُرض عليهم وتمت الموافقة عليه بعد أن اقتنعوا بجدواه، حيث يحكي أنه رافق الحسن الثاني في سيارته وناقشوا المشروع وتم الاقتناع بفكرة أن هذا الفريق سيكون قاطرة لباقي الأندية المغربية، نظرًا للإمكانات التي ستوضع تحت تصرفه.

وفي وقت لاحق، ظهرت مذكرات لأحد العسكريين المغاربة في تلك الفترة، حيث أشار إلى أنه هو صاحب فكرة تأسيس الفريق، وأنه قدمها أولاً للحكومة قبل أن تُعرض على الحسن الثاني، الذي تبنى الفكرة وقام بتنفيذها، وتم إحداث الفريق بالاعتماد على تجميع اللاعبين المتواجدين في الثكنات العسكرية من بينهم الجنرال دوكور دارمي والقائد السابق للدرك الملكي، حسني بنسليمان الذي لعب في صفوف الفريق العسكري وشارك في المباريات الأولى للفريق.

الصعود للقسم الثاني مباشرة

الإشكال الذي أثار الجدل في الشارع الرياضي المغربي آنذاك، حسب اليازغي، كان إدراج فريق الجيش الملكي مباشرة في القسم الثاني بدلاً من انطلاقه من الأقسام السفلى كما جرت العادة، وقد اعتبر البعض أن هذا الإجراء تجاوز القوانين والأعراف الرياضية، ومع ذلك، تشير الروايات إلى أن الفريق لعب مباراة فاصلة مع فريق جمعية سلا، وتمكن من الفوز بحضور الحسن الثاني، الذي كان يشاهد المباراة من أرضية الملعب.

لعب فريق الجيش الملكي أول مباراة له مع فريق اتحاد آسفي، وكان المدافع عزوز بن فايدة هو أول من سجل هدفاً لفريق الجيش الملكي في القسم الثاني خلال أول مباراة رسمية ضمن البطولة وانتهت المباراة بفوز الفريق برباعية نظيفة، وكانت انطلاقة الفريق قوية في تلك السنة، حيث حقق انتصارات كبيرة وبحصص عريضة، بفضل المجموعة المتميزة من اللاعبين التي كان يمتلكها.

في البداية، استعان الفريق باللاعب السابق لنادي الوداد، الشتوكي، لكنه لم يستمر معهم طويلاً، حيث تم استقدام المدرب الفرنسي كليزو، الذي كان أحد الفرنسيين المقيمين في المغرب، ولعب لفريق الجمعية الرياضية الرباطية وكذلك فريق الفتح الرباطي قبل أن يتم إدراجه ضمن فريق الجيش الملكي، وفي تلك الفترة، بدأ الفريق باستقطاب لاعبين كبار مثل العماري، مختطيف، وزناية، والعديد من اللاعبين الذين قدموا مسيرة قوية للفريق.

جدل التتويج بكأس العرش والامتيازات المالية

تمكن فريق الجيش الملكي من الفوز بكأس العرش أمام فريق مولودية وجدة، الذي كان يمتلك لقبين سابقين لكأس العرش، ويحكي اليازغي أن هناك بعض الروايات الموثوقة التي تقول إنه كان هناك تدخل لجعل فريق مولودية وجدة يخسر المباراة أمام الجيش الملكي، خاصة وأن المباراة حضرها الراحل الحسن الثاني.

في تلك الفترة، اعتبرت بعض الأندية أن فريق الجيش الملكي حصل على امتيازات كبيرة، نظرًا للإمكانيات المالية الهائلة التي كان يتمتع بها بدعم من ميزانية الدولة، حيث كانت المؤسسة تحت إشراف ولي العهد آنذاك، وكان الفريق يعرف بفريق “ولي العهد” أو فريق “مولاي الحسن”، مما جعل له جمهوراً كبيراً يمتد عبر مختلف أنحاء المغرب، وخاصة في جهة الرباط، حيث كان مدعوماً من إدارة الدفاع الوطني، وكانت ميزانيته تأتي من جمعية الأعمال الاجتماعية التابعة للجيش الملكي.

قصص مثيرة وأحداث تاريخية

من بين الأحداث المثيرة في تاريخ الفريق كان موسم 1960، الذي انتهى بتساوي ثلاث فرق في الصدارة بنفس الرصيد من النقاط وهي الرجاء والنادي القنيطري، والجيش الملكي، غير أنه عوض الاحتكام للنسبة العامة، التي كانت لصالح الرجاء الرياضي، تم اتخاذ قرار غير مألوف بإجراء دوري ثلاثي بين الفرق الثلاثة، الأمر الذي رفضه الرجاء واعتبر ذلك مسألة كرامة ومبدأ وانسحب من البطولة.

وفي النهاية، أقيمت المباراة بين النادي القنيطري والجيش الملكي، وفاز النادي القنيطري بالبطولة، حيث أُقيمت المباراة في ملعب فيليب، وكان النادي القنيطري وقتها تحت إشراف المدرب الخميري، إذ تعتبر هذه الواقعة من الأحداث المثيرة التي سجلها التاريخ.

إلى جانب ذلك، وقعت أحداث أخرى في مواسم لاحقة مثل موسم 19641965 حيث تعرض فريق الجيش الملكي للخسارة في إحدى المباريات أمام فريق المغرب الفاسي عن طريق اللاعب جنان، وحصل اعتداء على اللاعبين والحكم، ففي تلك المباراة، تعرض الحكم البوكيلي للاعتداء، وخرج قرار من إدارة فريق الجيش الملكي في صباح اليوم التالي يفيد بأن الفريق لن يكمل البطولة، وكانت هذه الأخيرة في مراحلها الأخيرة، حيث تبقت جولتان أو ثلاث فقط.

هذا القرار أثار ذعراً كبيراً، لأنه إذا انسحب الفريق، ستُسحب نقاطه من رصيد الفرق الأخرى التي لعب ضدها وهذا السيناريو كان يعني أن فريق الرجاء الرياضي سيهبط إلى القسم الثاني، مما سيخلق ارتباكاً كبيراً في الترتيب، لكن بعد تدخلات وتوافقات، عاد فريق الجيش الملكي وأكمل البطولة، غير أنه قرر في الموسم الموالي ألا يلعب معلناً سنة بيضاء احتجاجاً على ما حدث.

ورغم السنة البيضاء، قام الفريق بجولة في أوروبا، شملت دولاً مثل النرويج وروسيا، ولعب مباريات كبيرة مع أندية عالمية، وفي تلك الفترة، كان من المفترض أن يؤدي الانسحاب إلى نزول الفريق إلى الأقسام السفلى، لكن تم الاتفاق على أن يعود في الموسم الموالي إلى القسم الأول، وهذه الواقعة مسجلة في تاريخ فريق الجيش الملكي كأحد أغرب الوقائع في تاريخ الكرة المغربية.

وعانى الجيش الملكي، في السبعينيات من تراجع كبير كاد أن يؤدي إلى هبوطه إلى القسم الثاني في نهاية العقد، ولكن تم إيجاد مخرج لمنع هذا الهبوط، وهو ما يُعتبر من الأحداث المسجلة في تاريخ الفريق.

الجيش الملكي يدخل التاريخ

وفق منصف اليازغي، فإن فريق الجيش الملكي كان أول فريق مغربي ينافس في البطولات الإفريقية للأندية وليس النادي القنيطري أو جمعية الحليب كما يشاع، وذلك في موسم 19681969، حيث شارك الفريق العسكري في البطولة الإفريقية وخسر في نصف النهائي بطريقة مثيرة، حيث فاز خارج المغرب لكنه لم يتمكن من التأهل إلى النهائي بسبب نتيجة مباراة العودة.

ويحكي اليازغي أنه خلال السبعينيات، لم يشارك أي فريق مغربي في البطولات الإفريقية للأندية، رغم إنجازات المغرب على مستوى المنتخبات، مثل الفوز بكأس إفريقيا للأمم 1976 والمشاركة في كأس العالم 1970.

وهذا الغياب عن البطولات الإفريقية كان يعود، حسب الباحث المتخصص، إلى ظروف اقتصادية وسياسية صعبة في المغرب خلال تلك الفترة، ففي السبعينيات، كان المغرب يواجه تحديات كبيرة، منها قضية الصحراء المغربية، إضافة إلى محاولتي انقلاب عامي 1971 و1972، مما أثر على الاستقرار السياسي والاقتصادي، كما كان المغرب في تلك الفترة يفتقر للعملة الصعبة، ولم يكن بإمكانه تمويل استيراد المعدات أو حتى شراء القمح بسبب الجفاف، وكان التركيز منصباً على البناء الداخلي والتعامل مع التحديات الكبرى، مما جعل المشاركة في البطولات الإفريقية للأندية خارج الأولويات.

وشهد فريق الجيش الملكي في الثمانينات تطوراً كبيراً على مستوى هيكلته، بفضل وجود مدرب برازيلي مثل المهدي فاريا، إلى جانب لاعبين مميزين، حيث كان المنتخب المغربي في تلك الفترة يعتمد بشكل كبير على لاعبي الجيش الملكي، إذ شكّلوا حوالي خمسة إلى ستة لاعبين أساسيين في تشكيلة المنتخب.

في كثير من الأحيان، كان يُقال إن المنتخب يستحق أن يكون بالكامل من فريق الجيش الملكي، باستثناء إضافات قليلة مثل بودربالة والزاكي، وهذا الأمر يعكس قوة الفريق في تلك الفترة والدليل الأكبر على ذلك هو فوزه بأول كأس إفريقية للأندية البطلة عام 1985 وبعد هذا الإنجاز، تم استقبال الفريق من طرف الملك الراحل الحسن الثاني في بلجيكا، حيث انتقلوا مباشرة من الجزائر إلى هناك، وهذا الإنجاز فتح المجال أمام الفرق المغربية الأخرى لتحقيق النجاحات في البطولات الإفريقية، مثل الرجاء البيضاوي في 19881989، والوداد في 19921993.

جدل الارتباط العسكري

يقترح البعض، حسب اليازغي، تغيير اسم الفريق إلى اسم مدني مثل “اتحاد العاصمة”، لكن الجماهير مرتبطة باسم “الجيش الملكي”، والذي يمثل المؤسسة العسكرية المغربية، هذه المؤسسة تُعتبر حامية للوطن ووحدته الترابية، ولها دور كبير في الحفاظ على الأمن والاستقرار، خصوصاً في الجنوب وفي مواجهة أعداء الوحدة الوطنية، وفق تعبيره.

“من هذا المنطلق، يرى البعض أن فريق الجيش الملكي لا يجب أن يتعرض للسب أو الإهانة في ملاعب كرة القدم بالمغرب ومن الطبيعي أن يخسر الفريق مباريات، لكن الإساءة للاسم تمثل مشكلة، خاصة وأن الإعلام الجزائري أحياناً يستغل ذلك للتقليل من قيمة الفريق.

وعلى الصعيد العالمي، يُلاحظ أن الفرق العسكرية غالباً ما ترتبط بدول تمر بمرحلة تخلف أو نقص في الديمقراطية، مثل بعض دول إفريقيا وسوريا وأوروبا الشرقية سابقاً. لذا، يُطرح السؤال: هل يجب أن يستمر الجيش الملكي في البطولة المدنية؟ أم يتحول إلى بطولة عسكرية خاصة؟”، يتساءل اليازغي.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *