قرن من الكرة (ح2).. عندما شاركت فرق جزائرية وإسرائيلية في البطولة المغربية (فيديو)

“قرن من الكرة”.. برنامج يستعرض أكثر من مئة عام من تاريخ كرة القدم المغربية، منذ بداياتها الأولى حتى تحقيق الإنجازات التي رفعت الراية الوطنية عاليًا، رفقة الدكتور الباحث في السياسات الرياضية منصف اليازغي، حيث يسترجع البرنامج حقبة مهمة من التاريخ ويحتفي بروح الإنجاز والإلهام التي رافقت مسيرة كرة القدم المغربية على مدار أكثر من قرن من الزمن.
يأخذكم البرنامج في رحلة عبر الزمن، لاستكشاف كيف شقت كرة القدم طريقها في المغرب، متأثرة بالظروف الاجتماعية والسياسية التي شكلت ملامحها الأولى خلال فترة الاستعمار، ويتوقف البرنامج عند أبرز المحطات التاريخية، بدءًا من تأسيس الأندية الوطنية وانطلاق المشاركات المغربية في المحافل الدولية، وصولًا إلى اللحظات التي توجت فيها الكرة المغربية مجدها على الصعيدين القاري والعالمي والتطور الكبير الذي شهدته الكرة الوطنية في الألفية الحديثة.
تأسيس الأندية الوطنية والتواجد الجزائري
يحكي منصف اليازغي، الدكتور الباحث في السياسات الرياضية، أن المغرب عرف خلال منتصف العشرية الثانية من القرن الماضي تنظيم بطولة مصغرة مكونة تقريبًا من ستة فرق إلى ثمانية فرق، جميعها فرنسية، حيث لم يكن هناك أي فريق مغربي، وفق تعبيره، إذ تواجدت أندية تابعة للجيش الفرنسي، وأندية تابعة لبعض الشركات الموجودة في المغرب، إضافة إلى فريق جزائري في البطولة المغربية.
كانت البطولة تجمع بين محيط جغرافي صغير جدًا إذ لم تكن هناك تنقلات كثيرة للأندية، وكانت تنتهي في الغالب في شهر أو شهر ونصف، إذ لم تكن البطولة آنذاك بالشكل الحالي نظرًا لقلة الأندية وصعوبة التنقل ووجود إكراهات كثيرة، فكانت البطولة تجري مباشرة تحت إشراف مؤسسة جهوية تابعة لفرنسا.
ولم يتم تنظيم بطولة رسمية إلا سنة 1922، عندما تم تأسيس العصبة المغربية لكرة القدم (LMF) التي تتبع للجامعة الفرنسية، التي صادقت على وجودها في 1923، وانطلقت بعدها البطولة وفق جهاز يشرف عليها في المغرب.
بالمقابل، استمر تأسيس الأندية المغربية بين سنوات 1914 و1920، رغم اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914، حيث تأسس اتحاد فاس في 1915، الراسينغ البيضاوي (الراك) في 1919، سطاد المغربي في 1917، إضافة إلى اتحاد آسفي، كما عرفت كرة القدم المغربية بعد تلك السنوات تأسيس عدد من الأندية مثل الراك، الأولمبيك المغربي، والمغرب التطواني.
الأندية المغربية ومحاربة الاستعمار
وبخصوص مساهمة ودور الأندية المغربية في تلك الفترة في تعزيز الروح الوطنية ومقاومة الاستعمار الفرنسي ودعم رموز المقاومة الوطنية، يقول اليازغي إن “أندية كرة القدم التي تأسست في تلك الفترة كانت كلها فرنسية تعكس الوجود الفرنسي ولم يظهر أي فريق مغربي آنذاك بالمفهوم الصريح إلا في سنة 1932، عندما تم تأسيس الاتحاد الرياضي للرباط وسلا، حيث كان هذا الفريق أول فريق وطني يتم تأسيسه في تاريخ المغرب من طرف مغاربة.
وخاض الاتحاد الرياضي الرباطي السلاوي صراعًا مريرًا مع الإقامة الفرنسية من أجل تثبيت لاعبين مغاربة في صفوفه، حيث كان هذا الفريق، حسب اليازغي، مفتاحًا لظهور أندية أخرى، إذ يبقى هو أول فريق مغربي وطني، وبعد ذلك ظهرت أندية وطنية أخرى، خاصة في فترة الأربعينيات.
من جهة ثانية، فقد انتشر في تلك الفترة وصف “الأندية الإسلامية”، حيث كانت الصحافة الفرنسية تطلق على فرق مثل الوداد الرياضي أنها فرق إسلامية، إذ كان هذا المصطلح يستخدمه الإعلام الفرنسي للتفريق بين الأندية التي أسسها الفرنسيون وبين تلك التي أسسها مغاربة.
كان هناك أيضًا أندية أخرى في المغرب، مثل الأندية الإسرائيلية، التي كانت تمارس كرة القدم ضمن نطاق محدود وداخل تجمعات خاصة بها. كما كان هناك تقسيم في التعليم، حيث كانت توجد مدارس فرنسية، مدارس إسلامية، ومدارس إسرائيلية. هذا التنوع لم يقتصر على التعليم فقط، بل شمل أيضًا كرة القدم، حيث كانت الأندية المغربية تُسمى أحيانًا بـ “الأندية الإسلامية” وفقًا لهذا التصنيف الاجتماعي.
ومع توالي تأسيس الأندية الكروية بالمغرب، انتبهت السلطات الفرنسية إلى ضرورة تقنين ممارسة كرة القدم، حيث شعر الفرنسيون في بداية الثلاثينات بخطورة وجود أندية مغربية، حيث لاحظوا أن بعض الأندية بدأت تلعب بـ11 لاعبًا مغربيًا، لذلك أصدرت العصبة في سنة 1931 قرارًا يقضي بضرورة إشراك ثلاث لاعبين فرنسيين أو أوروبيين في الفريق الأول، مقابل خمسة لاعبين فرنسيين أو أوروبيين في فئة الشبان.
هذا القرار، يروي اليازغي، كان صعبًا على الأندية المغربية، إذ فرض عليها تأسيس فرق تحت إشراف فرنسي مع ضرورة ضمان وجود لاعبين فرنسيين وأوروبيين في صفوفها. هذا الأمر خلق صدامًا كبيرًا، وكان يتم التحايل عليه أحيانًا، وكانت الأندية تتعرض لعقوبات من عصبة كرة القدم.
استمر هذا الصراع طويلاً إلى درجة أن عددًا من الأندية الكبرى في المغرب تأسست بواسطة مسؤولين فرنسيين، حيث لجأت الأندية إلى التمويه واستخدمت مؤسسين جزائريين يحملون الجنسية الفرنسية، لأن الجزائريين آنذاك كانوا يحملون الجنسية الفرنسية.
كان المغاربة يرون في الأندية المغربية مثل الرجاء الرياضي والمغرب الفاسي والفتح الرباطي و”مولودية وجدة” أنها تمثلهم، وعندما كانت تُقام مباريات ضد الأندية الفرنسية، كان المغاربة يشعرون أن فوزهم هو فوز معنوي ضد المستعمر الفرنسي، إذ كانت المباراة بمثابة معركة، وكان الجمهور يتفاعل بحماس كبير، لدرجة أن بعض المباريات كانت تنتهي بتدخل القوات الفرنسية، حسب اليازغي.
من صور الصراع المغربي الفرنسي الذي ظهر بين الأندية والإقامة الفرنسية أو العصبة المغربية كان يتعلق بنظام التصويت في الجمعيات العامة، حيث كانت الأندية تحصل على أصوات بناءً على تاريخ تأسيسها، إذ كانت فرق مثل “الياسام” التي تأسست في 1913 تحصل على أصوات كثيرة، بينما فرق مثل “الوداد” التي تأسست في 1937 كانت تحصل على أصوات قليلة.
أول محترف مغربي وغياب المنتخب الوطني
في ذلك الوقت، يؤكد اليازغي، لم يكن هناك أي تواجد للمنتخب المغربي إذ لم يتم إحداث هذا الأخير إلا في نهاية العشرينات، حيث أتيحت الفرصة لخوض مباراة ضد المنتخب الفرنسي “الثاني”، وكان المنتخب مشكلًا بالكامل من لاعبين فرنسيين، مبرزًا أن المغاربة لم يتعودوا بعد في تلك الفترة على ممارسة كرة القدم، بل كانت كرة القدم في المغرب تُعتبر أحيانًا خروجًا عن الأخلاق أو تقليدًا للمستعمر الفرنسي.
ووفق الباحث في السياسات الرياضية، فاللاعب المغربي الذي برز في العشرينات هو عبد السلام اللنجري، وتعود أصوله من الشمال وبالضبط من طنجة، وكان أول محترف مغربي استطاع أن يتجاوز الحدود الجغرافية للمغرب وتوجه إلى إسبانيا ولعب في فريق إشبيلية، ولعب أيضًا في فريق لانس الفرنسي وكان يُلقب “عبد السلام بوطينة” بسبب بطنه البارز.
المصدر: العمق المغربي