قرن من الكرة (ح1).. اليازغي: سلطات الحماية وظفت الرياضة لضمان الاستقرار والهيمنة

“قرن من الكرة”.. برنامج يستعرض أزيد من مئة عام من تاريخ كرة القدم المغربية، منذ بداياتها الأولى حتى تحقيق الإنجازات التي رفعت الراية الوطنية عاليًا رفقة الدكتور الباحث في السياسات الرياضية منصف اليازغي، حيث يسترجع البرنامج حقبة مهمة من التاريخ ويحتفي بروح الإنجاز والإلهام التي رافقت مسيرة كرة القدم المغربية على مدار أزيد من قرن من الزمن.
يأخذكم البرنامج في رحلة عبر الزمن، لاستكشاف كيف شقت كرة القدم طريقها في المغرب، متأثرة بالظروف الاجتماعية والسياسية التي شكلت ملامحها الأولى خلال فترة الاستعمار ويتوقف البرنامج عند أبرز المحطات التاريخية، بدءًا من تأسيس الأندية الوطنية وانطلاق المشاركات المغربية في المحافل الدولية، وصولًا إلى اللحظات التي توجت فيها الكرة المغربية مجدها على الصعيدين القاري والعالمي والتطور الكبير الذي شهدته الكرة الوطنية في الألفية الحديثة.
بدايات كرة القدم بالمغرب
يرى الدكتور الباحث في السياسات الرياضية، منصف اليازغي، أن “الإشكال الحاصل في كرة القدم المغربية هو أنها كانت ضحية اللاتأريخ واللاتوثيق، حيث لم يتم، وفق تعبيره، توثيق المراحل الأولى لبدايات كرة القدم بالمغرب، إذ تحدث البعض أن كرة القدم المغربية تدحرجت في مدن فاس، وفق مؤرخين فرنسيين زاروا المغرب آنذاك، في القرن 18، وقدموها بأنها كانت “كرة مدورة منفوخة مملوءة ببقايا الثياب”.
جريدة “تايم أوف موروكو” التي كانت تصدر في مدينة طنجة، تطرقت، في نهاية القرن 19، وبالضبط حوالي سنة 1896، في جملة عن كرة القدم في طنجة، كما ظهرت أيضًا وثيقة أخرى صدرت سنة 1920، لكاتب فرنسي في مجلة تحمل اسم “فرانس ماروك”، وكانت تصدر بالمغرب عن الإقامة الفرنسية، وقال في المقال إن هناك فريقًا اسمه “سطاد المغربي”، مختلف عن الفريق الحالي، كان في مدينة طنجة ولعب مباراة في 1906 مع فريق اسمه “الريسوني”، في إشارة إلى الثائر المعروف آنذاك أحمد الريسوني.
الرواية الأخرى، حسب اليازغي، تقول إنه بما أن الموانئ كانت تعرف حركة تجارية كبيرة بين مختلف القارات ومختلف الدول، خصوصًا بريطانيا أو إنجلترا على الخصوص، التي كانت لديها علاقات تجارية مع مختلف أنحاء العالم، كانت الموانئ سباقة إلى تصدير كرة القدم إلى باقي بقاع العالم، وبالتالي قيل إنه في طنجة كان هناك بعض البحارة المعروفين باللباس المخطط بالأسود أو بالأزرق، كانوا يلعبون قرب ميناء طنجة، وكان يُطلق عليهم “brothers” (الإخوة الأحد عشر) بحكم أنهم يلبسون نفس القميص وكانوا يلعبون كرة القدم.
وكان ظهور كرة القدم بالمغرب بشكلها المنظم، في مدينة وجدة التي كانت أول مدينة تعرضت للغزو الفرنسي سنة 1907، عندما دخل ذلك الغزو من مدينة الجزائر، حيث كانت هذه الأخيرة تعرف ممارسة كرة القدم، بحكم تواجد الفرنسيين منذ 1830 بهذه الدولة، بينما ظهرت في المغرب سنة 1907، وكانت الممارسة من خلال العساكر، إذ تظهر مجموعة من الصور في أرض منبسطة والعساكر يلعبون ويمارسون كرة القدم باعتبارها واحدة من التمارين العسكرية وأيضًا واحدة من وسائل الترويح عن النفس، فكانت أول مدينة عرفت أرضًا منبسطة لممارسة كرة القدم هي مدينة وجدة، حسب الدكتور الباحث.
ويؤكد المتحدث ذاته أنه ” قبل سنة 1912، لم تكن هناك ملاعب بالمغرب بشكلها الطبيعي، بل كان البحث فقط عن أرض منبسطة مع محاولة توضيبها من أجل أن تصبح صالحة لتدحرج الكرة، أبرزها في فرق الأحياء حيث كان البحث عن مكان منبسط أو تجزئة سكنية للعب كرة القدم، إذ لم تكن هناك، وفق تعبيره، مدرجات أو شباك بل يتم وضع أحجار عوضا عنها.
أول ناد في تاريخ المغرب
بعد سنة واحدة من التوقيع على عقد الحماية سنة 1912، وبالضبط سنة 1913، تم تأسيس أول نادٍ مغربي، وهو الاتحاد الرياضي البيضاوي، حيث كان مؤسسو هذا الفريق من الفرنسيين ولقي دعمًا كبيرًا من الإقامة العامة الفرنسية ورجال الأعمال والاقتصاد الفرنسيين في المغرب.
وحسب اليازغي، فإن الظروف التي واكبت تأسيس هذا النادي كانت صعبة خاصة أنها جاءت عقب توقيع الحماية في 30 مارس 1912 في فاس، تبعها توقيع معاهدة فرنسية إسبانية حول الحماية على المنطقة الخليفية في طنجة، التي أصبحت تحت الحماية الإسبانية في أبريل من نفس السنة.
وعن أسباب ودواعي تأسيس الاتحاد الرياضي البيضاوي، فيقول اليازغي إن الإقامة الفرنسية اعتبرت الرياضة وسيلة لضمان الاستقرار والهيمنة إلى جانب الاقتصاد والمجتمع ضمان مصالح الفرنسيين الموجودين في المغرب، كما جاء في مخرجات مؤتمر الخزيرات الذي جرى في الجزيرة الخضراء بإسبانيا سنة 1906.
ويحكي الباحث في السياسات الرياضي أن “الفرنسيون، بعد توقيع الحماية، كانوا أشخاصا يمارسون كرة القدم في فرنسا، وكان بطبيعة الحال، وفق تعبيره، أن تضمن لهم الإقامة الفرنسية فرصة خوض كرة القدم في المستعمرة الجديدة أو البلد الذي يخضع للحماية وهو المغرب، فكانت انطلاقة بعض الممارسات الرياضية، من بينها كرة القدم والريغبي أيضا، خاصة من طرف البحارة والعساكر، قبل أن يتم المرور إلى تأسيس أول فريق في المغرب في أبريل 1913، وهو الاتحاد الرياضي المغربي ” USM
ورغم أن مؤسسي الاتحاد الرياضي المغربي كانوا فرنسيين، إلا أن هذا الفريق يعد عميد الأندية المغربية وظل فريقا محوريا، بحكم أنه على مدار وجوده على مستوى فريق كرة القدم، منذ 1913 إلى 1958، منح نفسًا لكرة القدم بالمغرب وأعطى انطلاقة لفرق أخرى لتتأسس، ولعب أيضًا دورًا أمام الأندية الوطنية في مرحلة ما بعد تأسيس الأندية الوطنية.
المصدر: العمق المغربي