تعيش مدينة قابس جنوب تونس على وقع احتجاجات متصاعدة، لليوم الثاني على التوالي، عقب تسجيل حالات اختناق في صفوف تلاميذ إحدى المدارس بسبب تسرب غازات سامة من وحدات صناعية تابعة للمجمع الكيميائي التونسي، ما فجر موجة غضب عارمة دفعت السكان إلى اقتحام مقر المجمع الكيميائي والمطالبة بتفكيكه نهائيا، وسط شعارات غاضبة ضد رئيس البلاد قيس سعيد.
وشهدت شوارع المدينة، أمس الجمعة واليوم السبت، مظاهرات شارك فيها مئات السكان رافعين شعارات من قبيل: “فككوا الوحدات”، و“قابس تستغيث”، و“الشعب يريد تفكيك المجمع”، فيما ردد آخرون هتافات ضد الرئيس قيس سعيّد، من بينها “قيس سعيّد عار عار”، احتجاجا على ما وصفوه بـ“تجاهل الدولة لجريمة التلوث البيئي”.
وأظهرت مقاطع مصورة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تلاميذ يعانون من صعوبات في التنفس داخل مدرسة تقع بمنطقة شاطئ السلام، إحدى أكثر المناطق تضررا من التلوث الصناعي، إلى جانب فرق إسعاف وأولياء مذعورين.
وتعد هذه الحادثة الثانية خلال أسابيع قليلة، ما زاد من غضب الأهالي الذين أكدوا أن قابس تحولت إلى “مدينة موت”، بسبب ارتفاع نسب أمراض السرطان وهشاشة العظام والحالات التنفسية المزمنة.
ويعمل المجمع الكيميائي التونسي، الذي أنشئ سنة 1972 بالقرب من شاطئ شط السلام، على معالجة الفوسفات، أحد أهم صادرات البلاد ومصدرها الحيوي من العملة الأجنبية.
غير أن السلطات تواجه اليوم معضلة حقيقية بين حماية الاقتصاد والحفاظ على صحة المواطنين، خصوصا بعدما تعهدت الحكومة برفع إنتاج الفوسفات إلى 14 مليون طن سنويا بحلول عام 2030.
من جهته، اعتبر الاتحاد الجهوي للشغل في قابس أن التسربات الغازية المتكررة ناجمة عن “اهتراء المعدات وانتهاء عمرها الافتراضي”، محذرا من أن الجهة “على فوهة قنبلة موقوتة”، ومهددًا بإعلان إضراب عام إذا لم تتدخل الحكومة لإيجاد حلول جذرية.
وكان الرئيس قيس سعيد قد أقر قبل أيام بأن قابس تعرضت منذ سنوات لما وصفه بـ“اغتيال للبيئة وجريمة بحق السكان”، دون أن يعلن عن خطة واضحة لمعالجة الأزمة.
ويحذر خبراء بيئة من أن مستويات التلوث في قابس “مرتفعة جدا” وتؤدي إلى أمراض خطيرة، وفق تقرير علمي صادر عن مختبر العلوم الجيولوجية والبيئة في مدينة تولوز الفرنسية، الذي أشار إلى تداعيات “وخيمة” منها التشوهات الخلقية والسرطان وتلوث المياه الجوفية بمواد مسرطنة مثل الرصاص والزرنيخ.
ورغم وعود الحكومة منذ عام 2017 بتفكيك المجمع وتعويضه بوحدات جديدة تراعي المعايير البيئية، إلا أن المشروع لم ينفذ حتى اليوم، مما عمق حالة الاحتقان الاجتماعي في واحدة من أكثر المدن التونسية تضررًا بيئيًا واقتصاديا.
المصدر: العمق المغربي