لا شيء تغيّر في مدينة أصيلة رغم رحيل محمد بن عيسى، الأب الروحي لموسمها الثقافي الدولي؛ ذلك أن المدينة الأطلسية، التي ملأت الدنيا وشغلت الناس بإشعاعها الثقافي والإبداعي، تعيش، هذه الأيام، على إيقاع الدورة الصيفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي السادس والأربعين، الذي جعل من المدينة ورشة فنية مفتوحة يساهم فيها رسامون وفنانون من المغرب ودول وأقطار مختلفة.
وسط الدروب الضيقة للمدينة العتيقة، يتحلق عدد من الأطفال من أبناء المدينة حول رسام معروف، يبدع ويجتهد في رسم جدارية كبيرة على حائط إحدى البنايات، في تناغم بين الألوان النابضة بالحياة وتلاقح بين الأجيال التي فتحت أعينها لسنوات طويلة على الإبداع والجمال، الذي صار جزءا من تاريخ وذاكرة المدينة الصغيرة.
فتيات صغيرات يمسكن فُرَشا بأناملهن الصغيرة ويشاركن الفنانين رسم الجداريات واللوحات الفنية التي تعبر عن رؤيتهم للحياة والطبيعة بألوانها الزاهية المختلفة، وتجسد لحظة صفاء إبداعي يتقاطع مع براءة الأطفال الحالمين بغد مشرق تحافظ فيه المدينة على هويتها الثقافية الخاصة الضاربة في القدم.
ورشة الصباغة على الجداريات بالمدينة العتيقة، التي لاقت إقبالا كبيرا من لدن أبناء المدينة، تمثل إحدى الفقرات الرئيسية في الدورة الصيفية لموسم أصيلة الثقافي، والتي دأبت مؤسسة منتدى أصيلة على تنظيمها منذ عام 1978؛ وهو ما يجعلها لحظة تاريخية بامتياز.
تعرف دورة هذه السنة مشاركة 17 فنانة وفنانا من إسبانيا وفرنسا وليتوانيا ورومانيا وسوريا والمغرب، بالإضافة إلى ورشة الجداريات الخاصة بالأطفال، ومشغل التعبير الأدبي وكتابة الطفل، إلى جانب معرض للمنشورات الصادرة عن مؤسسة منتدى أصيلة.
كما يحضر في الدورة أبو الفنون (المسرح) من خلال تنظيم ورشات تكوينية لفائدة الشباب والأطفال والأمهات بشراكة مع جمعية “زيلي آرت” بفضاء دار الصباح للتضامن. كما يحتضن معهد البحرين للموسيقى الشرقية “فضاء طامة غيلانة” ورشة في التربية الموسيقية لفائدة الأطفال يشرف على تأطيرها موسيقيون محترفون؛ وهي الأنشطة التي تتكاثف لتعزز هوية الموسم الثقافي الدولي ويجدد الإعلان عن نفسه في إطار الاستمرارية والوفاء لإرث الأب الروحي للموسم محمد بن عيسى، الذي سيغيب لأول مرة عن التظاهرة الثقافية الدولية بعد 45 من البناء والعطاء والمثابرة.
في سياق ذلك، قال حاتم البطيوي، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، على هامش جولة قام بها رفقة اعضاء في مكتب المؤسسة لورشات الصباغة ورسم الجداريات في المدينة العتيقة، إن موسم أصيلة الثقافي الدولي “عازم على الاستمرار والحفاظ على الرسالة التي حملها منذ التأسيس”.
وأضاف البطيوي أن رحيل الأستاذ محمد بن عيسى يُلقي بظلاله على فعاليات الدورة السادسة والأربعين، وقال: “نفتقد بشدة الأب الروحي للمنتدى في أول موسم ينظم عقب وفاته في أواخر شهر فبراير الماضي؛ لكن هذه سنة الحياة”.
وزاد الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة قائلا: “وفاء لروحه ورؤاه الإبداعية نستمر في العمل بنفس الروح والجدية اللازمة للحفاظ على مكانة الموسم الثقافي المتقدمة في الساحة الثقافية العربية والدولية”.
وسجل المصرح عينه أن تربية النشء على الرسم والفن والثقافة جزء أصيل من عمل مؤسسة منتدى أصيلة، التي تظل حريصة عليها وعازمة على الاستمرار في العطاء والإبداع الموصول الذي تراكم جراء تجربة رائدة قاربت نصف قرن من العمل والعطاء.
واعتبر البطيوي أن حضور فنانين من دول مختلفة يجعل الورشات المفتوحة فرصة ومناسبة للتلاقح الثقافي والحضاري وترسيخ ثقافة التسامح والقبول بالآخر لدى أبناء المدينة التي يفد عليها سنويا آلاف الزوار من كل أقطار العالم.
المصدر: هسبريس