مازالت الرياضية الأوزبكية أوكسانا تشوسوفيتينا، التي بلغت الخمسين من عمرها، تصرّ على مواصلة مسيرتها المدهشة، بهدف المشاركة في أولمبياد لوس أنجلوس 2028، الذي سيكون إن تحقق تاسع ظهور أولمبي لها في مسيرة امتدت أكثر من ثلاثة عقود، وفق تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست”.
في يونيو الماضي، وبعد يوم واحد من احتفالها بعيد ميلادها الخمسين، قدّمت تشوسوفيتينا أداءً مذهلًا في كأس التحدي العالمية بطشقند، حيث قفزت ثمانية أقدام في الهواء وأدت حركة بهلوانية مع دوران كامل، لتحصد الميدالية الفضية على جهاز القفز؛ غير أن أفضل عروضها لهذا العام جاء في باكو، حين نفذت قفزة إضافية مع نصف لفة وهبوط شبه مثالي، منحها الميدالية الذهبية؛ وكما ذكرت “واشنطن بوست” فقد أثارت مقاطع الفيديو لعروضها تفاعلًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ لم يشهد تاريخ الجمباز رياضية بمثل هذه الاستمرارية.
منذ مشاركتها الأولى في الثمانينيات باسم الاتحاد السوفييتي كتبت تشوسوفيتينا تاريخًا استثنائيًا، فهي صاحبة ثماني مشاركات أولمبية، بينها ذهبية في أولمبياد برشلونة 1992 ضمن الفريق الموحّد، وفضية في بكين 2008 باسم ألمانيا، إلى جانب عشرات الميداليات العالمية؛ ومنذ عام 2016 أصبحت الأكبر سنًا في تاريخ الجمباز الأولمبي، وأطلقت خمس حركات تحمل اسمها، بينها حركتان على جهاز القفز، كما حاولت تنفيذ حركة “بردونوفا” الشهيرة، المعروفة بـ”قفزة الموت”.
ورغم سلسلة طويلة من الإصابات من تمزق وتر أخيل إلى جراحات في الكتف والظهر مازالت تشوسوفيتينا تقفز، وتتمرن مرتين إلى ثلاث مرات يوميًا، مصرّة على التنافس، وتقول في مقابلة عبر تطبيق “زوم” مع “واشنطن بوست”: “أحب عملي… أحب الصراع بيني وبين نفسي، وحين أنجح في تجاوزه أشعر برضا هائل”.
وتوضح الصحيفة الأميركية أن مسيرة تشوسوفيتينا لم تقتصر على النجاحات الرياضية، بل ارتبطت بظروف شخصية صعبة؛ فعام 2002 شُخّص ابنها عليشر بمرض سرطان الدم، وكان في الثالثة من عمره. لم تكن أوزبكستان تمتلك آنذاك مستشفى متخصصًا بالأورام، ما دفع الأسرة إلى الانتقال إلى كولونيا بألمانيا لتلقي العلاج. ولتغطية تكاليفه الباهظة تابعت تشوسوفيتينا التدريب والمشاركة في البطولات باسم ألمانيا، وتقول: “الجمباز أنقذ حياة ابني”، مؤكدة أن صالات التدريب كانت بمثابة مهرب ذهني وسط ضغوط العلاج.
وبفضل تصميمها واصل ابنها علاجه حتى أعلن الأطباء تعافيه الكامل عام 2008، في العام نفسه الذي فازت فيه بفضية القفز في بكين. وتصف تلك اللحظة بأنها “الأكثر سعادة” في مسيرتها الأولمبية، إذ تلقت الخبر في المطار وهي تغادر الصين.
وتشير “واشنطن بوست” إلى أن تشوسوفيتينا لا تعترف بحدود العمر، تقول: “أشعر بأنني شابة دائمًا. العمر مجرد رقم. هناك أشخاص في العشرين من عمرهم لكنهم يفكرون بعقلية الخمسين، وهناك من تجاوزوا الستين ومازالوا شبابًا في الداخل”؛ بالنسبة لها ما يحدد الاستمرار ليس العمر وإنما الرغبة والقدرة.
وبينما يصفها زملاؤها ومدربوها بأنها “امرأة ملهمة” ترى هي نفسها ببساطة رياضية تحب عملها، تقول: “لا أريد أن أتوقف لأنني أحب ما أفعله. كل مرة أدخل صالة التدريب أشعر بأنني أبدأ من جديد”.
بعد مشاركتها في طوكيو 2021 افتُتحت أكاديمية للجمباز في طشقند تحمل اسمها، حيث تُدرّب نحو 159 طفلًا وتشرف إداريًا على المدرسة الملحقة بها؛ ورغم مسؤولياتها الكثيرة فإنها مازالت تمارس التدريب بشكل يومي استعدادًا للتأهل إلى لوس أنجلوس 2028، سواء عبر بطولة العالم 2027 أو الألعاب الآسيوية.
أما ابنها عليشر، البالغ الآن 25 عامًا، فيدرس التربية الرياضية في كولونيا، ويهتم بكرة السلة أكثر من الجمباز، لكنه يظل قريبًا من والدته، ويتصل بها بعد كل بطولة ليقول لها “مبروك” بغض النظر عن النتيجة.
منذ انطلاقتها في الثمانينيات مثلت تشوسوفيتينا الاتحاد السوفييتي، وأوزبكستان، وألمانيا، ثم عادت إلى أوزبكستان؛ وبين هذه التحولات ظلت رمزًا للتفاني والصبر، وقد دخلت قاعة مشاهير الجمباز عام 2016، لكنها لا تفكر في الاعتزال أو الاكتفاء بإنجازاتها الماضية.
وأفاد تقرير “واشنطن بوست” بأن رحلة تشوسوفيتينا الطويلة تختصر مزيجًا نادرًا من الموهبة والإصرار والإيمان؛ فبينما يتقاعد معظم لاعبي الجمباز في سن مبكرة تواصل هي مغامرتها غير المسبوقة، غير آبهة بالعمر أو الإصابات، وكما قالت مدربتها السابقة سفيتلانا بوغينسكايا: “مع كل انتكاسة تخرج أوكسانا أقوى”.
وفيما تبقى ثلاث سنوات على أولمبياد لوس أنجلوس تواصل تشوسوفيتينا تدريباتها اليومية بلا كلل، تقول بابتسامة هادئة: “إذا ألهمت أحدًا في مكان ما فهذا يسعدني، لكنني في النهاية أعيش حياتي، ومن المهم أن أفعل ما أحب”.
المصدر: هسبريس