اخبار المغرب

في ذكرى معاهدة مراكش.. لكريني يستعرض معوقات بناء الاتحاد المغاربي

يرى الأكاديمي الدكتور إدريس لكريني أن استمرار الجمود في مسار الاتحاد المغاربي يعكس إهدارا للفرص التنموية والاستراتيجية التي كان يمكن أن تحققها دول المنطقة لو تمكنت من تجاوز خلافاتها السياسية والتاريخية، لافتا إلى أن “تأسيس الاتحاد عام 1989 لم يكن مجرد خطوة رمزية، بل جاء تتويجا لنضالات مشتركة ضد الاستعمار، ورغبة في استثمار القواسم الحضارية والثقافية والاجتماعية التي تجمع شعوب المغرب الكبير”.

وأضاف لكريني، في مقال توصلت به هسبريس معنون بـ “في ذكرى معاهدة مراكش (1989).. أما آن لليل أن ينجلي؟”، أن المنطقة المغاربية لا تزال تعيش مفارقات كبرى، حيث تزخر بإمكانات بشرية وطبيعية هائلة، لكنها تظل الأقل اندماجا على المستوى الاقتصادي والتجاري، في وقت تتسارع فيه التكتلات الإقليمية عبر العالم”، مشيرا إلى أن “القطيعة المستمرة بين المغرب والجزائر تزيد من تعميق هذه الأزمة، في ظل انخراط بعض الفاعلين في تكريس الخلافات بدل الدفع نحو التقارب”.

وخلص رئيس منظمة العمل المغاربي إلى أن “الوضع الحالي يفرض على النخب السياسية والمثقفين العمل على تجاوز الخلافات، وتعزيز الحوار المسؤول، بما يخدم مستقبل الأجيال القادمة”، مؤكدا أن “بناء اتحاد مغاربي فاعل ليس خيارا ترفيهيا، بل ضرورة تفرضها التحديات والرهانات الإقليمية والدولية، وهو ما يتطلب وعيا مشتركا بأهمية المصير المغاربي المشترك، بدل الاستمرار في دوامة القطيعة والتوتر”.

نص المقال:

قبل أكثر من ثلاثة عقود (17 فبراير 1989)، عندما كان العالم يشهد تحولات كبرى تدعم التكتّل وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، اجتمع قادة الدول المغاربية الخمس (المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا) بمدينة مراكش، ووقعوا الاتفاقية المنشئة للاتحاد المغاربي.

لم تكن خطوة التأسيس، على أهميتها القصوى، معزولة أو مرتبطة بطموح آني، بل جاءت تتويجا لجهود كبيرة راكمها رواد الحركات الوطنية في المنطقة إبان النضال والمقاومة ضد المستعمر قبل عدة عقود، فبالموازاة مع أولوية تحرير الدول المغاربية من قبضة الاستعمار الفرنسي والإسباني، كانت هناك رؤية مستقبلية ترنو إلى استثمار المشترك المغاربي في أبعاده الحضارية والاجتماعية والثقافية والتاريخية لبناء تكتل واعد قادر على تلبية طموحات شعوب المنطقة.

ورغم الإمكانيات المتاحة، ظلت المنطقة المغاربية تعيش على إيقاع مفارقات عجيبة، تجسد الهدر وتضييع الفرص في زمن المخاطر والتحديات، ففي الوقت الذي يحتضن فيه الفضاء المغاربي طاقات بشرية شابة ومتعلمة، وثروات طبيعية هائلة، ويمتد على موقع استراتيجي، مازالت بلدانه هي الأقل ارتباطا من الناحيتين الاقتصادية والتجارية. ورغم توجه دول العالم نحو إلغاء الحدود والحواجز الجمركية، لفتح المجال أمام تنقل الأفراد والسلع، تفرض القطيعة نفسها بقوة بين قطبي هذا الفضاء (المغرب والجزائر) بعد سنوات من إغلاق الحدود.

تحلّ الذكرى السادسة والثلاثون لتأسيس الاتحاد المغاربي على واقع إقليمي سمته التشظي وتضييع الفرص، وهو ما يدفع إلى طرح السؤال حول السبل الكفيلة بتجاوز هذا المأزق، الذي يورّث الأحقاد والضغائن للأجيال القادمة، وبخاصة مع صمت النخب، وانخراط عدد من رواد شبكات التواصل الاجتماعي في تكريس هذه القطيعة بنشر الضغائن والأحقاد، وتحويل مقومات المشترك المغاربي إلى نقط خلاف، وإقحام الشباب في معارك مصطنعة ضد التاريخ والجغرافيا.

إن هذه المناسبة التي لم يعد يتذكرها أحدمع كل أسفيفترض أن تمثل محطّة لمساءلة الواقع، ورصد حجم الكلفة التي تتحملها المنطقة نتيجة سياسات الانغلاق على الذات، وعدم الوعي بالمصير المشترك لدول مجاورة، ولشعوب تربطها الكثير من الأواصر، في زمن تنامت فيه التهديدات والمخاطر التي تجعل من التكتل والعمل الجماعي أمرا محتوما.

إن شباب المنطقة الذي يمثل قاعدة واسعة ضمن الهرم السكاني، بحاجة إلى خطوات ومبادرات تعيد إليه الأمل في مستقبل مشرق وآمن، يضمن له الكرامة، والتمتع بحقوقه المختلفة، أسوة بعدد من شعوب العالم التي تنعم في أجواء من التنمية والديمقراطية والسلام، بدل تركه أمام مصير غامض، ومعرض لمختلف الإحباطات، وإغراءات الهجرة السرية، أو الارتماء في أحضان التطرف.

قبل أكثر من قرن من الزمن، اعتبر المستشار الألماني مؤسس “الرايخ الثاني” “بسمارك” أن الجغرافية تظل هي العنصر الثابت في السياسة. ذلك أن الجوار في العلاقات الدولية ليس اختيارا، بقدر ما هو قدر يفرض التعامل معه بمنطق المصالح والتحديات المشتركين.

لا أحد كان يتوقع قبل أكثر من نصف قرن أن أوروبا، التي ظلت تعيش على إيقاع الحروب والصراعات الطاحنة على امتداد عدة قرون، ستؤسس لتجربة إقليمية واعدة على مستوى التنسيق والتكامل والاندماج، بشكل يعكس الوعي بأهمية الجوار وبالفرص الواعدة التي يمكن أن تتحقق لأطرافه مجتمعة في سياق تجنيد وتعبئة الإمكانات المتاحة وتعزيز التعاون.

بين خيار القطيعة وصمت النخب، تتدحرج الأحقاد والضغائن ككرة ثلج في المنطقة، ما يعرض هذه الأخيرة في الحاضر والمستقبل لمزيد من الهدر والخسائر.

إن المرحلة الصعبة التي تمرّ بها المنطقة المغاربية في عالم متغير وملتهب، تفرض بناء جسور التعاون والحوار في إطار من المسؤولية، لتجاوز حالة الانتظار التي طالت أكثر من اللازم، ولتحويل الإشكالات المطروحة التي وصلت حدّا لا يطاق، إلى طاقة إيجابية تعيد الثقة إلى الشعوب المغاربية في فضاء رحب يتسع لأحلامها وتطلعاتها في بناء اتحاد مغاربي سمته التواصل والثقة.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *