في الذكرى الثلاثين لرحيل الناشط والأكاديمي واللساني الأمازيغي قاضي قدور، الذي وافته المنية بتاريخ 15 شتنبر عام 1995 إثر تعرضه لحادثة سير نواحي مدينة مكناس، استعاد مثقفون وفاعلون في الحركة الأمازيغية مساره الفكري والنضالي، مؤكدين أنه كان من أبرز الوجوه التي جمعت بين صرامة البحث العلمي وعمق الالتزام بقضية “إيمازيغن”، ما يجعل الكثيرين يصفونه بكونه واحدًا من الآباء الروحيين للحركة الأمازيغية بالمغرب.
ورأى الراحل النور بمنطقة “آيت سيدال” نواحي الناظور بدايات خمسينيات القرن الماضي، وحصل على شهادة الإجازة في الدراسات الفرنسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، ثم دبلوم الدراسات العليا المعمقة بالمدرسة العليا للأساتذة، قبل أن يشتغل أستاذًا مساعدًا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة محمد بن عبد الله بفاس، حيث كان من أبرز اللسانيين الذين انكبّوا على دراسة “تاريفيت”، التي خصّها بأبحاث دقيقة حاول من خلالها توثيق مميزاتها الصوتية والتركيبية والمعجمية، وإبراز خصوصيتها داخل المنظومة اللغوية الأمازيغية.
وكان قاضي قدور من المؤسسين لـ”جمعية الانطلاقة الثقافية” بالناظور أواخر سبعينيات القرن الماضي، التي تُعد من أوائل الأطر الجمعوية التي تعنى بالمسألة الأمازيغية في منطقة الريف؛ كما ناقش بحثين مهمين في جامعة “السوربون” بفرنسا حول “الفعل في تاريفيت وأشكاله وبنياته”، و”الارتباط المعجمي والتركيبي بتاريفيت”، إذ كان من الأصوات التي ناضلت من أجل رفع التهميش الذي كانت تعيشه الأمازيغية، إلى أن وافته المنية في حادث سير مازال يثير العديد من الشكوك إلى اليوم لدى فعاليات الحركة الأمازيغية بالمغرب.
عبد الواحد حنو، كاتب وشاعر أمازيغي، قال إن “قاضي قدور كان من أبرز الشخصيات التي جمعت بين روح النضال وصرامة البحث العلمي، إذ تجسّد نضاله في التزامه اليومي بالقضية الأمازيغية والدفاع عن الهوية الوطنية المتعددة، فيما تميّز علميًا بدقة الباحث ورصانة الأكاديمي، ما جعله من أوائل المرجعيات في الدراسات الأمازيغية بالمغرب”.
وأضاف حنو، في تصريح لهسبريس، أن “الراحل كان له دور محوري في إخراج الأمازيغية من دائرة التهميش إلى فضاء النقاش العمومي؛ فمن خلال كتاباته ومداخلاته طالب بإدماج الأمازيغية في التعليم والإعلام والسياسات الثقافية، وكان صوته مسموعًا في الدفاع عن حق الأمازيغيين في لغتهم وثقافتهم، كما ساهم في تأسيس جمعية الانطلاقة الثقافية بالناظور، التي تُعَدّ أول جمعية أمازيغية بالريف، ومن بين أوائل الجمعيات الأمازيغية في المغرب، وهي محطة تاريخية أعطت زخماً جديداً للنضال الثقافي الأمازيغي”.
وتابع المتحدث ذاته بأن “إسهامات الراحل العلمية بارزة في مجال اللسانيات والتراث الشفهي، إذ عمل على تأصيل الأمازيغية كحقل معرفي مستقل، كما ربط البحث الأكاديمي بالعمل الجمعوي والثقافي، ما جعل نتاجه يتجاوز جدران الجامعة ليصل إلى المجتمع؛ كما مهّد الطريق أمام جيل من الباحثين الشباب، وشجّع على نقل الأمازيغية من خانة ‘موضوع الدراسة’ إلى موقع ‘الفاعل الثقافي’، إضافة إلى أنه كان من الأوائل الداعين إلى النضال من أجل الأمازيغية بالأمازيغية؛ لذلك يمكن أن نقول عنه إنه كان مناضلاً سبق جيله، وكان يخاطب المستقبل”.
وشدّد الكاتب والشاعر نفسه على أن “تخليد ذكرى قاضي قدور هو تخليد لذاكرة الريف الأمازيغي، ولجيل مناضل وضع اللبنات الأولى للمسار الذي أوصل الأمازيغية إلى موقعها الحالي”، مبرزًا أن “الخلود الحقيقي لاسم قاضي قدور يمر عبر ثلاثة مسارات؛ أولها المسار المؤسساتي، بإحداث جوائز أو مراكز بحث تحمل اسمه وتُعنى بالدراسات الأمازيغية، مع إحداث مؤسسات جامعية أو تعليمية تحمل اسمه، وثانيها المسار المعرفي، بطبع ونشر أعماله وأرشفة مساره داخل جمعية الانطلاقة الثقافية التي ساهم في تأسيسها، وتشجيع الباحثين الشباب على استكمال مشروعه العلمي؛ وأخيرًا استحضار سيرته في الندوات والمدارس والفضاءات العمومية، ليبقى رمزًا لجيل قاوم من أجل الاعتراف بالأمازيغية”.
من جهته أكد حسن إد بلقاسم، محامٍ وفاعل أمازيغي، أن “الأستاذ الجامعي الراحل قاضي قدور يُعَدّ من أكبر الأسماء التي طبعت تاريخ الحركة الأمازيغية ونضالاتها، إذ كان مثالًا على الالتزام الفكري والعمل الميداني من أجل خدمة القضية الأمازيغية والدفاع عنها في كل المحافل باعتبارها قضية هوية وثقافة وذاكرة جماعية”.
وأضاف إد بلقاسم، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الراحل كان من أوائل المناضلين الذين حضروا وشاركوا في أشغال الجامعة الصيفية الأولى بأكادير سنة 1980″، مبرزًا أنه “ترك بصمات لا تُمحى في مسار الدفاع عن الأمازيغية، وأعطى الكثير من وقته وجهده الفكري والبحثي لنصرة القضية الأمازيغية والتعريف بها والدفاع عن الحقوق الثقافية واللغوية للأمازيغ”.
وتابع المتحدث ذاته بأن “الرجل أغنى الساحة الفكرية والثقافية بمؤلفات ومقالات كان لها تأثير كبير في المسار وكذا المكتسبات التي حققتها المسألة الأمازيغية اليوم، وقد ساهمت خلفيته الأكاديمية في تأطير النقاش حول هذه المسألة، خاصة على مستوى الجامعة”، معتبرًا أن “قاضي قدور أعطى الكثير للحركة الأمازيغية، وعلى الأجيال الجديدة من المناضلين الاستمرار في حمل القضية التي ناضل من أجلها بالحماس والإصرار نفسهما، حتى تتحقق العدالة الثقافية واللغوية في المغرب في بعدها الشامل”.
المصدر: هسبريس