في ذكراها الـ14 .. هل لا تزال روح 20 فبراير حية أم أن الزمن طوى صفحتها؟

في الذكرى السنوية لحركة 20 فبراير، التي انطلقت عام 2011 ضمن موجة “الربيع العربي”، يعود النقاش حول حصيلة وعود الإصلاح التي رافقت تلك المرحلة، خاصة فيما يتعلق بمحاربة الفساد وتقليص الفوارق الاجتماعية.
ورغم تبني إصلاحات دستورية وسياسات اقتصادية واجتماعية، لا تزال قضايا الفساد والفقر تشكل تحديات كبرى، وفق تقارير وطنية ودولية، وحتى مع تسجيل المغرب تحسّنا في بعض المؤشرات التنموية، لا يزال المواطنون يواجهون صعوبات معيشية، وسط مطالب متزايدة بتفعيل آليات المحاسبة وتعزيز الشفافية.
وتطرح الذكرى الـ 14 للحركة تساؤلات عميقة حول مدى تحقق الشعارات التي رفعتها، ومدى التقدم في بناء دولة الحق والقانون، في ظل استمرار دعوات الفاعلين الحقوقيين والمجتمع المدني لإصلاحات أكثر جرأة، فهل لا تزال آمال 20 فبراير حية؟ أم أن الزمن طوى صفحة مطالبها دون تحقيق التغيير المنشود؟
أمل في التغيير
في هذا السياق، أكدت الناشطة المدافعة عن حقوق الإنسان، سارة سوجار، أن روح الاحتجاج لا تزال حية، وتعكسها المظاهرات والاحتجاجات الفئوية والمطلبية التي لم تتوقف، مشيرة إلى أن النفس الاحتجاجي لم يخمد، وأن التنظيم الهيكلي للحركة وإن كان قد تراجع، فإن المبادئ التي قامت عليها، الممثلة في المطالبة بالعدالة الاجتماعية، والديمقراطية، واحترام الحقوق والحريات، لا تزال موجودة.
واعتبرت سوجار في تصريح لجريدة “”، أن المشهد السياسي في المغرب يعاني من ضعف كبير، وأن ميزان القوى الحالي ليس لصالح الديمقراطية، بل إن الفاعلين السياسيين لا يتحملون مسؤولياتهم في إنتاج مشاريع سياسية أو الدفاع عن المطالب الشعبية، مشيرة إلى أن علاقة الفاعلين السياسيين بالشارع هي علاقة متوترة ومشوبة بانعدام الثقة، مما ينعكس سلبا على المشهد السياسي العام.
وترى المتحدثة أن المغرب يشهد تراجعا في مجال حقوق الإنسان، حيث ما زالت الانتهاكات قائمة في مختلف المجالات، مشيرة إلى استمرار القمع ضد الاحتجاجات، والتضييق على منظمات المجتمع المدني، واستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان، سواء عبر التشهير أو التضييق على حياتهم الخاصة، مما يخلق بيئة سياسية معقدة تعرقل أي تقدم حقيقي.
رغم كل هذه العوائق، تؤكد سوجار أن استمرار الحراك الاحتجاجي يعكس وجود أمل في التغيير، إذ أن حركة 20 فبراير شكلت لحظة فارقة في التاريخ المغربي، وأثبتت إمكانية إعادة رسم موازين القوى. وترى أن الظروف الحالية قد تعيد إنتاج نفس المطالب بزخم جديد،أرقى وافضل.
إلى ذلك لفتت سوجار، إلى أن المغرب يعيش في لحظة تاريخية تغيب فيها القيم السياسية النبيلة، في الخطاب والفعل والسلوك، منتقدة العلاقة المشبوهة بين السلطة والثروة، بين الاقتصاد والسياسة، ورسم سياسات عمومية بطريقة إقصائية تغيب المواطنين ولا الفاعلين المدنيين.
التدافع قائم
من جانبه يرى محمد الزهاري، الرئيس السابق للعصبة المغربية لحقوق الإنسان، والأمين العام للتحالف الدولي للدفاع عن الحقوق والحريات بشمال إفريقيا، أن فكرة 20 فبراير ستظل قائمة في وجدان كل مناهضي الفساد ومناصري التغيير، في ظل اتساع دائرة الفقر والظلم والحكرة وارتفاع منسوب الاستبداد.
واعتبر الزهاري، في تصريح للجريدة، أن حركة 20 فبراير ليست مجرد حدث عابر بل هي “فكرة وجزء من ذاكرة الوطن التي تأبى النسيان”، موضحا أن أبرز المطالب كانت هي إسقاط الحكومة وحل البرلمان وتغيير الدستور، وطبعا محاربة الفساد والقضاء على الفقر، وربط المسؤولية بالمحاسبة ترسيخا لمبدأ عدم الإفلات من العقاب.
وتابع المتحدث “لهذا ناضل شباب 20 فبراير ومعهم حرائر وأحرار الوطن من أجل التصدي لمظاهر الفساد ونهب المال العام والتوزيع العادل للثروات وهي مطالب مستمرة وحاضرة في أجندة عمل وأنشطة المنظمات الشبابية والحقوقية، ولا يمكن لها أن تنتهي أو تموت، فقد يحدث هناك فتور وتراجع لكن التدافع يبقى قائما دائما في محطات يعرفها المجتمع المغربي ميزت التاريخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي للوطن”.
وأوضح أن خطاب 9 مارس 2011 جاء بسرعة غير متوقعة، متجاوزا سقف مطالب بعض الأحزاب الوطنية الديمقراطية آنذاك، لكنه لم يكن كافيا لترسيخ التغيير الحقيقي، مؤكدا أن استمرار الظلم والاستبداد واتساع الفجوة بين السلطة والمجتمع سيظل دافعا لتجدد المطالب الشعبية.
وأضاف أن المغرب شهد محطات احتجاجية متكررة في تاريخه، مثل أحداث 1961، 1965، 1981، و1990، وكلها جاءت نتيجة لتفاقم الفقر واتساع الفجوة بين الفئات الاجتماعية، مشيرا أن هذه المسببات لا تزال قائمة، مما يعني أن إمكانية تجدد الحراك الشعبي تظل واردة.
نقطة اللاعودة
فيما أكد الناشط الحقوقي وعضو المجلس الوطني لحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، المهدي سابق، أن جوهر المطالب التي رفعتها حركة 20 فبراير لا يزال حاضرا، بل أصبح أكثر إلحاحا، في ظل استمرار الفساد وتزايد تحالف المال والسلطة.
وأوضح سابق، في تصريح للجريدة أن الدولة لم تواجه الفساد بإرادة حقيقية للإصلاح، بل عمّقته عبر هيمنة لوبيات اقتصادية على مقدرات البلاد، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية.
وأشار إلى أن المغاربة يعيشون اليوم واحدة من أصعب الفترات اقتصاديا، حيث يشهدون ارتفاعا غير مسبوق في الأسعار، وتدهورا في القدرة الشرائية، وانهيارا في الخدمات الاجتماعية، بينما يتم التضييق على الأصوات الحرة التي تكشف هذه الاختلالات.
كما انتقد سابق تعامل السلطة مع المطالب الشعبية، مشيرا إلى أنها اختارت نهج القمع والتضييق بدل الاستجابة للإصلاحات العميقة، مما أدى إلى امتلاء السجون بالصحفيين والنشطاء، واستمرار السياسات التي تعزز الفوارق الطبقية وترسخ اقتصاد الريع.
ورغم ذلك، أكد الناشط الحقوقي أن روح 20 فبراير لم تنطفئ، بل امتدت جذورها إلى وعي الأجيال الجديدة، التي تدرك المناورات التي تُمارس لإفراغ المطالب الديمقراطية والاجتماعية من مضمونها، وهي اليوم أكثر استعدادا لابتكار أشكال نضالية جديدة تتجاوز محاولات الإخماد.
وذهب إلى أن المغرب يمر بلحظة تاريخية دقيقة، حيث إما أن يتم التفاعل مع مطالب التغيير بجدية، أو أن يستمر الاحتقان الاجتماعي في التراكم إلى أن يصل إلى نقطة اللاعودة، مشددا على أن الرهان الحقيقي اليوم هو على وعي الشباب والقوى الحية، وقدرتها الجماعية على إعادة إحياء النضال الديمقراطي والاجتماعي بأساليب تتناسب مع تعقيدات المرحلة.
المصدر: العمق المغربي