في اليوم العالمي للمدرس .. نافذة على التعليم الأولي
في اليوم العالمي المدرس الذي يصادف الخامس من شهر أكتوبر من كل سنـة، غالبا ما توجه الأقلام والعدسات نحو نساء ورجال التعليم، ما دام الأمر يتعلق بعيدهم العالمي، الذي يفرض الاحتفاء بهم وتثمين أدوارهم المتعددة الزوايا في التربية والتعليم والبناء والنماء؛
وبقدر ما يحتفـى بالمدرس/ة في هذا اليــوم العالمي، بقدر ما يتم تهميش فئـة هشة تعد جزءا لا يتجزأ من أسرة التربية والتكوين، ويتعلق الأمر بفئة “مربو و مربيات التعليم الأولي” الذين يضطلعون بدور محوري في بناء صرح التعلمات في مرحلتها الأولية، ما يجعلهم بناة حقيقيين للتعليم، وسواعد صلبة، لا محيد عنهـا، في مسلسل بناء الطفل/ة واحتضان قدراته ومواهبه وانفعالاته في مراحل عمرية مبكرة، قبل أن يوضع على سكة التعليم الأساسي، بشكل يجعلهم يضطلعون بدور القاعدة الأساس، التي بدونها يصعب البناء والتشييد والإعمار، وهــي أدوارا تربوية متعددة الزوايا، لا تخلو من المشقة والعسر، بالنظر ليس فقط، لخصوصيات الفئة المستهدفة من هذا التعليم الأولي، بل واعتبارا لما تعيشه هذه الشغيلة المناضلة والصبورة من حيف وظلم وتهميش وعدم اعتراف؛
توضيحات للرؤية، نشير إلى أن مربي ومربيات التعليم الأولي، ينتمون إلى وزارة تمتد سلطتها علاوة على التربية الوطنية والرياضة، إلى “التعليم الأولي”، وفي نفس الوقت لا يؤطرهم أي إطار قانوني واضح يثبت نسبهم الشرعي لهذه الوزارة، ويدورون في فلك قانون الشغل، دون أن يستفيدوا على مستوى الواقع، مما يتيحه تشريــع الشغل من حقوق وضمانات، ويشتغلون في زمن الحماية الاجتماعية، دون أن تطالهم رياحها المرسلة، ويشملهم الضمان الاجتماعي، لكن وفي حالات كثيرة لا يصرح بهم، أو يصرح بهم وفق ما تشتهيه سفينة الطرف المشغل، وبين هذا وذاك، تعيش هذه الشغيلة التي تحتضن ثلة من خريجي الجامعات، حالة من التيـه على مستوى الهوية والانتساب، تجعلها تمــارس رسالتهما النبيلة، بدون أفق مهني ووظيفي واضح المعالم، يجعلهـا تحـس بشرف المهنة وحب الانتماء لتعليم أولي، الاشتغال فيه هو خدمة نبيلة من أجل الوطن وأبناء الوطن؛
وفي ظل هذا التيه المهني والوظيفي، تبقى الحقيقة الثابتة، أن هذه الشغيلة تعيش تحت رحمة جمعيات الكثير منها، لا صلة له بالتربية والتعليم، إلا الخير والاحسان، تحول بعض رؤسائها، في ظل قوانين مرتبكة، إلى مشغلين، شغلهم الشاغل البحث عما يتيحه التعليم الأولي من أرباح ومكاسب ومنافع، على حساب التربية ومستقبل الوطن، في غياب أو تهاون أو تقاعس سلطات الضبط الإداري والتربوي، وهذا الواقع، فتح الطريق أمام هؤلاء، لبسط اليد على قطاع تربوي حساس، والتحكم في شغيلته، تارة بالابتزاز وأخرى بالاستفزاز وثالثة بالقمع والتهديد بالطرد التعسفي، وهذه الشغيلة المغلوب على أمرها، تبقى مجبرة على تحمل هذا الواقع “اللامهني” و”الإهاني” بأجوره الزهيدة، ومتاعبه الكثيرة، تحت ضغط الإكراه، هروبا من شبح البطالة، بسبب رؤساء جمعيات مع الاستثناء بالطبع مات فيهم حسن الوطن وضمير التربية والأخلاق والقيم، التي بها تسمو الأوطان وترقى الأمم،
ونحن نعيش زمن إصلاح منظومة التربية والتكوين، وفي سياق تنزيل مقتضيات نظام أساسي جديد خاص بموظفي وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة ـ قطاع التربية الوطنيةـ، من غير اللائــق من الناحية القانونية والتربوية، أن يبقى المربون والمربيات يعيشون حالة من التيه القانوني والمهني، دون أن يشملهم نظام أساسي خاص، يربطهم بالوزارة الوصية على القطاع، تتحقق معه مقاصد الإنصاف والترقي المهني والتحفيز والاستقرار الاجتماعي والنفسي، أو على الأقل إخضاعهم لسلطة مؤسسة أو وكالة عمومية للتعليم الأولي، تحررهم من مخالب جمعيات التعليم الأولي وعبثها، في وقت تراهن فيه الدولة على التعليم الناجع والفعال لحسم معركة الإقلاع التنموي الشامل، ومن غير الصواب، أن يبقي قطاع استراتيجي (التعليم الأولي) تحت رحمة بعض رؤساء الجمعيات من الأنانيين ومنعدمي المسؤولية، يعيثون فيه عبثا وجشعا، أمام مرأى ومسمع من يتحمل مسؤولية الرقابة بالضبط، في غياب آليات المراقبة والمساءلة والمحاسبة ، التي من شأنها حماية الشغيلة من أي عبث أو شطط محتمل؛
“مربو ومربيات” التعليم الأولي يضطلعون بدور محوري ومركزي في الفعل التعليمي التعلمي في مراحله المبكرة، ويستحقون الإنصاف والتحفيز والاعتراف والتقدير، على غرار باقي مكونات أسرة التعليم، ومن المخجل في زمن النموذج التنموي والإصلاح التربوي والحماية الاجتماعية والحكومة الاجتماعية كما يروج لها، أن يشتغلوا تحت رحمة مشغلين أنانيين، يفترض فيهم، خدمة التعليم الأولي والإسهام المواطن في النهوض به، خدمة لشرئح واسعة من أبناء الشعب، الذين لا حضن لهم، إلا حضن التعليم العمومي، وفي هذا الصدد، فالنقابات التعليمية، وانطلاقا من مسؤولياتها في الدفاع عن أوضاع الشغيلة التعلمية، لابد أن توجه البوصلة نحو شغيلة التعليم الأولي وتسلط الأضواء على ما تعيشه من هشاشة وحيف وتهميش، وترافع وفق ما هو متاح من الوسائل النضالية، عن مطالب هذه الفئــة التي تعاني في صمت، دون أن يطالها، ما تحقق لموظفي التربية الوطنية من مكاسب غير مسبوقة، بمناسبة النظام الأساسي الجديد؛
أما الوزارة الوصية على القطاع، فهي تتحمل من جهتها، مسؤوليــة ما تعيشه شغيلة التعليم الأولي من مظاهر الهشاشة والإقصاء والحيف وانسداد الأفق، وهي مدعـــوة في زمن الإصلاح والتحديث، إلى إيجاد حلول مبتكرة ومبدعة، من شأنها ضبط أوتار هذا القطاع الحيوي، بشكل يدخله إلى دائرة القانون والنظام، بما في ذلك، تمكين الشغيلة من إطار قانوني يحمي الحقوق ويصون الكرامة، تتحقق معه أهداف العدالة والمساواة والإنصاف، ومقاصد الاستقرار المهني والاجتماعي والنفسي، لشغيلة مكافحة من أبناء الشعب، تحتــرق في صمت ووجع، لتنيـر طريق الأمل والحياة، وما قيل عن المربين والمربيات، ينطبق بدرجات مختلفة مع شغيلة أخـــرى تبدو أكثر هشاشة وحيف وتهميش، دون أن يسمع لها صوت، ونقصد هنا “مؤطرو ومؤطرات” برنامج محو الأميـــة بالمساجد، الذين يحاربون ظلمة الأمية والجهل، بدون كلل أو ملل، داخل المساجد عبر ربوع المملكة، وليس أمامهم من خيار، سوى القبول بــواقع عمل، تعد الهشاشة عنوانه البــارز والعريض؛
وسواء تعلق الأمر بمربي ومربيات التعليم الأولي، أو بمؤطري ومؤطرات برنامج محو الأميــة بالمساجد، فكلاهما يتقاسمان جرعات الهشاشة واليأس والحيف والتهميش والإقصــاء، ويتشاركان الإحساس الفردي والجماعي بالتحكم ما ظهر منه وما بطــن، على أمل أن تصل الرسالة إلى صانعي القرار التربوي على التوالي، في التربية الوطنية، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، من أجل الانتباه والتدارك والعــلاج، وهذا ليس بعزيز، على شغيلة تحارب الظلام وتنير طريق الآمال والأحــلام…
المصدر: العمق المغربي