أترى كم يصبح الإنسان مسكوناً حين تُقيده سلاسل، وتسكب الألم في عمق جلده وتُجبره على المشي مع مَن لا يراه إلا ظلاً؟ وفي فيلم The Defiant Ones / “المتحديان”، ينبض السؤال: هل تُقاس قيمة روحك بلون بشرتك؟ هل يستطيع قلبٌ مكلوم أن يجد أخاه في نفسٍ لا تشبهه؟ يتداعى العالم من حولهما، أصوات البوليس والكلاب تُلاحق، وأقدام تُركض عبر المستنقعات والغابات، إلا أن الرحلة تتحول إلى هروب عميق من الظلم، وإلى بحث محموم عن كرامة مسلوبة. ويقول نوح مخاطباً رفيقه في السلسلة: “إن الطريق الذي نتركه خلفنا أوحش من الطريق الذي أمامنا… لأن الطريق الأول هو نحن”. وفي تلك الكلمات يكمن صوت الإنسان الحقيقي، صوت الألم والجوع للحياة، صوت الشوق لإنسانية تُولد حين يرى المرء أخاه.
ثمن لون البشرة
شاهدت هذا الفيلم وعمري عشر سنوات، ولصقت بذاكرتي صورة رجلين أحدهما أبيض والآخر أسمر، مكبلين بقيد حديدي، وصورة الرجل الأسمر لا يرغب في التخلي عن رفيقه ويقرر في نهاية الفيلم القفز من القطار… لماذا ترسخت هذه الصورة في ذاكرتي بعد مشاهدة يتيمة في القناة الأولى المغربية؟
إنه سحر السينما، لذلك أعدت مشاهدته مجدداً للمرة الثانية وأنا أنجز هذا المقال…
يتقدّم فيلم “المتحديان” (1958 / المدة 97 دقيقة)، من إخراج وإنتاج ستانلي كرامر وكتابة نيدريك يانغ وهارولد جاكوب سميث، وموسيقى إرنست غولد، وبطولة سيدني بواتييه وتوني كيرتس، بوصفه أحد أهم الأعمال السينمائية التي واجهت العنصرية الأمريكية بجرأة فنية وإنسانية. ويجمع الفيلم بين الدراما الاجتماعية والفيلم الطرُقي وفيلم الهروب، ليُعيد قراءة البنية العنصرية في المجتمع الأمريكي بعيون سينمائية صادمة وقادرة على تفكيك المسلّمات.
تبدأ الحكاية حين يهرب سجينان على نحو غير متوقع بعد انقلاب عربة نقل المساجين، ليكتشفا أنهما مقيدان بسلسلة واحدة لا تسمح لأي منهما بالتحرك منفرداً: الأول رجل (أسود) يُدعى نوح كولين، والثاني رجل أبيض يُدعى جون جاكسون. وتأتي هذه السلسلة كرمز بصري بالغ القوة، إذ لا يُجبر القيد الجسدي هذين الرجلين على التعاون فقط، وإنما يدفعهما إلى مواجهة تاريخهما الشخصي وتاريخ وطن منقسم على نفسه. ويعلن نوح في لحظة غضب تكشف جذور الوجع العميق: “لم أعد أغضب يا جون… لقد وُلدتُ غاضباً، وكبرتُ غاضباً، وما زال الغضب يسكنني منذ يومي الأول”. وتُجسّد هذه العبارة الألم المتراكم الذي يحمله رجل عاش حياته داخل نظام يحدد قيمته وفق لون بشرته.
تتطور بنية الفيلم السردية عبر سلسلة من المواقف التي تدفع البطلين إلى اختبار حدود الكراهية وحدود الإنسانية. ويُرغم الوسط القاسي من الغابات والمستنقعات والكلاب والشرطة والمطاردة إلى الغرباء الذين يلتقون بهم الرجلين على الاعتراف بأن الهروب لا يكون من الآخرين فحسب، بل من الأفكار التي نشأت معهما. ويتشاءم جون في إحدى اللحظات قائلاً: “لسنا إلا رجلين محكومين بالهرب… ولكن لا أحد يهرب من نفسه”. وتتحول هذه العبارة إلى محور فلسفي يربط الرحلة الجسدية بالرحلة النفسية.
في معنى دلالات الإنسانية
تشتغل هوية الفيلم الخطابية على مستويين متداخلين: خطاب سياسي يواجه العنصرية، وخطاب إنساني أعمق يسأل عن إمكانية تجاوز الماضي وبناء علاقة بين شخصين كانا يريان في بعضهما عدواً بالفطرة. ويعمل المخرج ستانلي كرامر على كشف تعقيدات هذا الخطاب عبر لغة بصرية تعتمد على الأبيض والأسود، لتبدو التناقضات الضوئية جزءاً من التناقضات الاجتماعية. وتمنح الموسيقى التصويرية للفيلم نبضاً متوتراً، يجعل كل لحظة هروب محمّلة بإحساس داخلي من الخوف والغضب والأمل.
تتجلى الخلفيات الثقافية للفيلم في السياق الأمريكي قبل ذروة حركة الحقوق المدنية، حيث كان المجتمع يعيش انقساماً حاداً بين قوى التغيير وقوى الهيمنة. ويصور الفيلم هذا الانقسام في صورة رجلين مُكرَهين على السير معاً، وفي لحظات التوتر حين يقول جون مخاطباً نوح: “ربما لم أختر أن أكون مقيداً بك… لكن يبدو أني اخترت أن أفهمك”. وتأتي هذه الجملة منعطفاً درامياً يُظهر أن التفاهم ليس نتيجة الاضطرار وحده، بل نتيجة الاعتراف المتبادل بالإنسانية.
تمنح البنية الفيلمية للفيلم طاقة بصرية خاصة، حيث يتعمّد كرامر جعل الحركة الجسدية للرجلين تبدو كرقصة قسرية، تتخللها صراعات وتناغمات مفاجئة. ويجعل التوتر المتواصل من العلاقة بينهما مختبراً لأفكار الفيلم حول الحرية: هل يمكن للمرء أن يكون حراً وهو يحمل في داخله قيود التعصب والعنصرية؟ وهل يمكن أن يتحول القيد الخارجي إلى فرصة لفهم الذات والآخر؟ ويبلغ الفيلم ذروته حين يقرر جون التضحية بفرصة هروبه ليبقى مع نوح، بينما يهتف الأخير في لحظة دهشة وانكسار: “لماذا عدت؟ لماذا اخترت السقوط معي؟” فيجيبه جون بصوت متعب ولكنه صادق: “لأنني لن أكون حراً إذا تركتك خلفي”. وهذه العبارة تُقفل دائرة الرمزية، وتعلن أن الحرية لا تتحقق بالانفصال بل بالاعتراف المشترك بالقيمة الإنسانية.
تُبرز قراءة الفيلم فلسفته الوجودية التي تضع الإنسان في مواجهة أسئلته الأعمق: هل يختار المرء كراهيته أم يرثها؟ وهل يستطيع تجاوزها أم يبقى أسيراً لها؟ ويقدّم الفيلم أطروحته الكبرى عبر رحلة تكسر القوالب، وتعيد تعريف مفاهيم القوة والضعف، لتؤكد أن النجاة لا تتحقق بالفرد وحده بل بالشراكة التي تُعيد بناء المعنى. وتكتمل هذه الأطروحة عبر أداء بواتييه وكيرتس اللذين يجعلان الحوار والحركة والتوتر حالات شعورية تعبر الشاشة بصدق لافت.
وبذلك يتحوّل The Defiant Ones / “المتحديان”، إلى فيلم يكتب تاريخاً بصرياً لمعادلة العنصرية والحرية في أمريكا، ويقدم درساً سينمائياً وجمالياً في كيف يمكن لفيلم هروب أن يصبح بياناً إنسانياً. ويثبت العمل، بعد عقود من إنتاجه، أن الفن قادر على كشف جراح المجتمع وتقديم رؤية بديلة، وأن السلسلة التي ربطت نوح وجون لم تكن مجرد أداة درامية، بل استعارة لمصير أمة بأكملها تبحث عن تفكيك قيودها عند سيدة بيضاء أوهمتهم بعد جوع وعطش مع ابنها…
ثلاثية الألم والرفض والاحتقار الاجتماعي
تتعمّق ملامح البطل في “المتحديان”، عبر شخصية نوح كولين، الذي ينهض في الفيلم بوصفه أكثر من مجرد سجين هارب، بل وعياً متوهجاً يواجه تاريخاً من القهر ويعيد النظر في العالم من حوله. ويبدأ نوح في رسم صورته كبطل مضاد، بطل لا يرتدي هالة البطولة الكلاسيكية، بقدر ما يتشكل من الألم والرفض والاحتقار الاجتماعي، ومن الإصرار على البقاء رغم الأبواب المغلقة في وجهه. ويعلن أحد أهم اعترافاته الداخلية حين يقول في أحد المشاهد: “لقد تعلمتُ منذ زمن أن أضع صدري أمام الريح، لأن الريح لن ترحم ضعفي”. وتكشف هذه العبارة وعمقها عن جوهر حساسيته، وعن علاقة شائكة بينه وبين عالم لم يمنحه سوى الندوب.
تتحرك فلسفة نوح داخل الفيلم بوصفها فلسفة مقاومة صامتة، تستمد قوتها من الوعي لا من السلاح، ومن القراءة المتأنية للآخر لا من الرغبة في هزيمته. ويعرف نوح أن الحياة لا تُمنح للضعفاء، لكنه يعرف أيضاً أن الضعف ليس خياراً، وأن الإنسان يولد محاصراً بظروفه التي لا يختارها. ويهمس لجون، في لحظة تبدو صغيرة لكنها محورية: “لسنا نختار قيودنا يا جون… ولكننا نختار كيف نحملها”. وتأتي هذه الكلمات كخلاصة فلسفية تُبدّد فكرة أن مصير الإنسان يتحدد بانتمائه العرقي، وتفتح باباً نحو قراءة أوسع للهوية والحرية.
تعود رؤية نوح لذاته إلى جذور مؤلمة تشكّلت في سياق اجتماعي عنيف، إذ يرى نفسه فرداً يقف في مواجهة نظام كامل، لا في مواجهة شخص واحد. ويفسر هذا الوعي غضبه الدفين، غضب لا ينفجر بقدر ما يغلي ويمنحه قدرة على الصمود. ويرى نوح في ذاته “رجلاً مجروحاً لكنه واقف”، كما يقول في إحدى لحظات الاعتراف الذاتي، حيث تتضح فيه صلابة تُخفي هشاشة، وقوة تُخفي شجناً عميقاً. وتبدو نظرته إلى الآخرين مشوبة بشك حذر، فقد جرب الخيانة، ورأى كيف يستخدم المجتمع الرجال (السود) وقوداً لتقوية بنيته الهرمية. ومع ذلك، يظل مستعداً لأن يرى نقطة ضوء في الآخر، شرط أن يثبت صدقه.
تنفتح علاقة نوح بجون على بعد إنساني يتجاوز التوتر العنصري الأولي، لتصبح مجالاً يعيد من خلاله اكتشاف العالم والإنسان. ويبدأ تدريجياً في الاعتراف بأن الصفات الإنسانية ليست حكراً على لون، وأن الخوف والأمل والضعف مشاعر مشتركة. ويقول مخاطباً جون بعد أن يراه يتردد بين البقاء والهرب: “إن لم تُدرك أي رجل تريد أن تكونه، فلن تنجو حتى لو كسرت كل سلاسل العالم”. ويتحول هذا القول إلى بوابة لإعادة النظر في معنى البطولة، إذ لا تُقاس بقوة الذراع، بل بقوة الاختيار.
تتجلى القضية الكبرى التي يواجهها نوح في السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن للإنسان أن يتحرر من القيود التي زرعها الآخرون في داخله؟ وهل يمكن لجرح عرقي أن يتحول إلى رؤية أكثر حكمة؟ وتدفع هذه الإشكالية نوح إلى مواجهة ذاته بالمقدار نفسه الذي يواجه فيه العالم، ليظهر كبطل مزدوج: بطل يقاتل الواقع، وبطل يقاتل داخله. وتنعكس هذه الازدواجية في نظرته الهادئة والموجوعة حين يقول: “إن أخطر القيود ليست تلك التي تُقيّد اليد، بل تلك التي تُقيد القلب”.
تُظهر حساسية نوح قدرة على الإصغاء إلى صمت الطبيعة وإلى خوف رفيقه وإلى دقات الهروب، فيتحول من رجل غاضب إلى رجل يقرأ العالم بعين من جُرح كثيراً. وتصبح رحلته في الفيلم درساً في الوعي أكثر مما هي درس في النجاة، وتتحول البطولة إلى ممارسة يومية للكرامة، وإلى جهد مستمر لترويض الألم وتحويله إلى حكمة.
وبذلك يقدم فيلم “المتحديان” بطلاً ينهض من ركام القهر ليعيد تعريف البطولة في سياق إنساني عميق، بطلاً يرى الإنسان قبل اللون، ويرى الحقيقة قبل الغضب، ويرى الحرية بوصفها فعلاً داخلياً قبل أن تكون انفلاتاً جسدياً من السلاسل.
في معادلة بين ظل رجل ورجل كامل
تتقدم الأبعاد الاجتماعية في فيلم “المتحديان”، بوصفها بنية مركزية تكشف عمق التمزق داخل المجتمع الأمريكي في الخمسينيات من القرن العشرين. ويبرز الفيلم مجتمعات ريفية مهمّشة، وأخرى غاضبة ترفض رؤية الإنسان خارج لونه، لتظهر أمريكا بوصفها أرضاً تتصارع فيها القوى المتناقضة. ويكشف هذا الصراع عن واقع اجتماعي يضع (السود) في أسفل الهرم، بينما يتعامل مع البيض باعتبارهم أصحاب الامتياز. ويهمس نوح، بنبرة تُجسّد هذا الواقع، قائلاً: “إنني أهرب من عالمٍ لم يرَ فيّ سوى ظلّ رجل… وما زلتُ أحاول أن أُثبت أنني رجلٌ كامل”. وتفتح هذه العبارة نافذة على معاناة ملايين الأمريكيين من ذوي البشرة السوداء، الذين عاشوا داخل بنية اجتماعية تُقصيهم وتشكك في إنسانيتهم.
تتعقد الأبعاد السياسية حين يستخدم الفيلم رحلة الهاربين لتفكيك العلاقة بين السلطة والعدالة. ويعرض الفيلم رجال الأمن كممثلين للسلطة الرسمية، لكنه يقدمهم بطريقة تكشف التفاوت في نظرتهم لطبيعة «العدو». فبعضهم يلاحق السجين الأسود باعتباره تهديداً وجودياً، بينما يرى السجين الأبيض خطأً بشرياً يمكن إصلاحه. ويعكس هذا التمييز منظومة سياسية غير عادلة، نظاماً يضع القانون بيد ويخفي التحيزات العرقية باليد الأخرى. ويُدرك نوح هذه الحقيقة حين يقول لجون: “إنهم لا يلاحقوننا بالطريقة نفسها… أنت تهرب من القانون، وأنا أهرب من العالم”. وتتجلى في هذه العبارة الحسّ السياسي الذي يرى في المطاردة انعكاساً عميقاً للمنظومة التي تصنع الجريمة قبل أن تعاقب عليها.
تنفتح الأبعاد النفسية للفيلم عبر الغوص في دواخل الشخصيتين، إذ يتخذ الفيلم من الهروب مساحة لتحليل البنية الشعورية لكل منهما.
ويعيش نوح صراعاً بين غضب قديم وخوف دفين ورغبة في إثبات الذات، بينما يتخبط جون بين طبقات من الإنكار، وذكريات هروب سابق من حياته أكثر من القانون. ويُعبّر جون عن هذا الارتباك قائلاً: “لم أهرب يوماً لأنني قوي… بل لأنني لا أعرف كيف أبقى”. وتظهر هذا القول هشاشته الداخلية، وتكشف أن كلا الرجلين يحمِل سجنه الخاص داخله، وأن السلسلة ليست سوى امتداد رمزي لتلك القيود النفسية.
صياغة معنى الهوية
تشكل الرمزية أحد أعمدة الفيلم الكبرى، إذ تتحول السلسلة الحديدية إلى استعارة للعنصرية، للقدر المشترك، وللعجز عن الانفصال عن الماضي. وتعمل الطبيعة القاسية، من الغابات والمستنقعات والليل الحالك، كمرآة لعالم مظلم يقف فيه الإنسان على حافة الجوع والخوف والبرد، بينما تعمل الأمطار والضباب كتعليق بصري على ضبابية الحدّ الفاصل بين الخير والشر. ويطلق نوح عبارة تُجسد هذه الرمزية قائلاً: “إن الطريق الذي نتركه خلفنا أوحش من الطريق الذي أمامنا… لأن الطريق الأول هو نحن”. وتكشف هذه الكلمات أن الفيلم لا يتحدث فقط عن مسار جغرافي، بل عن مسار وجودي يُعيد صياغة معنى الهوية.
تنتشر الأبعاد الجمالية للفيلم في طريقة التصوير بالحسّ الأبيض والأسود، الذي يخلق تبايناً حاداً بين الظلال والضياء، وكأنه يرسم الصراع العرقي في شكل بصري. ويجعل المخرج ستانلي كرامر من الإضاءة عنصراً تعبيرياً، إذ يضيء وجوه الشخصيتين حين تقتربان من الفهم، ويغرقهما في الظلمة حين يبتعدان عن ذلك. وتمنح الموسيقى التصويرية للفيلم نبضاً مؤلماً، وتعطي الرحلة نبرة قدرية تجعل كل خطوة محمّلة بإيقاع داخلي مشدود. وتأتي الصورة السينمائية مركبة بمساحات واسعة من الفراغ، لتأكيد فكرة الوحدة الإنسانية في مواجهة الكون، وكأن الهاربين يسيران في فضاء يُعيد ترتيبهما من جديد.
تتكشف الفكرة الأساسية التي يطرحها الفيلم في السؤال العميق: كيف يمكن للإنسان أن يتحرر من نظام اجتماعي وسياسي ونفسي راسخ منذ عقود؟ وكيف يمكن للوعي الفردي أن يقف أمام آلة ضخمة من التمييز؟ ويعود الفيلم ليحمل إجابة ضمنية عبر العلاقة المتبادلة بين نوح وجون، حيث يتحول القيد من أداة قمع إلى رابط إنساني، ويتحول الهروب من موت محتوم إلى بحث عن مستقبل يبحث عن معنى جديد.
ويقول جون في لحظة اعتراف: “إن الحرية ليست أن تركض بعيداً… بل أن تجد الطريق الذي لا تخاف السير فيه”. وتأتي هذه العبارة كخلاصة رمزية للفيلم، إذ تجعل الحرية فعلاً داخلياً قبل أن تكون تجاوزاً للمسافات.
وبذلك يتشكل فيلم “المتحديان”، كعمل يتجاوز حدود الحكاية، ويكتب عبر مشاهده معادلة اجتماعية وسياسية ونفسية وجمالية، تجعل من السينما أداة تفكير ومرآة وصرخة، وتمنح الإنسان فرصة ليرى ذاته داخل ظلال الماضي ونور الاحتمال.
يغدو فيلم The Defiant Ones، أكثر من فيلم هروب، إذ يتحول إلى مرآة تكشف جروح مجتمع بأكمله. ويعيد طرح سؤال العدالة والحرية ومعنى أن يرى الإنسان إنسانيته في الآخر. وتتقاطع إشكالياته بين العنصرية والقدر والمسؤولية الأخلاقية، ليصبح العمل شهادة على قدرتنا على تجاوز القيد حين نواجه أنفسنا أولاً. ويهمس جون، في لحظة اعتراف موجعة، قائلاً: “لم أكن أفهم لونك… كنتُ فقط أخاف أن أرى نفسي في عينيك”. وهكذا يعلن الفيلم أن التحرر يبدأ حين نكفّ عن الهروب من الحقيقة المرة…
وبعبارة صغيرة عاشقة للسينما: فيلم يستحق المشاهدة.
المصدر: هسبريس
