فوضى “الأسواق الرمضانية” تبرز الحاجة إلى هيكلة الأنشطة الاقتصادية
مع بداية رمضان، يرتفع إيقاع الاستهلاك لدى المواطنين المغاربة بشكل مُمَيز عن باقي الفترات الأخرى من السنة، ومعه تجري من جديد دماء الحيوية في شرايين العديد من الأنشطة الاقتصادية المناسباتية بهدف الاستجابة للطلب القياسي على المواد الاستهلاكية؛ غير أن اللافت هو أن هذه الأنشطة، في عمومها، تبقى رهينة أشكال اقتصادية غير مهيكلة.
وتثير حالة الأسواق والشوارع المغربية الكثير من التساؤلات حول دوافع استمرار انتعاش هذه الأنشطة الاقتصادية غير المهيكلة بشكل يؤثر سلبا على الاقتصاد المهيكل، وحول مدى نجاح التدابير الوطنية في دفع مهنيين في اتجاه هيكلة نشاطاتهم؛ مما بإمكانه أن يعود إيجابا على حقوق المستخدمين وميزانية الدولة كذلك.
وتُقدر المؤسسات الوطنية والدولية عدد مزاولي الأنشطة غير المهيكلة بالمغرب في نسبة تتراوح ما بين 60 و80 في المائة؛ وهو ما أكده تقرير سابق للبنك الدولي تحدث عن “كون 77.3 في المائة من المغاربة يشتغلون في أعمال غير منظمة”، وهي النسبة الأعلى بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وأكد فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، في وقت سابق، على ضرورة “استحضار الجانب الاجتماعي عند معالجة هذه القضية، على اعتبار أن المقاربة الضريبية، بما فيها المقاول الذاتي، أبانت عن محدوديتها”.
وفي هذا الصدد، قال ادريس العيساوي، محلل اقتصادي، إن “هذه الأنشطة غير المهيكلة تظل مؤسسة على أسس غير علمية؛ فهي أنشطة يمارسها المواطنون بدون أي شكل من الالتزام بحقوق العمال والواجبات الاجتماعية، حيث لا تستفيد الدولة في هذا الجانب، على اعتبار أن هؤلاء لا يؤدون أية رسوم جبائية”.
وأوضح العيساوي، في تصريح لهسبريس، أن “هذه الأنشطة تظل غير قادرة على التواجد ضمن تصنيفات الأنشطة الاقتصادية المعروفة، ما دام أنها لا تخضع لنوع من الهيكلة والمأسسة”، لافتا إلى أن “تنظيمها يعني إدراجها ضمن نسق اقتصادي يُفضي إلى التزامها بأدائها لواجباتها، بما فيها الواجبات الضريبة لفائدة الدولة، مما من شأنه المساهمة في استدامة الخدمات العمومية”.
ولفت المتحدث إلى أن “الدولة تقوم بمجهود كبير في سبيل تنظيم هذه الأنشطة وتجنب الفوضى، حيث تحرص على إعادة ترتيب عدد من القطاعات والمدن، في الوقت الذي لا يزال فيه عدد من المهنيين يتهربون من أي شكل من أشكال الهيكلة والنظام”، لافتا إلى أن “هذه الأنشطة لديها أرباح مهمة، في مقابل مصاريف محدودة، مقارنة مع نظيرتها المهيكلة”.
من جهته، أفاد محمد جدري، خبير في المجال الاقتصادي، بأن “القطاع غير المهيكل يُعد خزانا ليد عاملة مهمة ويوفر فرص شغل مباشرة لعدد من المواطنين المغاربة، حيث يحتضن هذا القطاع نسبة مهمة من القوة الوطنية العاملة؛ غير أن السبب الذي يدفع المواطنين أساسا إلى الاشتغال ضمن هذا القطاع هو كونه يعطي تنافسية حقيقية، فكلما تم تفادي الضرائب والتكاليف الاجتماعية الأخرى كان هامش التنافس مرتفعا”.
وبيّن جدري، في تصريح لهسبريس، أن “المغاربة يلجؤون كذلك إلى الأنشطة غير المهيكلة تفاديا لمجموعة من التعقيدات الإدارية التي تهم استصدار الرخص وتأسيس المقاولات، فضلا عن الولوج إلى الصفقات العمومية، فضلا عن رغبتهم في تجنب أداء الواجبات الضريبية والتحملات الاجتماعية للمستخدمين، في وقت يظل فيه النشاط غير المهيكل مرنا”.
واعتبر الخبير في المجال الاقتصادي أن “تنزيل مقتضيات ورش الحماية الاجتماعية يظل فرصة وجب استغلالها بهدف جذب مختلف النشطاء بالقطاع غير المهيكل قصد المساهمة في هيكلة الأنشطة التي يمارسونها، على اعتبار أن ذلك سيمكنهم من الاستفادة من التأمين الإجباري عن المرض والتعويضات العائلية ومعاش الشيخوخة، فضلا عن مِنح فقدان الشغل”.
وأشار المتحدث ذاته إلى ضرورة “استغلال ميثاق الاستثمار الحالي بهدف دعم أصحاب المشاريع والمقاولات الصغرى، فضلا عن وجوب توجه البنوك نحو اعتماد المرونة في مَنْحِ القروض التي تخص تأسيس أنشطة اقتصادية بطرق هيكلية، إلى جانب ملحاحية إصلاح المنظومة الضريبية وإعادة النظر في المساطر الإدارية التي تخص الاستثمار”.
المصدر: هسبريس