“فلسطين قضية وطنية”.. كتاب يصون ذاكرة مواقف النخب والدعم الشعبي
مؤلَّفٌ جديد ينهض بمهمة حفظ الذاكرة الوطنية لدعم المغاربة القضية الفلسطينية، منذ زمن صلاح الدين الأيوبي و”حارة المغاربة”، وصولا إلى كتابات وتصريحات ومبادرات أبرز مثقفي وسياسيّي المملكة في القرنين العشرين والحادي والعشرين، مرورا بمواقف واحتجاجات وعرائض جماهيرية وحزبية خلال المرحلة التي كان المغرب قابعا فيها تحت الاحتلال الأجنبي الأوروبي”.
“فلسطين.. قضية وطنية”
بعنوان “فلسطين.. قضية وطنية”، صدر عن “دار الملتقى” كتاب يوثّق كتابات ومواقف أعلام، من قبيل: علال الفاسي، المهدي بن بركة، عبد الرحيم بوعبيد، عمر بنجلون، أبراهام السرفاتي، عبد الله العروي، عزيز بلال، إدمون عمران المالح، عبد الكبير الخطيبي، أحمد المجاطي، جاكوب كوهين، محمد بوعبيد حمامة، إسماعيل العلوي، جمال بلخضر، لحسن أيوبي، عبد الإله بلقزيز، عبد الإله المنصوري، مصطفى الغديري، أحمد الجوماري، عبد السلام بوحجر، وسيون أسيدون.
هذا العمل، الذي أعدّه الباحث عبد الصمد بلكبير والذي يخصَّص ريعه لدعم القضية الفلسطينية، تحضر فيه نصوص وشهادات وحوارات ووثائق؛ من بينها ديباجة استنجاد صلاح الدين الأيوبي بالسلطان المغربي يعقوب المنصور الموحدي، وتوقيف حي المغاربة بالقدس، ونص وثيقة وقف المصمودي المغربي دُورَه بحارة المغاربة.
ويجد القارئ في الكتاب أيضا تفكيرا في “مكتسبات ووعود 7 أكتوبر”، وعالمها وعصرها الجديد، مع ذكره أن هذا الموعد الفلسطيني وما تلاه من قصف وإبادة “انكشفت” معه “عورة بعض من أهم الرموز المزيفة للحداثة في الغرب، يورغن هابرماس، كما في المغرب، الطاهر بنجلون، وما بينهما العديد من (مثقفين) جبناء”.
وذكر استهلال الكتاب أنه يروم “إسعاف الذاكرة وترميمها”، وهو موجه بالدرجة الأولى إلى الشبيبة، عن طريق “توثيق الروابط العضوية والجدلية ما بين الشعبين المغربي والفلسطيني، ونخبهما الإدارية الرسمية، والمدنية الثقافية والحزبية والنقابية… المناضلة”.
ويستهدف هذا الكتاب أيضا “من كانوا وما زالوا (علنا) يعتبرون أنفسهم مناضلين ديمقراطيين؛ غير أن وطنيتهم، بالتالي قوميتهم، تآكلت بفعل الانغماس في مفاهيم وقيم الليبرالية المتوحشة والعولمة الإمبريالية”.
وينفي المؤلَّف عن سطوره “الرد على أحد”؛ بل هو “فقط تذكير بتاريخ مجيد، لمواقف الشعب المغربي التي تعتبر القضية الفلسطينية قضية وطنية، مثلها مثل قضايا الصحراء والديمقراطية والتصنيع والتشغيل والاستقلال والسيادة… لا قضية تضامن”.
“نضال مشترك”
يطّلع القارئ في كتاب “فلسطين.. قضية وطنية” على نصوص وثائق تاريخية مهمة في معرفة تاريخ وعي المغاربة بالقضية الفلسطينية ودفاعهم عنها؛ من بينها العريضة التي وقّعها آلاف المغاربة في شتنبر من سنة 1929، ووجّهوها إلى رئيس وزراء إنجلترا، عبر قنصلها العام وباشا مدينة فاس، علما أن سلا شهدت في المناسبة نفسها اكتتابا لدعم الفلسطينيين قمعته السلطة الاستعمارية الفرنسية.
ومن بين ما ورد في العريضة المذكورة: “نبلغكم وعليكم أن تبلغوا الحكومة الأنكليزية الرسمية استياء عموم المغاربة المسلمين استياء عميقا للحوادث المؤلمة التي وقعت في فلسطين، والظلم الفادح الذي أصاب المسلمين بتلك الناحية من جراء المساعي الصهيونية ومطالبها المضحكة”.
ويورد الكتاب وثيقة لاحتجاج “سكان العاصمة الرباطية” المبلَّغ لمُمَثّل الدولة البريطانية بالمغرب سنة 1937 احتجاجا “على سياستها (دولته) بأرض فلسطين المقدسة، حيث سلبت إخواننا العرب حقوقا مكتسبة منذ عشرات القرون، لكي تعزز بتقوية جانب الصهيونيين”. كما يقدم نماذج عرائض تضامنية مع الشعب الفلسطيني؛ من بينها ما عمم بسلا سنة 1933، ونماذج رسائل من بداية انكشاف ما يقع من احتلال وتمييز في فلسطين المحتلة قبل إعلان قيام دولة إسرائيلية، وتجمعات تشرح ما يقاسيه الفلسطينيون منذ ثلاثينيات القرن العشرين بعد صلاة الجمعة، وأشغال “اللجنة الوطنية لمناصرة فلسطين والبلاد المقدسة” بفاس، ونداءات جمع الإعانات لفلسطين بالمنطقة الخليفية، ومن قبائل متعددة وأفراد، مع إيراد نصوص الرسائل ووثائق التواصل مع المسؤولين عن التحويل إلى فلسطين المحتلة، ومن بينها وثائق محاكم شرعية مغربية.
ومن بين ما يورده الكتاب توجيه من أحد أعلام الحركة الوطنية أحمد بلافريج، باسم حزب الاستقلال، كتب فيه بعد “قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين سنة 1947” في مغرب لا يزال يقبع تحت الاحتلال الأجنبي الفرنسي: “وإن حزب الاستقلال ليوجه نداءه الحار إلى جميع المواطنين، يحذرهم من الاستفزازات التي صارت بعض الأوساط المغرضة والمتسترة جبنا وخداعا تقوم بها ضد اليهود. فيجب عليهم أن لا يستجيبوا لدعاة الفتنة (…) وإن موقفنا ضد الصهيونية لا يقتضي العداء لليهود المواطنين الذين يتمتعون بالجنسية المغربية وتشملهم رعاية جلالة الملك، إذ هؤلاء مغاربة لهم ما لنا وعليهم ما علينا. أما الصهيونية فهي فكرة استعمارية تسلطية تريد الاستيلاء على ما في يد الغير ظلما وعدوانا”.
ثم ختم التوجيه بكتابة: “لذلك، يطلب الحزب من جميع المغاربة أن يقاوموا فكرة الصهيونية ويعرقلوا أعمالهم. ويوجه هذا الطلب بصفة خاصة إلى المواطنين اليهود، ليتعاونوا مع إخوانهم المسلمين في هذا العمل الإنساني الذي يرمي إلى الدفاع عن حقوق فلسطين الأصليين من مسلمين ومسيحيين ويهود على السواء”.
ويعرض المؤلَّف وثائق تأسيس “الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني” سنة 1968، التي أطلقها “خيرة الوطنيين المغاربة، ومن بينهم مقاومون مباشرون للاستعمار الفرنسي (والإسباني)، وأعضاء من قيادات هيئات حزبية وشعبية، وعلماء وأساتذة وأطباء ومحامون، قرروا أن يعطوا لهذه الجمعية صبغة وطنية واسعة، حتى تتمكن، وتتمكن فروعها بكل أنحاء المغرب، من جمع كل إمكانيات المساعدة والمساندة للمقاومة الفلسطينية”.
ويتطرّق الكتاب للمناشير الصهيونية بالمدن المغربية، التي دعت اليهود المغاربة إلى الهجرة إلى إسرائيل. كما يتطرق للرد عليها عبر “بيان المغاربة اليهود ضد التهجير”، الذي وقّع عليه مجموعة من المغاربة غير المسلمين مطلع ستينات القرن الماضين من مهن متعددة؛ من بينهم أعلام من قبيل: أبراهام السرفاتي، شمعون ليفي، عمران المالح، قائلين في ما نشرت نصه جريدة “التحرير”: “يجب علينا، مسلمين ويهودا، أن نوحد جهودنا لاستكمال استقلالنا الوطني، وخلق شروط حياة سعيدة تضمن الديمقراطية والرفاهية والأمن للجميع. وبما أن اهتمامنا الأول هو الدفاع عن بلادنا ضد كل افتراء، فنحن نفضح الحملة الدولية التي شنها المداهنون المراؤون الاستعماريون ضد المغرب لخلق جو من الميز العنصري عندنا بقصد الحط من سمعة بلادنا، وفصل الطائفة اليهودية عن مجموع الشعب”.
ويذكّر العمل بإصدار “جريدة فلسطين” بالمملكة، عقب نكسة 1967، “استجابة لضرورة ملحة، وهي محاربة الدعاية الصهيونية المسيطرة على معظم أجهزة الإعلام الغربية، وتمكنها من تغليط الرأي العام الدولي، ومن أن تثبت في الوقت نفسه تلك “الواقعية”، المعتمدة على تحريف الواقع”.
كما يستحضر مضامين وثيقة تحصي العقارات المهدومة أو المصادرة بحي المغاربة صيف 1967، مع توثيق أسماء ساكنيها وأوصاف العقارات، ويذكّر بمضامين وثائق “الاتحاد الوطني لطلبة المغرب” حول الحركة الصهيونية في “مقرر فلسطين”، وأسباب اعتبار “القضية الفلسطينية قضية وطنية”، ونداء “مثقفي مجلة (أنفاس)” المغربية إلى كُتّاب المغَارِب؛ “لتوطيد الكفاح ضد الاستعمار بجميع أشكاله، وخصوصا الثقافية، الذي يستخدم، ولو بأساليب ماكرة، الوسائل نفسها التي يستعملها الاستعمار الإمبريالي الصهيوني في فلسطين بغية مسخ وتشويه ثقافتنا”، و”تنمية الإعلام بين الرأي العام الوطني والعالمي في موضوع الهمجية التي تكمن في طمس ثقافة الشعب الفلسطيني من قبل الاستعمار الصهيوني”.
ومن السنوات القليلة الماضية ترد في الشقّ الوثائقي من الكتاب نصوص “نداء الرباط: الميثاق الوطني لمناهضة التطبيع” سنة 2010، وتأسيس “المرصد الوطني لمناهضة التطبيع” سنة 2013، و”مقترح قانون تجريم التطبيع مع الكيان الإسرائيلي” سنة 2013.
ومن بين مضامين الكتاب الدّالّة رسالة مغربيين وُلدا لأسرتين يهوديتين إلى القائد الفلسطيني ياسر عرفات، هما السياسيان أبراهام السرفاتي وسيون أسيدون، في الوقت الذي “يحتل فيه جنود الهمجية الصهيونية جنوب لبنان، معتمدين على الدعم الفعال للغرب الإمبريالي، ومستفيدين من سكوت وتواطؤ الرجعية العربية”، مع تشديدهما على أن ما حدث “حجة تاريخية أخرى في وجه العالم، عن طبيعة الصهيونية العنصرية، التي تسعى إلى إبادة الشعب الفلسطيني، على غرار ما مارسته النازية من (حل نهائي للمشكلة اليهودية) عن طريق الإبادة الجماعية”.
المصدر: هسبريس