اخبار المغرب

فقد 8 أفراد من أسرته.. الزلزال يحول حياة كفيف بالحوز إلى جحيم (فيديو)

“مازالت تحدثني وتواسيني وتحثني على الصبر.. أسمع صوتها دائما”، هكذا قال عبد الرحمان بصوت يقطر حزنا، متحدثا عن زوجته التي فارقت الحياة تحت الأنقاض إبان زلزال الحوز. أدرك هذا الكفيف أنه فقد أكبر سند بموت رفيقة دربه وأم بنتيه. تزداد نبرة الحزن في صوته كلما استعاد تلك اللحظات العصيبة للفاجعة وأمعن في وصفها.

يقطن عبد الرحمان في غرفة خشبية بجماعة ويركان في إقليم الحوز، منذ تهدم بيته عندما ضرب زلزال المنطقة قبل سنة، يقول متنهدا إن “الحياة باتت صعبة جدا”، لكنه رغم ذلك يواجه ظروف التشرد وصعاب توفير قوت يومه في منطقة نائية بعزيمة قوية وعكاز، كشجاع يواجه جيشا مدججا بالأسلحة بصدر عار.

فقد هذا الكفيف يوم الثامن من شتنبر من السنة الماضية ثمانية أفراد من أسرته؛ والداه وزوجته وابنته وأخوه وابنة أخته وزوجة أخيه وابن أخيه. مازالت ذاكرته تستحضر تلك اللحظات العصيبة عندما اهتزت الأرض تحت الأقدام وتساقطت أجزاء البناء على الرؤوس.

يقول عبد الرحمان إنه احتضن إحدى بنتيه والأنقاض تتهاوى على جسديهما، وهو يحاول حمايتها، بينما زوجته وبنته الثانية في غرفة أخرى. ظل محاصر بالأنقاض إلى أن بلغ إلى سمعه صوت المنقذين وهم ينادون: “هل من أحد هنا”، ليجيبهم “أنا عبد الرحمان وابنتي”.

ومن أصعب اللحظات وأشدها وقعا على نفسه، تلك التي شرع فيها المنقذون في استخراج جثث أقاربه تباعا طيلة ثلاثة أيام بعد الفاجعة، “ما زلت أسمع تلك الأصوات تهمس في أذني” يقول بنبرة حزينة.

عندما يحس بأن كاهله لم يعد يقوى على تحمل الحزن وظروف العيش الصعبة ومهمة بناء بيت جديد التي انضافت إلى همومه ومشاغله، يتشبث بإيمانه بالله قائلا: “الحمد لله.. هذا قدر الله”، وهو ما يمنحه شيئا من التوازن النفسي لمواصلة المسير متلمسا مستقبله الغامض بطرف عصاه.

يحكي عبد الرحمان لجريدة “العمق” أنه لم يذق طعم النوم ليلة واحدة منذ الفاجعة، “حاولت مرارا لكنني لم أستطع. أبيت كل ليلة بجفنين مفتوحين إلى حدود السادسة صباحا، بعدها أنام قليلا”، حيث يواجه كل ليلة سيلا من الأفكار والذكريات السيئة، تتزاحم في رأسه الذي شجته أنقاض منزله قبل عام.

يقضي عبد الرحمان جزءا من يومه أمام كوخه الخشبي، جالسا على كرسي بلاستيكي مستظلا بسقيفة، مرهفا السمع لزقزقة بضعة عصافير يضعها في ثلاثة أقفاص معلقة، قائلا إنها تخفف عنه وطأة الحياة وتؤنس وحدته، بل إن هذه المخلوقات اللطيفة “تحس بالأمان عندما يقترب منها”، لذلك فإنه يناجيها كل يوم.

وجد هذا الكفيف نفسه محاصرا بين الوحدة والتشرد والفقر، بعد فقدان زوجته التي كانت بمثابة عينه التي يرى بها ويده التي تساعده على قضاء مختلف أغراضه، ومع ذلك “فإنهم يطلبون مني أن أباشر إجراءات بناء منزل بنفسي”، يقول عبد الرحمان محتجا.

“استلمت 20 ألف درهم، وهي الدفعة الأولى للدعم المخصص لإعادة بناء منزلي”، يقول عبد الرحمان ويستدرك “لكن كيف لشخص كفيف أن يباشر البناء؟ وهل هذا المبلغ كاف أصلا”، مطالبا المسؤولين بإيجاد حل له “لا أريد غير غرفة ومطبخ ومرحاض”.

يحكي عبد الرحمان عن معاناته اليومية لمباشرة إجراءات إعادة بناء منزله الذي تهدم، قائلا إن الزلزال غير ملامح مدشره، لذلك فإنه يجد صعوبة كبيرة لمعرفة الاتجاهات، فيسير أحيانا بغير هدى، كما يواجه إكراهات عدة خلال تردده على عدد من الإدارات.

في إحدى المرات، يقول عبد الرحمان، إنه قصد مسؤلا بإحدى الإدارات للاستفسار عن بعض الإجراءات التي تخص إعادة بناء منزله، فاسترسل في الحديث عن مشكلته لدقائق، لكنه اكتشف في الأخير أن المسؤول غادر “وخلاني تنهضر مع الحيط”، قائلا إن مثل هذه التصرفات تحز في نفسه وتعمق إحساسه بالحزن.

يحاول هذا الكفيف كل يوم تلمس مستقبله، لكن طرف عصاه لا يلمس سوى الأحجار الناتئة التي تميز منطقته الجبلية. أما إعادة بناء بيت جديد فبات أشبه بمهمة مستحيلة، خصوصا أن أشخاصا أصحاء من جيرانه عجزوا عن ذلك على الرغم من استفادتهم من الدعم المخصص لإعادة الإيواء.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *