حذّر حقوقيون وباحثون في مجال الهجرة من “استمرار ترحيل المهاجرين من جنوب الصحراء نحو المدن الصغيرة والحواضر البعيدة كما حدث مؤخرا بمدينة الرشيدية، حسب ما تناقلته صفحات محلية”، داعين الدولة المغربية إلى “الكف عن هذه السياسة واحترام التزاماتها الدولية والدستورية المتعلقة بحقوق الإنسان؛ وعلى رأسها الحق في الكرامة والاستقرار”.

“التزام دستوري”

إدريس السدراوي، رئيس الرابطة المغربية لحقوق الإنسان، قال إن “جمعيتنا تتابع بقلق بالغ ما يجري من ترحيل جماعي لمهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء في ظروف لا تراعي كرامتهم الإنسانية، حيث يتم نقلهم في شاحنات وتفريغهم في مدن صغيرة؛ مثل ما حدث بمدينة الرشيدية مؤخرا”.

وأضاف السدراوي، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “هذه الممارسات تمسّ بشكل مباشر كرامة الإنسان، وتتناقض مع التزامات المغرب الدولية والدستورية التي تضمن الحق في الحماية، الكرامة، وعدم التعرض للمعاملة القاسية أو المهينة”.

وسجل رئيس الرابطة المغربية لحقوق الإنسان أن “المغرب، الذي صادق على أهم الاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الإنسان من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية إلى اتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية حماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، مُلزم باحترام هذه الالتزامات على أرض الواقع، بعيدا عن أية ممارسات مهينة أو تعسفية”، مشددا على أن “القانون الوطني يُقرّ بضرورة مواءمة السياسات الداخلية مع هذه المواثيق”.

وشدد الفاعل الحقوقي عينه على أن “ما يزيد الوضع خطورة هو أن هذه السياسات تتعارض مع ما ورد في خطاب الملك الذي شدّد على أنه لا مكان لمغرب يسير بسرعتين”، لافتا إلى أنه “بدل دعم المدن المهمشة وتوفير مقومات التنمية لها، تتحول إلى فضاءات لتجميع المهاجرين والمرضى العقليين؛ مما يضاعف من هشاشتها الاجتماعية والاقتصادية ويُعرّض ساكنتها لتبعات سلبية قد تمس الأمن المحلي والسلم الاجتماعي”.

وطالب المتحدث سالف الذكر بـ”وقف كل أشكال النقل والترحيل القسري، واعتماد مقاربة إنسانية تحترم الكرامة وتُعالج الحالات على أساس فردي، مع إحداث مراكز استقبال لائقة بإشراف مؤسسات الدولة وبشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان والجمعيات ذات المصداقية”، مؤكدا على “ضرورة دعم الجماعات المحلية المستقبِلة للمهاجرين بالموارد والخدمات الأساسية، وتوفير التواصل الرسمي الشفاف مع الرأي العام حتى لا تظل هذه المدن وحدها تواجه أعباء قرارات مركزية”.

كما أفاد رئيس الرابطة المغربية لحقوق الإنسان بأن “احترام كرامة المهاجرين ليس خيارا سياسيا أو إداريا؛ بل التزام دستوري وقانوني وأخلاقي، وضرورة لتعزيز صورة المغرب كبلد اختار بوعي طريق حقوق الإنسان والعدالة المجالية”.

“أسئلة كثيرة”

عثمان مشاك، أستاذ باحث في القانون الدولي مختص في قضايا الهجرة واللجوء، قال إن “هذا السلوك، الذي يبدو من خلال المعطيات المتوفرة أن السلطات المغربية تلجأ إلى ممارسته من حين إلى آخر، يثير الكثير من الإشكالات؛ لعل أهمها الجانب القانوني، أي ما هو المرتكز القانوني الذي تلجأ إليه السلطات لممارسة هذا السلوك؟”.

وأضاف مشاك، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “القانون المغربي الخاص بالدخول والإقامة ومحاربة الهجرة غير النظامية 0203 يعطي للإدارة سلطة تأويلية وتقديرية واسعة بشأن الكثير من المقتضيات، وخاصة المادة 31 وبعض المقتضيات الأخرى التي تتيح للسلطات إمكانية إعداد لائحة من الأجانب المرشح ترحيلهم وتجميعهم في أماكن معينة داخل التراب الوطني في انتظار توفر شروط الترحيل”، موضحا أن “هذا المقتضى غالبا هو الذي تستند إليه السلطات لنهج مثل هذا السلوك”.

وتساءل الأستاذ الباحث في القانون الدولي مختص في قضايا الهجرة واللجوء: “هل فعلا أن ترحيل هؤلاء إلى مدن أخرى يكون دائما بهدف الترحيل؟”، ليجيب: “الجواب هو لا، ويبدو أن الهدف من السلوك بالدرجة الأولى هو توزيع هذه الفئة على بعض المدن، والإحالة دون تجمعهم في مكان واحد، وتفادي ما ينتج عن ذلك من توترات”.

كما أشار المتحدث إلى أن “مدى انسجام هذا السلوك مع القانون الدولي هو نقاش آخر، وفيه الكثير من التفاصيل الدقيقة؛ لعل أهمها ضرورة احترام الإجراءات المسطرية في اتخاذ مثل هذه القرارات، وتمكين المعنيين بها من وسائل الانتصاف والطعن”.

وقال مشاك إن “السلطات تلجأ إلى هذا السلوك في حالات محددة، خاصة تلك التي يتعذر، لصعوبات معينة، تنفيذ قرارات الإبعاد، أو في الحالات التي تؤدي فيها تجمعات المهاجرين في أماكن معينة إلى توترات اجتماعية”، مشددا على “الحاجة الماسة اليوم إلى تعديل القانون، الذي شرع المغرب فيه فعلا منذ 2013 مع السياسة الوطنية الجديدة للهجرة واللجوء، وتسريع دخول القانون الجديد حيز النفاذ”.

المصدر: هسبريس

شاركها.