أكد فاعلون بيئيون بمناطق الجنوب الشرقي أن الحرائق الأخيرة بإقليم زاكورة تشد الانتباه إلى “فشل المخططات الاستراتيجية التي تم العمل بها في السنوات الأخيرة”، مبرزين أن “هذه البرامج تبدو وكأنها لم تأخذ، عمليا، بعين الاعتبار الهشاشة البيئية المتفاقمة بفعل التغيرات المناخية وندرة الموارد المائية، وصعوبة التدخل في بنية معقدة؛ ما ساهم في تفاقم الأضرار واتساع رقعة الحرائق سنة بعد سنة”.

ودعا الفاعلون، الذين تحدثوا إلى جريدة هسبريس، إلى “إعادة النظر في نماذج التنمية المعتمدة بالجنوب الشرقي، خصوصا داخل النسيج الواحي، والتركيز على خطط إنقاذ أقوى وبرامج وقائية مستدامة، تشمل المزيد من التنخيل، وتحديث آليات التدخل السريع لمكافحة حرائق الواحة، مع الاستثمار في التربية البيئية وتحسيس الساكنة بأهمية الحفاظ على هذا الغطاء كوسيلة أساسية لمجابهة التغيرات المناخية”.

“خطة مغايرة”

أكد جمال أقشباب، رئيس جمعية أصدقاء البيئة، على ضرورة تحيين خطة العمل الاستراتيجية لوزارة الفلاحة بشأن حماية الواحات من خطر الحرائق، معتبرا أن “الواقع يكشف أنها لم تكن ناجعة بما يكفي، بدليل تصاعد وتيرة الحرائق واتساع رقعتها خلال السنوات الأخيرة”.

وتابع أقشباب، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، أن “المقاربة الحالية تفتقر إلى التنسيق العملي بين المتدخلين، كما أنها لم تستوعب التغيرات المناخية ولا التحولات الزراعية التي طرأت على المنطقة”.

وأضاف رئيس جمعية أصدقاء البيئة أن “عددا من الأسباب الخفية والمركبة ما زالت صعبة التحليل، وعلى رأسها استنزاف الفرشة المائية نتيجة التوسع غير المضبوط في زراعة البطيخ الأحمر؛ وهو ما أدى إلى موت النخيل وتحوله إلى وقود جاهز للحرائق”، موضحا أن “ساكنة الواحات لديهم ارتباط كبير بهذا الإرث البيولوجي وهم يحافظون عليه دائما ويعملون على حمايته”.

كما أكد المتحدث عينه أن “البنية التحتية المخصصة للتدخل في حالات الطوارئ، من نقاط ماء ومسالك ولوج ومعدات، غائبة تماما أو غير كافية”، مضيفا أن “ما وقع في اليومين الأخيرين يعكس هشاشة منظومة الوقاية والتدخل، حيث لم تتمكن فرق الوقاية المدنية من الوصول إلى بؤر الحريق، بسبب غياب المسالك، كما لم تتوفر على مصادر مياه للتدخل السريع”.

وأبرز أقشباب أن “الساكنة المحلية ورجال الوقاية المدنية هم أول المتضررين من هذا القصور في الرؤية”، داعيا إلى “فتح نقاش شفاف ومسؤول حول من يتحمل مسؤولية عدم تنفيذ الميزانيات المرصودة، وإشراك المجتمع المدني في بلورة حلول ناجعة”، مشددا على أن “استمرار النهج نفسه سيؤدي إلى فقدان ما تبقى من غطاء واحي، ويقضي على منظومة بيئية فريدة تواجه خطر الاندثار”.

“تحقيق الإنصاف”

بدوره، قال نجيب عبد الوهاب، الباحث في المناخ والتنمية المستدامة بمناطق الجنوب الشرقي، إن “المخطط الرسمي الذي تم التعاطي وفقه الوطنية مع الواحات يحتاجُ إلى مراجعة عاجلة”، مشددا على “ضرورة التحيين وفق منهجية تشاركية تُصغي للفاعلين المحليين والحقوقيين والمجتمع المدني والخبرة المحلية، بما أن اعتماد مقاربة مركزية في تدبير قضايا الواحات لم يعد مجديا”.

وأوضح عبد الوهاب، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، أن “المتضررين من حرائق الواحات خلال السنوات الأخيرة لم يستفيدوا من صندوق التضامن ضمن الوقائع الكارثية، رغم الخسائر الكبيرة التي تكبدوها، سواء على مستوى المحاصيل أو مساكنهم أو موارد عيشهم”، داعيا إلى “إعمال الإنصاف لتجاوز ضعف ثقة الساكنة في مؤسسات الحماية الاجتماعية، وإعادة النظر في معايير الاستفادة؛ حتى يكون أكثر عدلا ونجاعة في الاستجابة لاحتياجات المتضررين الفعليين”.

وأشار الفاعل البيئي إلى أن “الواحة ليست فقط منظومة بيئية مهددة؛ بل هي أيضا عامل أساسي في الحفاظ على السلم الاجتماعي في مناطق الجنوب الشرقي”، مشددا على أن “زوال هذه المنظومات الطبيعية سيؤدي إلى اضطراب كبير في التوازنات الاجتماعية. وقد يُفضي إلى تنامي مظاهر الهشاشة والمزيد من التوتر في أوساط السكان المحليين”.

كما أكد المتحدث في السياق ذاته أن الواحة لطالما لعبت دورا مهما في الحد من ظاهرة الهجرة القسرية نحو المدن، من خلال توفير شروط العيش والاستقرار، خالصا إلى أن “تدهور هذه النظم يعني بالضرورة تصاعد موجات اللجوء البيئي، وما يرافقها من تحديات تنموية في المناطق الحضرية”. ولهذا، دعا إلى “اعتبار الواحات أولوية وطنية وليست فقط موروثا طبيعيا”.

المصدر: هسبريس

شاركها.