فعاليات أمازيغية تلوّح باللجوء إلى الشارع ومؤسسات الوساطة لتحقيق المطالب
نددت فعاليات أمازيغية بـ”الوضعية الكارثية” التي يشهدها ورش إدماج اللغة الأمازيغية في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة، معتبرة أن هذه الوضعية كانت نتاج “غياب الجدية” من طرف مختلف الحكومات المتعاقبة على المغرب في التعاطي مع هذا الملف، ملوحة في الوقت ذاته باللجوء إلى مؤسسات الوساطة والقضاء والشارع إن اقتضى الأمر، للضغط على الجهات المسؤولة وتحصين المكتسبات التي حققتها الأمازيغية من التراجع.
التزام دستوري وتراجعات خطيرة
عبد الله بادو، فاعل أمازيغي ومفتش تربوي، قال، في ندوة نظمتها جمعية “صوت المرأة الأمازيغية” بتنسيق مع “التنسيقية الوطنية لأساتذة وأستاذات اللغة الأمازيغية”، اليوم الجمعة بالرباط، إن “تدريس اللغة الأمازيغية هو التزام دستوري مؤطر بموجب دستور 2011؛ غير أنه وعلى الرغم من مرور اثنتي عشرة سنة على دسترة الأمازيغية فإن وضعيتها تعرف تراجعا خطيرا بحكم أن الحكومات المتعاقبة لم تستطع تفعيل مقتضيات الدستور ولا مقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بالأمازيغية الذي أحال عليه النص الدستوري”.
وأضاف بادو أن “اللغة وبدون توفير شروط حيويتها ستتجه نحو الانقراض”، مسجلا في هذا الصدد أن “حماية الأمازيغية وتطويرها لا يقع فقط على عاتق الفعاليات الأمازيغية والمهتمين؛ بل بالدرجة الأولى على عاتق الدولة بجميع مكوناتها ومؤسساتها”، مشيرا في هذا الصدد إلى “غياب جدية مختلف الحكومات المعاقبة في التعاطي مع هذا الملف”.
في السياق نفسه، سجل المتحدث ذاته أن “الحكومة الحالية تراجعت عن المخطط المندمج الذي كان يضم مجموعة من الاستراتيجيات في عديد من المجالات التي لها علاقة مباشرة بالقانون التنظيمي المتعلق بالأمازيغية”، معتبرا أن “الوضعية الحالية للأمازيغية كانت نتيجة سياسات تطبعها الارتجالية وتغيب عنها الرؤية الاستراتيجية؛ وهو ما تعكسه المؤشرات العددية المرتبطة بعدد التلاميذ الذين يدرسون هذه اللغة في المؤسسات التعليمية وكذا عدد أساتذة الأمازيغية ثم عدد المناصب التي تخصصها الوزارة لهذا التخصص ضمن مباريات التعليم”.
في هذا الصدد، انتقد الفاعل الأمازيغي ذاته الطريقة التي وضعت بها وزارة التربية الوطنية مواد الامتحان الكتابي الأخير لمباراة ولوج المراكز الجهوية للتربية والتكوين ـ تخصص اللغة الأمازيغية، معتبرا أن “محاولة الوزارة الوصية تعميم اللغة الأمازيغية على حساب الأساتذة من خلال تضخيم الأرقام في هذا الصدد، ثم مؤخرا إقرار النقطة الموجية للرسوب في مباراة التعليم الأخير وامتحان مترشحي تخصص الأمازيغية في غير مواد تخصصهم يطرح العديد من التساؤلات حول ما إن كانت الوزارة فعلا تريد أستاذا متخصصا في الأمازيغية أم أستاذا مُزدوجا، وحول مدى وجود إرادة سياسية حقيقية لتنزيل هذا الورش الوطني”.
ضغط على المؤسسات وبرنامج نضالي
من جهته، قال علي موريف، باحث في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، إن “وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة عليها على الأقل الالتزام بمذكراتها والقرارات الصادرة عنها؛ آخرها المذكرة المتعلقة بالتعميم التدريجي للغة الأمازيغية في المستوى الابتدائي”، مشددا على أن “عدد المقاعد التي تخصصها الوزارة لأساتذة هذه اللغة لا يمكن أن تتحقق معها أهداف المذكرة، بما فيه بلوغ نسبة تغطية بنسبة 50 في المائة في أفق سنة 2026”.
وأوضح المتحدث ذاته، في مداخلة له بالمناسبة، أن “الوضعية المزرية التي تعيشها اللغة الأمازيغية وأساتذتها اليوم ما هو إلا صورة معكوسة للوضع الكارثي الذي تعيشه الحركة الأمازيغية وتنظيماتها”، مسجلا أن “هذا الوضع ناتج عن فشل الفاعل الأمازيغي في تكوين قوة ضغط على المؤسسات والإدارات وكل المسؤولين الذين يدبرون شأنا من الشؤون المرتبطة بموضوع الأمازيغية”.
وشدد موريف على “ضرورة تكثيف جهود مختلف الفاعلين وإعادة النظر في طريقة عملهم والتنسيق فيما بينهم من أجل الضغط لحل المشاكل التي يعرفها ملف الأمازيغية؛ ضمنها ملف أساتذة هذه اللغة، والترافع المؤسساتي من أجل هذه المطالب لدى مؤسسات الوساطة والمؤسسات المعنية بالوضعية الحقوقية بل ورفع دعوى قضائية من ذوي الصفة والمصلحة ضد وزارة التربية الوطنية ووصولا إلى الاحتجاج في الشوارع”، مشيرا إلى أنه “في غياب هذا الضغط لن يكون هناك أي تغيير في هذا الصدد، ولن يحقق هذا الملف أية مكاسب؛ ذلك أن مختلف المكاسب المتواضعة التي حققتها الأمازيغية كانت نتيجة النضال الفعلي”.
وخلص إلى أن “وزارة التربية الوطنية آخر همها هو إيلاء الاهتمام للأمازيغية، والدليل على ذلك أنها لم تمدنا بالإحصائيات الدقيقة المتعلقة بوضعية الأمازيغية، سواء عدد الأساتذة أو عدد المفتشين أو الكتب المدرسية المليئة بالأخطاء والمفتقرة للجودة”، مسجلا في هذا الصدد أن “بعض أساتذة اللغة الأمازيغية ما زالوا يدرسون التلاميذ بمقررات دراسية قديمة رغم تحيين هذه الأخيرة”، مشددا على أن “تسطير برنامج نضالي وتحويل هذا الموضوع إلى قضية رأي عام خاصة بمناسبة إيض يناير من شأنه أن يسهم في تجاوز كل هذه المشاكل التي تتخبط فيها الأمازيغية”.
افتراس سياسي و”قتل للهوية”
عبد الله بوشطارت، فاعل وكاتب أمازيغي، قال إن “مشكل الأمازيغية في التعليم ليس مشكلا بيداغوجيا ولا تقنيا بل هو مشكل سياسي كبير مرتبط ببنية الدولة وهويتها”، معتبرا في الوقت ذاته أن “الحركة الأمازيغية تعرضت لما يمكن أن نسميه الافتراس السياسي من طرف بعض الأحزاب السياسية في إطار مخطط خطير كان ظاهره محاربة الإسلام السياسي غير أن باطنه الحقيقي هو محاربة الأمازيغية نفسها”.
وأضاف بوشطارت أن “بعض فعاليات الحركة الأمازيغية انخرطت بحسن نية في هذا المسلسل بينما انخرط فيه البعض لدواع انتهازية”، مشيرا إلى أن “المدرسة المغربية عوض أن تصبح خزانا فكريا أضحت تكرس التمييز وتقتل الهوية، وهذا ما يعكسه السياسات المتعلقة بتوظيف أساتذة اللغة الأمازيغية ومختلف التدابير والإجراءات التقنية الأخرى التي وضعتها وزارة التربية الوطنية من أجل إقصاء الأمازيغية من التعليم، وهذا أمر خطير يجب أن يستوعبه مختلف الفاعلين والمهتمين”.
وأوضح المتحدث ذاته، في مداخلته، أن “الحكومة الحالية لا تطبق القانون التنظيمي المتعلق بالأمازيغية بالشكل المطلوب؛ وهو ما يطرح مجموعة من الأسئلة المركزية حول جديتها في تنزيل هذا الورش”، مسجلا أن “ورش التعميم الذي نصت عليه مذكرة الوزارة ومختلف الوعود الحكومية علاقة بملف الأمازيغية لا يمكنها أن تحقق على أرض الواقع في ظل هذه السرعة البطيئة التي تسير بها ورش تعميم الأمازيغية وإدماجها في مختلف مجالات الحياة العامة”.
المصدر: هسبريس