دخلت العلاقات الفرنسية الجزائرية مرحلة جديدة من التوتر السياسي والدبلوماسي، بعد أن وجّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حكومته إلى اعتماد مزيد من الحزم والتصميم تجاه النظام الجزائري، في ظل تفاقم عدد من القضايا الثنائية، وعلى رأسها ملف الكاتب بوعلام صنصال والصحافي الفرنسي كريستوف غليز المعتقلين في الجزائر.
وفي رسالة رسمية إلى رئيس وزرائه فرانسوا بايرو شدد ماكرون على أن “فرنسا يجب أن تكون قوية وتحظى بالاحترام”، مُعلنًا تعليق الإعفاءات الممنوحة لحاملي الجوازات الرسمية والدبلوماسية الجزائرية من التأشيرة، في خطوة توصف بأنها أولى قرارات الرد القاسية تجاه الجزائر.
أزمة متعددة الأوجه
يأتي هذا التصعيد بعد تراكم سلسلة من الأزمات الحادة بين باريس والجزائر، بدأت منذ اعتراف فرنسا الرسمي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وهو الموقف الذي لم يُخفِ النظام الجزائري غضبه تجاهه.
ويرى الناشط السياسي الجزائري المعارض شوقي بن زهرة أن جذور الأزمة تعود إلى الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء، الذي أدى إلى سحب السفير الجزائري من باريس سنة 2023، في خطوة أولى نحو تصعيد دبلوماسي مستمر.
وأضاف بن زهرة، ضمن تصريح لهسبريس، أن الوضع زاد تأزيمًا باعتقال الكاتب بوعلام صنصال، وقضية المؤثرين، ومحاولة اغتيال معارض جزائري على الأراضي الفرنسية؛ وهي أحداث تسببت في تحول جذري في موقف الإليزيه من الجزائر.
وبحسب المتحدث ذاته فإن الرئيس ماكرون، الذي كان في السابق يميل إلى التساهل مع النظام الجزائري، بدأ يرضخ تدريجيًا لضغوط متصاعدة داخلية وخارجية تطالب بتشديد الموقف، خاصة من وزير الداخلية جيرالد دارمانان، الذي كان يدعو منذ مدة إلى تبني مقاربة صارمة تجاه الجزائر، خصوصًا في ما يتعلق بالهجرة غير النظامية والأمن.
الخطاب يتوحد بأوروبا
من جانبه يربط الباحث المغربي في العلاقات الدولية لحسن أقرطيط التوتر المتصاعد بين البلدين بوجود مأزق سياسي حقيقي داخل النظام الجزائري، يتمثل في فشله في إدارة التناقضات الجيوسياسية مع شركائه التقليديين، وعلى رأسهم فرنسا، روسيا، إيطاليا ودول الساحل.
وأوضح أقرطيط، ضمن تصريح لهسبريس، أن اختيار فرنسا الواضح المغرب كشريك إستراتيجي، من خلال دعمها تنمية الأقاليم الجنوبية ومواكبة جهود المملكة في ملف الصحراء، مثّل نقطة تحول جذري في العلاقات الفرنسية الجزائرية، أنهت مرحلة من “الحياد المتوازن” الذي حاولت باريس الحفاظ عليه لعقود.
وأضاف الباحث ذاته أن فشل الجزائر في الحصول على تنازلات فرنسية مقابل تحسين العلاقات دفعها إلى محاولة استعراض أوراق الضغط، من خلال اعتقال صنصال وغليز، ورفض الإفراج عنهما، وهو ما ردت عليه باريس اليوم بخطاب سياسي أكثر صرامة، وقرارات سيادية تستهدف مباشرة رمزية العلاقة بين البلدين.
وأكد أقرطيط أن الرئيس ماكرون يتحرك تحت ضغط داخلي متزايد، خاصة في ظل تصاعد الخطابات السياسية التي تربط الأزمة بملف الهجرة والأمن، إذ أشار مسؤولون فرنسيون إلى وجود “إشكالية حقيقية” تتعلق بالمهاجرين الجزائريين.
وشرح المحلل ذاته أن ماكرون، الذي طالما سعى إلى الحفاظ على قنوات دبلوماسية مفتوحة مع الجزائر، لم يعد قادرًا على تبني المقاربة “الناعمة”، خصوصًا مع ارتفاع الأصوات داخل الحكومة وخارجها المطالبة بـ”وقف تقديم التنازلات”.
وقال المتحدث إن الرئيس الفرنسي أصدر من هذا المنطلق تعليماته الصريحة إلى وزيري الداخلية والخارجية للتحرك في المحيط الأوروبي، ومنع أي محاولات للالتفاف على القرارات الفرنسية، في إشارة إلى مواقف بعض الدول، مثل إيطاليا، التي قد تسعى إلى استغلال هذا الفراغ الدبلوماسي لصالحها.
المصدر: هسبريس