فرنسا تتجاوز “الاعتراف السياسي” بمغربية الصحراء إلى “الالتزام الاقتصادي” بتنمية مدنها
توصلت فرنسا والمغرب إلى اتفاق مبدئي لزيادة الاستثمارات والمساهمة في تنمية المناطق الجنوبية للمملكة، ولا سيما مدينة الداخلة، وذلك في إطار تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين.
ويأتي هذا “الالتزام” الفرنسي، ضمن الخطوات الملموسة التي اتخذتها فرنسا في الآونة الأخيرة لرأب الصدع في علاقاتها مع الرباط، وذلك بعد سنوات من “الفتور” بين المغرب وفرنسا بسبب موقف باريس “الغامض” تجاه قضية الصحراء.
وفي هذا الإطار، أكد وزير التجارة الخارجية الفرنسي فرانك ريستير أن الوقت حان “لإنعاش العلاقة”، وذلك في زيارة إلى المملكة قام بها مطلع أبريل الجاري إلى الرباط، بعد أسابيع من أخرى قام بها وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه.
وأصبح قطاع الأعمال منذ انطلاق المرحلة الجديدة من العلاقات الدبلوماسية، عنصرا أساسيا في استراتيجية تعزيز العلاقات مع المغرب، حيث يستعد المغرب لاستضافة وزيري الاقتصاد برونو لومير والفلاحة مارك فينو قبل نهاية الشهر الحالي.
وعلى عكس إسبانيا التي اعترفت بسيادة المغرب على الصحراء عبر التأكيد على كون الحكم الذاتي هو الحل الوحيد للنزاع، وتعهدت باستثمارات مستقبلية، اختارت فرنسا، على ما يبدو، استراتيجية تنفيذ مشاريع استثمارية في الصحراء قبل الاعتراف الرسمي بالسيادة المغربية.
وبالمناسبة، أكد وزير الخارجية الفرنسي خلال زيارة استمرت يومين للمملكة المغربية، استعداد فرنسا لدعم هذه الجهود، مشيرا إلى أن فرع الوكالة الفرنسية للتنمية يمكن أن يساعد في تمويل شبكة الكهرباء عالية الجهد التي تربط مدينة الداخلة بالعاصمة الدار البيضاء.
وخلال الزيارة، جدد جان إيف لودريان موقف بلاده الجديد بشأن العلاقات وأشاد بتطور التعاون بين البلدين، مؤكدا بأن هذه العلاقات “مقبلة على مستقبل قوي” وستؤتي ثمارها كما هو ماضي البلدين المشترك.
وشدد لودريان على الدور الأساسي للتعاون الاقتصادي والتجاري في تعزيز الصداقة والشراكة الدائمة بين المغرب وفرنسا، مبرزا أن فرنسا تعمل على تعزيز التعاون التنموي مع الرباط، مؤكدا أهمية توسيع التعاون وتحسين التنسيق في مجالات مثل الصحة والفلاحة والصناعات الغذائية والتقنيات الجديدة.
ويرى مراقبون أن تردد فرنسا بشأن قضية الصحراء كان السبب الرئيسي الذي دفع المغرب لإعادة التفاوض بشأن شراكته الاستراتيجية طويلة الأمد مع الجمهورية الفرنسية، وذلك في ظل تنامي قوة المغرب وارتفاع نسق ابتعاده في السنوات الأخيرة عن “الوصاية الفرنسية”.
وباتت فرنسا تدرك مؤخرا بشكل جيد، أن المغرب بلد صاعد فعلا، وذلك بفعل تطور المملكة على مستوى التنمية المحلية واستغلال الموارد في قطاعات مثل الفلاحة والفسفاط، وتطوير السيارات الكهربائية بفضل انخفاض تكلفة تصنيع البطاريات، إلا أنه لم يكن ليصل إلى مستواه الحالي من التنمية دون تعاون الدول الأخرى.
ويمثل الالتزام الأمريكي والإسرائيلي بالأمن الدفاعي للمغرب، والاتفاقيات مع إسبانيا بشأن البنية التحتية، والاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي (أهم اتفاقية صيد بحري في العالم)، الأساس الذي بنت عليه المملكة تنميتها وحققت مستويات نمو لم يسبق لها مثيل في تاريخها الحديث.
وامام كل هذه المعطيات، أدركت فرنسا أنه لا ينبغي لها أن تتخلف عن الركب، خاصة وأن التقارب الثقافي والحواجز التي تزول بفضل اللغة المشتركة، يجب أن تكون سببا كافيا لتعزيز العلاقات التي تصبح أكثر توطدا يوما بعد يوم، والتي سيجني منها البلدان فوائد مهمة.
المصدر: العمق المغربي