خلّفت برمجة وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة الخاصة بالامتحانات الإشهادية الإقليمية الموحدة لمستوى السادس الابتدائي، “استياء” فاعلين تربويين، بالنظر لتوزيع مواد اليوم الأول من الاختبارات على فترتين، صباحية ومسائية، تفصل بينها أكثر من 5 ساعات، في وقت اعتبر آخرون ذلك “ضروريا لراحة المترشحين، ويمكن مواجهة أي إشكالات ربما يطرحها بالتآزر الاجتماعي”.
انتقل هذا التباين في الرؤى بين الفاعلين التربويين إلى البرلمان المغربي بمساءلة الوزير محمد سعد برادة في الموضوع من قبل برلمانيين، آخرهم حسن أومريبط عن فريق التقدم والاشتراكية، الذي قال في سؤال كتابي إن “الأمر (…) يثير عدة إشكالات تنظيمية وتربوية، خاصة في ظل الخصوصيات المجالية والديمغرافية لبعض المناطق المغربية”.
و”إذا كانت برمجة الامتحانات خلال السنوات الماضية قد راعت هذه الخصوصيات ووفرت شروطا مناسبة لاجتياز التلاميذ للاستحقاق”، يضيف البرلماني ذاته، فإن “البرمجة المعتمدة لهذه السنة لم تأخذ بعين الاعتبار واقع العالم القروي، وما يفرضه من صعوبات في التنقل والبنية التحتية، ولا وضعية بعض المؤسسات التعليمية التي تعرف اكتظاظا مهولا يستلزم تدبيرا خاصا لعملية الإجراء والتأطير، ولا حتى الظروف الخاصة لبعض الأقاليم ذات الامتداد الجغرافي أو التضاريس الصعبة”.
وعدّ المصدر نفسه أن هذه البرمجة “يترتب عنها اضطرار عدد من التلاميذ، خاصة في الوسط القروي، إلى التنقل ذهابا وإيابا بين فترتي الامتحان أو البقاء في مراكز الإجراء لساعات طويلة دون توفير ظروف مناسبة للاستراحة أو التغذية، وفي غياب التأطير والحراسة خلال الفترة الفاصلة، وهو ما قد ينعكس سلبا على سلامتهم الجسدية والنفسية، ويؤثر على تكافؤ الفرص بين مختلف الفئات التلميذية”.
وساءل أومريبط الوزير الوصيّ عن الإجراءات التي ستتخذها الوزارة “لمعالجة هذه الاختلالات وضمان برمجة تراعي خصوصيات بعض المناطق والمؤسسات التعليمية والعالم القروي، وتكفل ظروفا تربوية عادلة ومنصفة لكافة التلميذات والتلاميذ؟”.
الخصوصيات “غائبة”
في ظل هذه البرمجة، عدّ رضوان الرمتي، خبير تربوي ممثل المتصرفين التربويين بوزارة التربية الوطنية، أن “التلاميذ الممتحنين خصوصا بالعالم القروي سوف يضطرون إلى الانتظار طويلا أمام مراكز الامتحانات بين الفترة الصباحية والمسائية”، مستنكرا أن “يتم استدعاؤهم في الوقت ذاته في اليوم الموالي من أجل إجراء امتحان مادة أخرى”.
وقال الرمتي ضمن تصريح لهسبريس: “كان من المفروض أن يتم الإبقاء على البرمجة ذاتها التي كان يتم العمل بها خلال السنوات الفارطة، أي الامتحان في جميع المواد في يوم واحد”، مشددا على أنه “مادام هذا الاختبار إقليميا، فينبغي له أن يراعي خصوصيات عدد من الأقاليم، كطاطا والحوز وغيرهما، حيث الحرارة ترتفع إلى مستويات قياسية”.
ووضّح الخبير التربوي ذاته أن “المعاناة جراء هذه البرمجة سوف تكون مضاعفة بالنسبة للتلاميذ بالمجموعات المدرسية المنتشرة في الوسط القروي حيث يتم الاضطرار إلى التقليل ما أمكن من عدد مراكز الامتحانات، ما يضطر تلاميذ أحيانا إلى قطع كيلومترات عديدة للوصول إلى المركز”.
اعتبارا لذلك، أكد الرمتي “ضرورة تدارك هذه البرمجة التي لا تراعي البتة خصوصيات العالم القروي”.
برمجة سليمة و”تآزر مجتمعي”
في المقابل، لفت جمال شفيق، خبير تربوي مفتش مركزي سابق، إلى أن “من غير السليم من الناحية البيداغوجية أن يجتاز التلميذ امتحانات ثلاث مواد بطريقة مسترسلة”، موضحا أنه “من المفروض أن يستفيد من فترة راحة بين المواد بما يمكنه من وجبة غذائية والاستعداد نفسيا، وأحيانا تربويا، لامتحان المادة الموالية”.
ونبّه شفيق، ضمن تصريح لهسبريس، إلى “وجود مديريات إقليمية عدة تعمل على توفير المأكل والمشرب لفائدة التلاميذ خلال أيام الامتحان، خصوصا بالمناطق القروية”، مشددا على أن “التضامن والتآزر الاجتماعي يجب أن يكون حاضرا لتيسير ظروف اجتياز الاختبارات لفائدة التلاميذ الذين قد تطرح بالنسبة إليهم إشكالات في هذا الصدد”.
ووضّح الخبير التربوي أن “جمعيات الآباء مثلا يمكن أن تقوم بنصب فضاءات أو خيام لفائدة هؤلاء التلاميذ، مع توفير الأكل والشرب لهم وكافة شروط الراحة”، مشيرا إلى “ضرورة احترام البرمجة ذاتها على الصعيد الوطني بما يضمن تكافؤ الفرص”.
المصدر: هسبريس