اخبار المغرب

فاطمة الصالحي تروج ثقافات المغرب عبر “أسفار المنارة” في مونتريال

حتى عند تواجدها في الأداء الإداري لمكاتب الدراسات أو خدمات الاتصالات لم تتخيل فاطمة الصالحي أن تصير من المتعاملين في مجال الإنعاش السياحي، سواء ارتبطت هذه الاشتغالات بالاستقرار في المغرب أو بالتواجد في كندا، لكن مجرى الحياة خلال العقدين الماضيين حولها إلى امرأة متعطشة لمراكمة التميز تلو الآخر في هذا الميدان.

في خضم التعامل مع الوجهات القادرة على جذب السياح الكنديين، تحرص الصالحي على إبراز المنتج المغربي، وما يتحلى به من تنوعات ثقافية وثروات إنسانية ودفء في الأحوال الجوية، كي تمد الوطن الأم بأفواج من الراغبين في التعرف على الناس وجها لوجه، وبذلك تنصب فاطمة نفسها واحدة من السفراء غير الرسميين للمملكة.

الميول الاقتصادية

ازدادت فاطمة الصالحي في الرباط، وكبرت في المدينة نفسها حتى بلغت أول احتكاك رسمي لها مع الفصول الدراسية بـ”مدرسة الأمل المختلطة”، الكائنة في “حي الأمل” بالعاصمة المغربية، ثم تطور مستواها حتى ارتياد ثانوية عمر الخيام في “حي الليمون”، حيث حصلت على شهادة الباكالوريا في العلوم الاقتصادية.

وتقول فاطمة: “جذوري من جهة الشرق، إذ إن أصلي الرشيدة بمنطقة سيدي يعقوب، رغم ارتباط العضوي والوجداني بالرباط منذ ولادتي، لكن الفرصة أتيحت لي كي أكرم بلد الأجداد عند التكوين في العلوم الاقتصادية بجامعة محمد الخامس، وتمثل ذلك في بحث ميداني عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية بتاوريرت”.

“حاولت الاشتغال في هذه التجربة الأكاديمية على الرهانات السوسيواقتصادية للمنطقة، وأعتبرها متميزة لأن التركيز انصب على الإمكانيات المتاحة للتنمية، زيادة على جمع آراء الساكنة المحلية من خلال عينة نوعية متكونة من 600 شخص، وصولا إلى خلاصات للتخفيف من المشاكل المرصودة في المكان”، تضيف الصالحي.

هجرة موقوفة التنفيذ

في المرحلة الموالية، راكمت فاطمة الصالحي رصيدا مهنيا متمسكا بالإقبال على التطور كلما سنحت بذلك الفرص المتاحة أمامه، إذ حاولت المتخرجة من جامعة الرباط أن تستعين بتكوينها في العلوم الاقتصادية من أجل الحصول على شغل في مكاتب للدراسات، على امتداد مراحل متتالية، ثم انتقلت لاحقا إلى العمل مع شركة “اتصالات المغرب”.

تنفي المتأصلة من شرق المملكة أن تكون الهجرة خطرت على بالها قبل أن تعرض عليها إحدى صديقاتها ملء طلب للاستقرار في كندا، وتقول عن هذا التحول: “سايرت الفكرة وحصلت على رد إيجابي بعد ستة أشهر من إرسال الوثائق، لكنني لم أتحرك من المغرب حتى اقترب انتهاء الأجل المخصص لي”.

“لقد شجعني أبي على الانخراط في تجربة الهجرة، وأفلح في إقناعي باستثمار جهدي في مدينة مونتريال حتى أتطور بكيفية أسرع، كما نبهني إلى أن الالتحاق مجددا بالمغرب يبقى ممكنا كلما وجدت نفسي غير قادرة على الاستمرار. بعد ذلك انتقلت إلى كندا محددة هدفي الأساسي في تقوية القدرات من خلال الدراسة”، تذكر الصالحي.

المفعول الإيجابي للصدفة

حصلت فاطمة الصالحي على فرصة للاشتغال في وكالة للأسفار حين كانت طالبة، وجاء ذلك بالصدفة حين كانت تبتغي اقتناء تذكرة للسفر جوا من مونتريال إلى الدار البيضاء، إذ اقترح عليها مقدم هذه الخدمة، وهو باكستاني الجنسية، الاشتغال معه في الوكالة نفسها، ثم قبلت العرض بعدما تكرر فور عودتها من المغرب.

عن هذا الانتقال تورد فاطمة: “حاولت التهرب من إبداء الموافقة في البداية، فقد رأيت أن تكويني لا يمكن أن يجعلني مؤهلة لهذا العمل، بينما عاودت التفكير في هذا الموضوع في لحظة صفاء ذهني، وقد تخلصت من التردد لأوافق على العمل دون التخلي عن الدراسة، بينما جاء وقت لاحق عرف تفرغي لهذا الأداء المهني بشكل كامل”.

حرصت الوافدة من الرباط على تطوير عدد الزبائن في مرفق الأسفار الذي تعمل فيه، وتطوير أساليب التسويق، مع تنويع العروض المقدمة على مدار السنة، إذ استغرقت أربع سنوات ونيفا في هذا الأداء قبل أن ترى ضرورة الانتقال بمجهوداتها إلى مستوى آخر؛ والقيام بما يلزم كي تفتتح المشروع الخاص بها وتعمل لصالح نفسها.

“أسفار المنارة”

تأسست وكالة “أسفار المنارة” للخدمات السياحية على يد فاطمة الصالحي سنة 2008، وذلك بعد شروعها في السنة الخامسة من العمل بهذا الميدان، مقترحة على الواثقين في أدائها مجموعة من العروض المرتبطة بمناطق عديدة عبر العالم، من بينها التوجه إلى التراب المغربي لعيش تجارب مختلفة عن نظيراتها في بقية البلدان.

وتورد فاطمة أنها حاولت التحلي بالإصرار والجدية في هذا الاستثمار الطموح، وتوفير الإمكانيات الذهنية القادرة على الارتقاء بهذه التجربة إلى مصاف الناجحين، كما تضيف: “وفقت في الترويج لأسفار المنارة في أسواق السياحة، وحصلنا على سمعة جيدة تجعلنا من رموز الجودة في هذا القطاع بمونتريال. أحاول أن أزيد إعلاء سقف الطموحات منذ أن رصدت توفيقي في تنظيم الأسفار”.

كما تؤكد الصالحي، من جهة أخرى، رصد إقبال كبير في مدينة مونتريال وإقليم كبيك، وأيضا من مناطق أخرى في دولة كندا، على جميع عروض “أسفار المنارة” المرتبطة بالمنتج المغربي، كيفما كانت المسارات السياحية المسطرة، إذ أضحى التعرف على الثقافات المتنوعة للمغاربة جذابا للغاية، بل صار “نوعا راقيا من الموضة” وفق تعبيرها.

جبال تحت الأنظار

وصلت خريجة جامعة محمد الخامس بالرباط إلى قرابة عِقدين من العمل في تنظيم الأسفار وإنجاح الخرجات السياحية الفردية والجماعية، لكن طموحاتها مازالت متّقدة كي تحقق مكاسب تلو الأخرى بنشاطها، خاصة أنها تلمس محفزات الاجتهاد في الإمكانيات المتوفرة على التراب الكندي، وترى بلد الاستقرار مشجعا على المزيد من البذل عند شروق شمس كل يوم.

وعن هذه الطاقة الإيجابية المتجددة تقول فاطمة: “أعتبر أنني حصلت على شخصية قوية منذ أن شجعني أبي على الهجرة عند بداية الألفية الحالية، وإيجابيات هذه الخطوة البارزة في حياتي أريد أن أبقيها حاضرة دائما، خاصة أن عملي صار، في شق واسع منه، يضمن لي روابط مع الوطن الأم”.

“أرغب في المساهمة ضمن الجهود القادرة على مساعدة بلدي من اشتغالي في العمل السياحي، وتتضاعف سعادتي كلما ارتبط العمل بضمان مردود مالي لفئات هشة بالمغرب. والتفكير ينصب حاليا على نسج مسارات سياحية تتيح الوصول إلى الناس في الجبال والمناطق النائية من أجل تسويق الثقافات المحلية على الصعيد الدولي”، تعلن الصالحي.

أداء يشرف المغرب

تؤمن فاطمة الصالحي بأن المنتمين إلى صف الجالية مطالبون بالتوقيع على أداءات تشرف المغرب، أينما كان موقعهم وكيفما تنوع حيز نشاطهم، وأن يعرفوا أن الحيز الذي يحتضنهم لا يعرف البلد الأصلي إلا من خلالهم، أي إن إعطاء صور جيدة أخلاقيا ووظيفيا ينعكس على الفرد مثلما ينعكس على مواطنيه أيضا.

كما ترى صاحبة “أسفار المنارة” أن الأشخاص الجيدين في أي مجتمع، المبادرين إلى إعطاء قيمة مضافة وهم يعيشون في الهجرة، يلقون الاحترام في بلد الاستقبال، ويستفيدون من تشجيعات مصدرها المحيطون بهم، ويعملون على كسب احترامهم بكيفية يمكن استثمارها في بلوغ النجاحات المرجوة.

“الجدية خصلة محمودة في الناس حتى إن بقوا في المغرب، لذلك فإن مطالبة المقبلين على الهجرة بإبراز الجدية اللازمة لا يعني إلزامهم بجهود إضافية تثقل كاهلهم، بل الصحيح أن مشقة الخروج من ركن الراحة يجب أن يتم إرفاقها برفع منسوب الإصرار، والتحلي بروح الكفاح، والاعتماد على الذات بلا حساب لتحقيق الأهداف المسطرة”، تختم فاطمة الصالحي.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *