تعيش الحركة الاقتصادية بمدينة فاس ركودا حادا تزامنا مع العطلة الصيفية، حيث وجد التجار أنفسهم أمام تدهور مستمر في تجارتهم لأسباب متعددة خارجة عن إرادتهم.
وأوضح عز الدين الفيلالي، أحد الصناع التقليديين بفاس العتيقة، في تصريح لجريدة “”، أن النشاط الحرفي بالمدينة كان يعتمد على دورة موسمية واضحة، إذ يعمل الحرفيون خلال فصل الشتاء على إعداد منتجاتهم استعدادا لموسم الصيف، الذي يشهد عادة توافد الزوار والسياح الباحثين عن الهدايا التقليدية.
وفي السياق ذاته، أكد الميسوري، وهو صانع تقليدي، أن من بين الأسباب الرئيسية لهذا الركود الاقتصادي ضعف البنية التحتية للنقل الحضري داخل المدينة، مما يعيق تنقل الزوار إلى المدينة العتيقة. وأشار إلى أن غياب الحافلات التي كانت تخدم المناطق الحيوية، وغياب مواقف السيارات القريبة، يشكلان عائقا كبيرا أمام الزوار، خاصة أن تكلفة ركن السيارة بعيدا قد تصل إلى 30 درهما، وهو مبلغ يعتبر مرتفعا مقارنة بقيمة المشتريات، التي قد لا تتجاوز 100 درهم. هذا الواقع دفع الكثير من الزبائن إلى الامتناع عن زيارة الأسواق، كما شهدت أعداد السياح الأجانب تراجعا ملحوظا، ما انعكس سلبا على الحركة التجارية.
علاوة على ذلك، أدت زيادة الرسوم الجمركية إلى تفاقم الأزمة، حيث اضطر بعض المشترين الأوفياء إلى بيع المنتجات في الخارج بدلا من الشراء المباشر من الحرفيين، مما عزز حالة العزلة الاقتصادية التي يعاني منها الصناع المحليون. ووفقا للميسوري، فقد تراجع التعاون بين الحرفيين وزبائنهم، مما أثر بشكل كبير على سوق المدينة. وتتجلى هذه الأزمة بشكل واضح في أحياء مثل رأس الشراطين والصفارين وباب السنسلة، التي كانت تاريخيا مراكز حيوية للتجارة والحرف، لكنها تشهد حاليا إغلاقا متزايدا للمحلات وغيابا للنشاط، ما يحولها إلى مناطق شبه مهجورة.
وفي هذا الصدد، اعتبر الخبير الاقتصادي أمين سامي، في تصريح للجريدة، أن الركود الحالي لا يُعد مجرد عثرة موسمية، بل يمثل إشكالية عميقة يجب العمل على تجاوزها، رغم المجهودات الكبيرة التي تبذلها الدولة من أجل النهوض بقطاع الصناعة التقليدية. وأضاف أن المغرب استقبل رقما قياسيا بلغ 17.4 مليون زائر سنة 2024، أي بزيادة قدرها 20 في المئة، لكن توزيع التدفقات السياحية يميل إلى مراكش وأكادير، في حين لا تتجاوز مساهمة جهة فاس مكناس 11 في المئة من رقم معاملات القطاع الحرفي.
وأوضح سامي أن ذوق المستهلك العالمي تغير نحو التجربة التفاعلية والمنتج المصادق عليه رقميا، وهو ما لم تستثمر فيه الصناعة التقليدية الفاسية بعد بالشكل الكافي. وشدد على أن إنعاش الصناعة التقليدية في فاس يتطلب رؤية شمولية تربط بين تحسين البنية التحتية، وتخفيف العبء الجمركي، والرقمنة، والتمويل الذكي. حينها فقط يمكن لهذا القطاع التراثي أن يستعيد مكانته التاريخية، ويصبح رافعة لتنويع الاقتصاد وتحسين الدخل المحلي، بما ينسجم مع أهداف التنمية البشرية وتقليص الفوارق المجالية.
إن الوضع في المدينة العتيقة لم يعد يهدد فقط اقتصاد فئة من الحرفيين، بل بات يهدد ذاكرة حية وتراثا غير مادي يميز فاس عن باقي المدن. ويطالب الفاعلون بإجراءات عاجلة تشمل تسهيل الولوج إلى الأحياء الحرفية، وإعادة النظر في الرسوم الجمركية، وتحفيز السياحة الثقافية والداخلية لإنعاش هذا القطاع الحيوي.
المصدر: العمق المغربي